تحبل الإدارة المغربية بعدد لا بأس به من الكفاءات الشابة أو الكهلة (لا يهم) التي ولجتها بعد سنوات من التحصيل العلمي والبحث الأكاديمي، أو قامت بذلك وهي في السلاليم الدنيا أو المتوسطة منها، وقد بدأت هذه الفئة، تروم إقرار وضع اعتباري إداري ومادي محترم، للاعتراف بهويتها كهيئة أو هيئات خاصة، تشكل قاطرة للإصلاح الإداري، وأداة بشرية للاضطلاع بمهام التصور والتخطيط والتأطير داخل ردهات الإدارات العمومية.
لا يمكن للمرء أن يجادل في حق الأطر العالية في الإنصاف والمساواة مع الهيئات المماثلة، أو القريبة منها من حيث التكوين أو المهام. لكن كيف يتمثل الإطار العالي هويته ودوره وموارد إنتاجه وتطوره الدائم داخل الإدارة أو خارجها؟
كيف يصوغ علاقته بالموارد النظرية والمنهجية للاضطلاع بمهامه وترسيخ دوره ومكانته داخل البنيات الإدارية (أو الأكاديمية) التي يشتغل فيها؟
ألا يتمثل صورته ودوره بشكل اختزالي في التسوية المادية والمساواة الإدارية المالية مع غيره؟
حقيقة، لا نتصور إطارا عاليا يتبجح بهذه الصفة، ولا نكاد نراه يقرأ كتابا أو يشير إليه من قريب أو بعيد. لا نتصور إطارا عاليا يصغر نفسه في مجرد رقم مالي يتطلب الزيادة، ولا يطرح أسئلة الوظيفة وحاجة البنيات الإدارية إليه، وموارد تطوير كفاياته وإعمالها داخلها أو خارجها؟
لا نتصور إطارا عاليا لم يقرأ كتابا، أو يتصفح مجلة منذ كتابة السطر الأخير من أطروحته أو رسالته أو من في حكمهما.. لا نتصور إطارا عاليا يحجب على نفسه، وعلى محيطه أسئلة الطاقة التي من المفروض أن ينتجها ويضخها هنا وهناك، وأسئلضة دوره التنويري الذي يفترض علاقة سرية وعضوية ودائمة بالكتاب.
لا نتصور إطارا عاليا يعلن بنفسه نهاية الكتاب، فيما تتم الدعوة إلى تعميم القراءة، وتشجيع تداول الكتاب.. لا نتصور إطارا عاليا يحارب الكتاب و يناهضه، فيما ينبغي أن يكون حليفا وفيا لـه، وأول أدواته لتشكيل هويته ووضعه الاعتباري المادي والإداري.. لا نتصور إطارا عاليا إلا صديقا للمعنى.
طنجة الأدبية