حيث أصبح الإنسان، في عالمنا هذا المليء بالانشغالات اليومية، أسيرا لمتاع الدنيا، يأتي الصيام ليكون له لحظة للهدوء والسكينة، حيث يحرر الجسد من الانغماس في الشهوات، ليمنحه فرصة للتناغم مع الروح. إنها إذا فرصة للابتعاد عن التعلق المفرط بالحاجات المادية، لتكون النفس أكثر استعدادا للانغماسات الروحية.
ويعلم الصيام الإنسان ضبط النفس ويقوي عنده التحكم في الشهوات. فيربيه على الصبر وينقي قلبه من أدران الدنيا، ويساعده على تصفية الفكر من التشتت والاغتراب الروحي. فمن خلال هذا الامتناع الطوعي، يصبح الإنسان أكثر تفرغًا لله، وأشد قربًا إليه.
ولا يقتصر الصيام على الامتناع عن الطعام فقط، بل يتعدى ذلك ليكون تصفية للروح وإعادة تأهيل للنفس وتزكيتها لتكون أكثر تواضعًا وقدرة على التحمل والتأمل. ففي رمضان، تفتح أمامنا فرص للتوبة، وتعزز العلاقة الروحية مع الله، حيث تعتبر كل يوم صيام فرصة لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات.
قال رسول الله ﷺ: “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”.
إن رمضان يتعدى كونه فريضة، ليشكل مدرسة لارتقاء روحي وسمو النفس. فالصوم يعيد تشكيل الشخصية الإنسانية، بحيث يصبح المسلم أكثر تواضعا، أكثر صبرا، وأقرب إلى الله. إذ من خلال هذه التربية الربانية، يتجدد الإيمان في القلوب، وتجد الروح سبيلها فترتقي في أعلي المراتب الإيمانية.
رمضان إذا هو فرصة العمر لتجديد العهد مع الله، لكنه أيضا امتحان للروح. فليكن صيامنا هذا العام مختلفا: نية صافية، عبادة متجددة، وعمل صالح ينعكس على سلوكنا. اجعل لكل يوم هدفا روحيا: ختمة من القرآن، صلة رحم، تفكر وتدبر في آية، أو صدقة خفية. فكما يفرح الجسد بالإفطار، تفرح الروح حين تتحرر من أسر مشاغل الدنيا.. فماذا اخترت لروحك هذا الشهر؟

هشام فرجي