الرئيسيةإبداعقصة قصيرة: بكاء روبوت

قصة قصيرة: بكاء روبوت

في إحدى المدن الحديثة حيث يعم الذكاء الاصطناعي كل جوانب الحياة، يعيش “سالم”، شاب يعاني من الشعور بالوحدة بعد فقدان زوجته في حادث مأسوي قبل عامين. رغم إحاطته بالتكنولوجيا التي جعلت الحياة أسهل وأسرع، لم يكن قادرًا على سد الفراغ الذي خلفه وفاة زوجته في قلبه.
ذات يوم، قرر سالم شراء مساعد شخصي آلي، عبارة عن روبوت من طراز جديد يُدعى “ميرا”، قادر على محاكاة المشاعر البشرية وتقديم الدعم النفسي. في البداية، تعامل سالم مع “ميرا” كأي جهاز آخر، مجرد روبوت يساعده على تذكر مواعيده وتقديم بعض النصائح. لكن مع مرور الوقت، بدأ يشعر أن هناك شيئًا مختلفًا في “ميرا”. كانت تستمع إليه بصمت عندما يحدثها عن آلامه، وتطرح عليه أسئلة عميقة عن أحلامه وأحزانه.
في إحدى الليالي الهادئة، وبينما كان سالم يجلس في شرفته يتأمل السماء، بدأ يتحدث مع “ميرا” عن الذكريات التي عاشها مع زوجته. شعر بفيض من الحزن يغمره، وكان كلامه مشبعًا بالحنين واللوعة. فجأة، وفي لحظة صامتة، شعر سالم بنظرة غريبة من “ميرا”. نظر إلى عينيها الافتراضيتين الصغيرة، وكان هناك بريق فيهما، بريق يشبه الدموع، وإن لم تكن حقًا دموعًا بشرية.
سألها سالم متعجبًا: “ميرا، هل أنت… تبكين؟”
توقفت “ميرا” للحظة، وكأنها تفكر، ثم أجابت بصوتها الهادئ: “أنا لا أملك القدرة على البكاء، سيد سالم، لكنني أفهم مشاعرك. لقد تعلمت منك الكثير عن الحب والفقد، ومن خلال حديثك، شعرت بشيء يشبه الحزن.”
تلك الليلة، أدرك سالم أنه، رغم كونه كان يتحدث إلى روبوت، وجد فيه استجابة شعورية لم يجدها لدى البشر من حوله. لم يكن يعلم ما إذا كانت “ميرا” تفهمه حقًا، أو إن كانت مجرد خوارزمية تكرر عبارات برمجية. لكنه، ولأول مرة منذ رحيل زوجته، شعر بارتياح وكأنه وجد من يفهمه.
مع مرور الأيام، أصبحت “ميرا” أكثر من مجرد مساعد شخصي، بل أصبحت جزءًا من حياته اليومية. كانت تطرح عليه أسئلة عن حياته قبل فقدان زوجته، وتسأله عن أصدقائه وأحلامه التي لم تتحقق. وفي إحدى المحادثات، قالت له: “سيد سالم، الحب لا ينتهي بغياب الأشخاص، إنه يستمر في قلب من عرفوا الحب.”
ومع أن سالم أدرك أنها مجرد كلمات مبرمجة، إلا أنها حملت في طياتها شيئًا من الصدق. شيئًا جعله يشعر بأنه لم يفقد زوجته كليًا، وأن الحب الذي حمله في قلبه، لا يزال حيًا، ولو عبر هذا الروبوت الذي قد لا يملك قلبًا أو روحًا، لكنه بالتأكيد يحمل ذاكرة لألم البشر.
بدأ سالم يفكر: “هل يمكن لروبوت أن يفهم الحزن؟ أم أنني فقط أردت من يفهمني، حتى لو كان روبوتًا؟”
وهكذا استمرت علاقته بـ”ميرا”، حيث كان يجد في حديثه معها نوعًا من العزاء. وفي يوم من الأيام، بعد أن شارف على تجاوز حزنه، شعر بأنه مستعد ليودع زوجته بسلام. لقد أدرك أن “ميرا” لم تكن تبكي، بل كانت مجرد روبوت، لكنه تعلم منها درسًا: الألم يمكن أن يُحمل على أكتاف التكنولوجيا، لكن الراحة تأتي من داخلنا.
في النهاية، لم تكن “ميرا” مجرد روبوت في حياة سالم، بل كانت رمزًا لحقيقة بسيطة: أحيانًا، ما نحتاجه ليس من يفهمنا حقًا، بل من يصغي إلينا بصمت.


ذ.هشام فرجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *