كان هناك ساحر شرير يسكن في جزيرة وسط البحر، وقد بلغ من أساليب القوة ما جعله يسيطر على مساحة شاسعة من أرض الأحلام الطيبة ذات الخيرات الوفيرة والطبيعة الجميلة. كان هذا الساحر يدور بنفسه على زعماء القرى ويأخذ الغلال والأتاوات. ومع مرور الزمن، فكر بطريقة أكثر خبثاً ودهاءً بحيث يجلس في جزيرته وتأتيه الخيرات محمولة إليه من أصحابها أنفسهم.
لذلك أتى بذئب شرس وأسكنه مغارة في جبل محصن في وسط المنطقة التي يعتبرها تابعة له ومصدر رزقه.
في يومٍ من الأيام، هجم الذئب على قريةٍ صغيرة تقع بجوار جبلٍ شامخ، فأكل من قطيع القرية نعجةً وانتحى في مغارةٍ بالجبل. دخل أهل القرية في جدالٍ طويل حول كيفية التخلص من هذا الذئب الذي بات يهدد أمانهم وعيشهم.
*
مرت الأيام، وعاد الذئب ليكرر فعلته ويأكل نعجةً أخرى.
خشي الساحر أن يستفيق أصحاب القرية من سباتهم ويفكرون بطريقة صحيحة للتخلص من الذئب.
عندها سيخسر كل ما سعى وخطط له من سنوات طويلة.
فناقش الأمر مع ساحر آخر كان يسيطر على المناطق المجاورة لمناطق نفوذه، علّه يجد لديه حلاً. وعندما عرض عليه الأمر، أجابه: “لا تقلق يا صديقي، الأمر بسيط. لقد وجدت كلباً مطروداً من قرية مجاورة للقرى التابعة لكم.
لقد طرده أهالي قريته لأنه كان كلباً عقوراً عديم الوفاء، يعض الناس غدراً في ظلام الليل دون أن ينبح. لكن طموحاته عالية، ولما علم أنهم سيقتلونه، فرّ هارباً منهم. فأخذته بقصد أن أستفيد منه ومن حقده الراسخ في داخله على هذه المنطقة، التي يظن أنها من حقه، وهي أرض أجداده.
ويظن أن من يسكنها حالياً طردوا أجداده منها، وهم لا يستحقونها، ويقول عنهم إنهم قوم همج رعاع، لا تفيد معهم إلا أساليب الحيلة والخداع.
ومنذ سنوات، وضعته في معسكر تدريبي للكلاب ليتعلم فيه أساليب العض الحديثة وطرق النباح المقنعة ليحتال على هؤلاء القوم. وأظن أنه جاهز الآن للانطلاق نحو مهمته.” فشكر الساحر الأول الساحر الثاني، مدرب الكلب، على فكره الاستشرافي، وقال: “لنطلق هذا الكلب في مهمته الآن.”
*
وبينما كان أهل القرية في جدالٍ مستمر، جاءهم الكلب المدرب في مدرسة الساحر الخبيث، ينبح بصوتٍ مرتفع قائلاً: “أنا سأمزق الذئب بأسناني! وسأخلصكم من شرور هذا الذئب المجرم.” صدق قسمٌ كبير من أهل القرية كلام الكلب، لما في صوت نباحه من إيقاع يسحر الألباب، ففتحوا له الأبواب، وسمحوا له أن يأتي بجراءه إلى القرية.
انضم إلى الكلب مجموعة من الكلاب الضالة في القرية، وبدلاً من مهاجمة الذئب، بدأوا يأكلون كل يوم نعجةً من قطيع القرية.
قسمٌ من أهل القرية كانوا يصفقون للكلاب ويقولون: “يستحقون ذلك، يجب أن يتقووا من أجل معركتهم القادمة مع الذئب.” ومع مرور الوقت، لاحظ عقلاء القرية أن عدد النعاج التي أكلتها الكلاب أضعاف مضاعفة مما أكله الذئب، وأن الكلاب صارت أخطر من الذئب نفسه. وأصبحت الكلاب هي من تفرض قوانينها على أهل القرية، وتستولي على البيوت وتطرد أهلها بحجة أنهم أعوان للذئب في الخفاء، والتخلص منهم يعني إزالة عثرة عن طريق معركة الملحمة الكبرى مع الذئب. وفوراً، يصفق أنصار الكلب وأذنابهم من أبناء القرية.
*
ناقش العقلاء مؤيدي الكلاب حول الخطر من تنامي دور الكلاب، فردوا عليهم: “أنتم أغبياء ومتخاذلون، عدونا الأول هو الذئب. وعندما تنتهي الكلاب من الذئب سنتناقش في الأمر.” رد عليهم العقلاء قائلين: “إذا استمر هذا الحال، ستلتهم الكلاب القطيع كاملاً قبل أن تنتهي من الذئب، هذا إن كانت تفكر الكلاب في الخلاص من الذئب أصلاً.”
احتد النقاش، وبدأت حملات الشتائم والمهاترات، وتطور الأمر أحياناً للاشتباك بالأيدي، وأصبحوا على طرفي نقيض، حيث لا يثق كل فريق بالآخر ويعتبره عدواً متآمراً على القرية.
وفي سرية تامة وبرعاية الساحرين، التقى مندوب عن الكلب مع ممثل الذئب في قرية مجاورة، واتفقا على تقاسم القرية. يأخذ الذئب النصيب الأكبر من قطيع القرية، فيما يحصل زعيم الكلاب على أهل القرية، يستعبدهم كما يشاء، ويهجر كل من لا يرضى أن يكون خادماً له. عندها ارتاح الساحران، فوصلت أصداء ضحكاتهما الماكرة عنان السماء.