الرئيسيةحواراتحوار مع الشاعرة خديجة زواق

حوار مع الشاعرة خديجة زواق

خديجة-زواق

استضفنا، في إطار سلسلة الحوارات التي برمجناها، قامةً أدبية مرهفة، وصوتًا شعريًا نسائيًا يحمل في كلماته وهج الحياة، وصدق الشعور، وعمق التأمل. إنها الأستاذة خديجة زواق، الشاعرة التي نسجت قصائدها من حرير اللغة، وارتقت بكلماتها إلى مقام الدهشة. تحمل في نصوصها نبض امرأة تحاور العالم، وتكتب الذات والآخر، بلغة تنبض بالحس الإنساني ووعي شعري متميّز. يسعدنا أن نقدم إليكم هذا الحوار الذي خصّت به الأستاذة خديجة زواق منبرًا إعلاميًا بمدينة القصر الكبير. تحاورها أمينة بنونة.

من هي خديجة زواق؟

أنا خديجة زواق. تلقيت تعليمي الابتدائي والثانوي بمدينة القصر الكبير، وأنا فاعلة جمعوية في مجالات المسرح والفنون التشكيلية، وعضوة في النادي السينمائي بالمدينة. أشارك في تنشيط الفعاليات الفنية والثقافية، كما أنني عضوة نشيطة بمؤسسة “الربوة للثقافة والفنون” بالرباط. حصلت على تكوين جامعي في تخصص فلسفة علم النفس، واشتغلت على مواضيع مثل صعوبات التعلم والسلوك العدواني لدى الشخصية الهستيرية لنيل شهادة السلك الثالث. عملتُ مساعدة سيكولوجية في مجال صعوبات التعلم لدى الأطفال، كما أنني تقنية في فنون الطباعة، ومديرة لمؤسسة “الأصول للطباعة والنشر” بفاس من سنة 2006 إلى 2020. عضوة للمجموعة الرسمية في كورال المعهد الموسيقي بفاس. اسست مجموعة الكورال النسائي بالمعهد والموسيقى والفن الكوريكرافي بفاس. الى جانب الدرس الأكاديمي لمادة الأندلسي وايقاعاته. أنا أيضًا ناشطة جمعوية وحقوقية، أسست جمعية “أنفاس نسائية” سنة 1997 بفاس، وترأستها. كما عملت أستاذة في برنامج التعليم غير النظامي، ودرّست الفلسفة في المدارس الحرة، وشاركت في تنشيط المشهد الثقافي والفني. أتعلّم الموسيقى بالمعهد الموسيقي، حيث أدرس العزف على آلة العود الشرقي وآلة القانون. كما أنني عضوة في ورشة الأندلس لصناعة آلة القانون بفاس. أملك ثلاث مجموعات شعرية غير منشورة: جلال اللهب، غنائيات الحجر، وحديث الجثة. نُشرت أغلب قصائدي على فيسبوك، وقد تُرجمت بعض نصوصي إلى الإنجليزية، الفرنسية، والإسبانية، ونُشرت في مجلات ورقية وإلكترونية داخل المغرب وخارجه. كما شاركتُ في ملتقيات شعرية وغنائية محلية، وطنية، ودولية، كان آخرها في المهرجان الدولي بمدينة بابل، العراق.

هل يمكن تصنيف منجزك الإبداعي؟ هل تعتبرين نصوصك قصائد شعرية أم شذرات تأملية؟
سؤال صعب للغاية. إذا كان المقصود هو الكشف عن رحم تشكّل هذا الإبداع، فهو ببساطة لا يخرج عن فيزياء الطبيعة والفلسفة؛ هذا هو مهدي الطبيعي. الجزيئات الدقيقة في داخلي دائمة الحركة، تلتقي وتفترق، لتشكّل مهينًا حاضنًا مستمرًّا، لا ينقطع ولا يزول. هو أزلي بالطبيعة، ولا إبداع خارج هذا المهين. ثم إن انتمائي لبلد مثل المغرب، الذي لطالما كان على حافة صفيح يلامس البحرين، يجعلني أشعر بأنني أنتمي إلى “بحر الظلمات” شعريًا، أو إلى المحيط. فأنا من “أرض غروب الشمس”. أصولي تعود إلى جبال الريف، تنحدر وتتدلّى عبر مدينة النهر، حيث يسري نهري الأول، نهري الطفولة، ليصبّ بي في ذات المحيط. تصوري ينبع من مهين الطبيعة، أيا كان: نارًا، ماءً، ترابًا، هواءً، أو إلهامًا جامعًا. أي تجنيس خارج هذه الرؤية هو انتصار للظرفي والعرضي، لا للجوهر الشعري. ثم إنني لا أسمع وقع حافر على الرمل، ولا حداءً حادًا، بل أعيدها إلى مغامرة: أجمع العظام، الرفات، النقوش، الأطياف، الأرخبيلات، الحُفر في السماء، في الجبال، في الأنهار… ثم أنخلها، فتتولد الروح البدئية التي تجعل القصيدة ممكنة، وتمنحني أنا شخصيًا هوية الإبداع. قصيدتي فصيلة دمي. شاركت بها محليًا، ووطنيًا، ودوليًا، كان آخرها في المهرجان الدولي ببابل. سافرتْ معي وتشبهني، كما أشبهها، شعرًا وغناءً.

تنهلين من معين متعدد: الفلسفة، الفن، الغناء… إلى أي مدى تنعكس هذه التجارب على كتابتك الشعرية؟
ربما يعود ذلك إلى أسئلة الوجود التي فتنتني منذ الطفولة، وإلى شغفي بالمسرح والفن عمومًا. دراستي لعلم النفس والتحليل النفسي تركت أثرها، وكذلك التكوين الموسيقي بالمعهد، سواء من خلال تعلمي آلة العود أو آلة القانون. ولا يمكنني أن أنكر تأثير التصوف الذي تنفّست أنفاسه بين مريدي الزوايا في أزقة القصر الكبير. تأثرت بعطايا رجالاته الكبار. لا أنسى حديث والدي عن عبد السلام عامر وهما يسقيان الماء من إحدى سقايات الشريعة أو باب الواد، وكان يوقع إيقاعات مختلفة على دلو الماء! ولا أنسى الأيادي البيضاء لجارنا الخمار الكنوني، الذي أهداني “منجد الطلاب” عندما حصلت على الشهادة الابتدائية، ثم فتح عينيّ على “ألف ليلة وليلة” في الإعدادي. ولا أنسى صديق العائلة، الشاعر محمد السرغيني، شافاه الله، يوم قرأت: “شاخت بيد العدم كأس القدم، وشاخت الكأس”، فقام واقفًا وعانقني. أما جدتي لوالدتي علمتني قدح النار بتنورها صباحا باكرا أو بالمساء، نعم ببني خلاد وهي تقرض شعرها البدوي الصافي وأنا أردده وراءها كما كانت تطلب مني. أما الاشتغال الجاد على الذات، فكان من نصيب المرحوم زوجي خالد بوزوبع فنان، إلى جانب عملي على المخطوطات ورقنها على الحاسوب، خاصة في مجال الرياضيات و”الأصول” لإقليدس.

لماذا تختارين التكثيف والاختزال في قصائدك؟
لأن الشعر هو انتمائي الوحيد. تعدد المشارب جعلني أتهرّب من الانغلاق، وأندلق بهذا الشكل الإبداعي. لا أدري من فتح بوجهي جرح الكلام، لكنني لا أستطيع التعبير إلا عبر الاختزال في الطيف، والتكثيف في الأثر، والرمز. كأن غراب الحكمة يطرق الأبواب، ويطرّ… وليته كان عاصفة! القصيدة بالنسبة لي هيولا، نقطة لا تمتد، وإن امتدّت لا أمدّها. بالكاد أشير… وهذا يكفي. _ هل لديك مشروع إبداعي متخيل لتشكيل منعطف شعري من خلال ثنائية الفن والغناء؟ لا أتبنّى فتحًا إبداعيًا بعينه، لكنني أشتغل على الهامش، على الجزئيات، حيث تتخلق الإمكانات الصغيرة.

بصفتك صاحبة دار طباعة ونشر، هل استفادت مدينتك القصر الكبير من هذا المشروع؟
تتذكرين، أستاذة أمينة، حين صرحت أمامك بأنني، كمديرة لمؤسسة “الأصول للطباعة والنشر” بفاس، مستعدة لتبني طباعة ونشر أي عمل ترين أنه يستحق الوجود الإبداعي. لكنني لم أتلقّ منكم أي اقتراح. الاقتراح الوحيد جاءني من صديق، وتفاجأت لاحقًا حين رأيت كتابه في حفل توقيع، وكنت أنتظر، كناشرة، توقيعه. وقد كان ذلك في زمن ليس ببعيد…

أمينة بنونة
أمينة بنونة

أمينة بنونة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *