تزامنا مع الذكرى الواحدة والثمانين لميلاده، واحتفاء بعطاءاته الفكرية والإبداعية وأنشطته الجمعوية المتنوعة، وتقديرا لحضوره البارز في محافل الفكر والتربية والفن والثقافة عموما داخل المغرب وخارجه، واعتبارا لما أسداه من خدمات جليلة كأستاذ للفلسفة، أولا، ثم كمسؤول تدرج في مناصب علمية رفيعة من بينها حاليا إدارته للمجلة الفصلية “المناهل” في سلسلتها الجديدة الصادرة عن وزارة الثقافة ابتداء من العدد 97 سنة 2019، ثانيا، ارتأت جمعية أصدقاء الفلسفة أن تكرم الأستاذ مصطفى القباج في حفل افتتاح الدورة السادسة لمهرجان أغورا الدولي للفلسفة والسينما بفاس مساء الخميس 7 أكتوبر الجاري ابتداء من الساعة 17 بدار الثقافة. ومعلوم أن القباج، الذي سيوقع آخر إصداراته الفكرية بعنوان “الفلسفة والمسرح”، على هامش معرض كتب الفلسفة والسينما الذي ستحتضنه دار الثقافة بفاس طيلة أيام المهرجان، عاش طفولته ومراهقته وجزءا من شبابه بمدينة فاس العتيقة على امتداد عشرين سنة، حيث تابع دراسته الإبتدائية والثانوية بمدارسها إلى حدود سنة 1960.
يذكر أن الباحث مصطفى القباج، المزداد يوم 16 أكتوبر 1940 بالرباط، أستاذ باحث في الفلسفة وعلوم التربية، مارس تدريس الفلسفة والفكر الإسلامي بسلا (ثانوية النهضة) والقنيطرة (ثانوية التقدم) وبعض ثانويات الرباط، من 1966 إلى 1969، ثم عين سنة 1977 أستاذا للتعليم العالي بكلية علوم التربية (شعبة الفلسفة) التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط وأستاذا للفلسفة بالمدرسة المولوية للأمراء والأميرات (1979)، حيث درس على يديه في هذه الأخيرة الملك محمد السادس عندما كان وليا للعهد. هذا فضلا عن نشاطه الجمعوي المكثف وتأسيسه أو عضويته في كثير من الجمعيات والاتحادات والمنتديات والمنظمات الحقوقية والثقافية والفكرية من بينها: الجمعية الفلسفية المغربية (1967)، اتحاد كتاب المغرب (1967)، منتدى الفكر العربي (1975- عمان)، اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو/الكسو/اسيسكو) سنتي 1976 و 1996، منتدى الفكر والحوار (1976- الرباط)، الجمعية المغربية للترجمة والتأليف والنشر (1983)، مجلس أمناء المجلس القومي للثقافة العربية (1987- باريس/الرباط)، جمعية رباط الفتح (1994)، العصبة المغربية لحماية الطفولة (1995)، جمعية حماية الأسرة المغربية (1997)، منتدى الحوار المغربي- الإسباني (1999- الرباط)، مجموعة البحث والمناظرة (1999- الرباط)، المجلس العربي للطفولة والتنمية (1999- القاهرة)، منتدى العالم الثالث (1999- القاهرة)، العصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية (2000- الرباط)، مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات (2003- الرباط)، الفرع المغربي للجمعية العالمية للكتاب (2003- الرباط)، الجمعية المغربية للأسرة والطفولة، منظمة المجتمع المدني الدولية لقيم المواطنة والتنمية والحوار…
من المهام والوظائف الأخرى التي اضطلع بها الأستاذ القباج نذكر: أول مدير مؤسس للمعهد الملكي لتكوين أطر الشبيبة والرياضة وعضو ديوان وزير الشبيبة والرياضة (1969)، رئيس تحرير مجلة “الكتاب المغربي” (1983)، المدير العلمي بأكاديمية المملكة المغربية (1986)، مدير مقر المجلس القومي للثقافة العربية بالرباط ومنسق هيئة تحرير مجلته “الوحدة” (1987)، المدير التنفيذي للمركز الإفريقي للدراسات الاجتماعية التطبيقية التابع للجنة الإفريقية لمنظمة الأمم المتحدة (1993- طرابلس/ليبيا)، مستشار بديوان وزير الثقافة ومدير إدارة الكتاب (1994)، رئيس ديوان وزير التعليم العالي والبحث العلمي (1995)، أمين عام اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم (1996- يونيسكو/ألكسو/إسيسكو)، مقرر أكاديمية المملكة المغربية (1999)، المدير التنفيذي لمنظمة شمال/جنوب لحقوق الإنسان وحوار الثقافات (2008- جنيف)…
تجدر الإشارة إلى أن الأستاذ مصطفى القباج حاصل على شهادة دكتوراه السلك الثالث في علوم التربية (تخصص: طرق تدريس الفلسفة) من جامعة بروكسيل الحرة ببلجيكا سنة 1979، وذلك بعد حصوله على شهادة الدراسات المعمقة في الإبستمولوجيا من كلية الآداب بالرباط سنة 1972 والإجازة في الفلسفة من نفس الكلية سنة 1966، وله إسهامات كثيرة ومتنوعة في كتب جماعية ومجلات ومنابر إعلامية ثقافية وعلمية وأدبية وفكرية عدة داخل المغرب وخارجه، منذ 1961 وهي السنة التي تميزت بحصوله على شهادة البكالوريا بالرباط ونشره لأول مقال من توقيعه بجريدة “العلم” المغربية. كما أصدر مجموعة محترمة من الكتب المختلفة المواضيع نذكر منها العناوين التالية: “دعاء للقدس”.. مسرحية بالإشتراك مع أحمد الطيب العلج (1980)، “الطفل المغربي وأساليب التنشئة الاجتماعية بين الحداثة والتقليد” (1997)، “الأمية في المغرب: هل من علاج؟” (1998)، “مقاربات سياسية وفكرية في الشأن العربي الراهن” (1999)، “من قضايا الإبداع المسرحي” (2000)، “التربية والثقافة في زمن العولمة” (2002)، “عم يتحدثون؟ نظرات في فكر أعلام من المغرب المعاصر” (2004)، “حوار الثقافات وحقوق الإنسان في زمن العولمة” (2005)، “مشاغل فكر في زمن العولمة” (َ2006)، “مقاربات في الحوار والمواطنة ومجتمع المعرفة” (2006)، “عصارة فكر” (2012)، “شذرات (نصوص ومداخلات حررت تحت الطلب)” (2015)، “الحبابي.. الفكر المتحرك”، “المسرح والفلسفة”… غطت كتاباته المختلفة مجالات الفلسفة والمسرح والفكر العربي- الإسلامي وحقوق الإنسان وعلوم التربية.
يعتبر الأستاذ محمد مصطفى القباج من المثقفين المغاربة الموسوعيين والنشيطين على واجهات عدة، فبالإضافة إلى ما ذكرناه أعلاه نشير إلى كونه مارس العمل الإعلامي بأشكاله المكتوبة والمسموعة والمرئية، خصوصا عندما كان طالبا جامعيا بالرباط، وذلك بوكالة المغرب العربي للأنباء وصحف مغربية عدة ودار الإذاعة والتلفزة المغربية. وقد أعد وقدم لهذه الأخيرة برامج ثقافية منها بشكل خاص: “المجلة الثقافية”، “مجلة الأربعاء للثقافة والفنون”، “أعلام المغرب”، “بدون كلفة”… وذلك في الفترة من 1964 إلى 1980. كما اهتم بالمسرح تدبيرا ونقدا وتأليفا من خلال إشرافه على فرقة المعمورة وإعداد دورات عدة للمهرجان الوطني لمسرح الهواة والإشراف على مساهمة الفرق المغربية في مهرجانات مسرحية مغاربية وعربية يأتي على رأسها مهرجان الحمامات بتونس من 1969 إلى 1975. حظي في محطات من مسيرته الثقافية الطويلة (1961- 2021) بمجموعة من الأوسمة نذكر منها: وسام الرضا من الدرجة الأولى سنة 1971، وسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الممتازة سنة 1987، وسام المؤرخ العربي سنة 1989، وسام العرش من درجة فارس سنة 1996.
تم تعيينه يوم 22 فبراير 2016 من طرف وزير الاتصال سابقا مصطفى الخلفي رئيسا للجنة دعم تنظيم المهرجانات السينمائية، وهي اللجنة التي نظمت في عهده يوما دراسيا للإنصات إلى ملاحظات مدراء المهرجانات والتحاور معهم بشفافية حول المعايير المعتمدة للدعم ومنهجية اشتغال اللجنة وكيفية إعداد ملفات طلب الدعم وأمور أخرى.
تكريم الأستاذ محمد مصطفى القباج، رجل الفكر والإبداع والإعلام والتربية والحوار والتدبير الثقافي والفني والجمعوي…، الذي شارك على امتداد تاريخه الثقافي في العديد من الندوات والمؤتمرات واللقاءات والموائد المستديرة وغيرها، تكريم أكثر من مستحق. فهنيئا له ولنا به، ومزيدا من العطاءات المتنوعة.
أحمد سيجلماسي