الرئيسيةأخباررحيل محمد جبريل..روائي الإسكندرية الذي وثّق تحولات الزمن والسرد

رحيل محمد جبريل..روائي الإسكندرية الذي وثّق تحولات الزمن والسرد

محمد جبريل

توفي أمس في القاهرة الروائي المصري محمد جبريل عن عمر يناهز 87 عامًا، تاركًا وراءه تجربة أدبية امتدت لأكثر من خمسة عقود، تميّزت بتصوير عوالم مدينة الإسكندرية، مسقط رأسه، من خلال رصد تفاصيل أحيائها القديمة وشخصياتها المهمّشة في سياقاتها الاجتماعية والتاريخية.

بدأ مسيرته المهنية في الصحافة، حيث عمل محررًا بالقسم الثقافي في جريدة “الجمهورية” منذ عام 1960، قبل أن يتنقل بين عدد من الصحف والمجلات المصرية والعربية مثل “المساء”، و”الإصلاح الاجتماعي”، و”الوطن” العُمانية، و”الشعب” الموريتانية، وغيرها.

انطلقت مسيرته الأدبية مع نشر مجموعته القصصية الأولى “تلك اللحظة” عام 1970، ثم قدّم روايته الأولى “الأسوار” عام 1972، والتي تناولت حياة مجموعة من السجناء يواجهون مصيرهم بطرق مختلفة، ليقرروا في النهاية اختيار أحدهم للموت فداءً للآخرين عبر قرعة مصيرية. بعد هذه الرواية، توقّف عن النشر لمدة عشر سنوات، ليعود بمجموعة “انعكاسات الأيام العصيبة”، ثم رواية “إمام آخر الزمان”، التي ناقشت نماذج لزعماء استخدموا الدين وسيلة للسلطة.

شكلت الإسكندرية، وخاصة منطقة بحري، مسرحًا أساسيًا لأعماله الروائية اللاحقة، حيث رصد تفاصيل حياة أهلها من صيادين وبحّارة وتجار سمك، متقاطعًا مع العوالم الصوفية وأضرحة الأولياء وحلقات الذكر. برز هذا التوجه في “رباعية بحري”، التي تضم “أبو العباس” (1997)، “ياقوت العرش”، “البوصيري” (1998)، و”علي تمراز” (1999). توثق هذه الرباعية التحولات الاجتماعية والسياسية بين نهاية الحرب العالمية الثانية وإعلان بيان الضباط الأحرار عام 1952، عبر شخصيات متصوفة تحمل تناقضاتها الخاصة داخل نسيج درامي مركب.

أثرى جبريل المكتبة العربية بالعديد من المجموعات القصصية، منها “حكايات وهوامش من حياة المبتلي” (1996)، “سوق العيد” (1997)، “حارة اليهود” (1999)، “رسالة السهم الذي لا يخطئ” (2000)، و”ما لا نراه” (2006). كما قدّم عددًا من الروايات المهمة، مثل “من أوراق أبو الطيب المتنبي” (1998)، “قلعة الجبل” (1991)، “اعترافات سيد القرية” (1994)، “الحياة ثانية” (1999)، “زمان الوصل” (2002)، “غواية الإسكندر” (2005)، “المدينة الحرمة” (2007)، “ديليت” (2013)، “النوارس” (2020)، و”مشارف اليقين” (2021).

إلى جانب إبداعه الروائي، قدّم عددًا من الدراسات الأدبية المهمة، منها “مصر في قصص كتابها المعاصرين” (1973)، “نجيب محفوظ.. صداقة جيلين” (1995)، “مصر المكان” (1998)، “البطل في الوجدان الشعبي” (2000)، و”سقوط دولة الرجل: دراسة في القصة والرواية” (2007).

برحيله، تفقد الساحة الأدبية العربية أحد أبرز الأصوات السردية التي كرّست أعمالها لرصد التحولات الاجتماعية والتاريخية برؤية عميقة امتزج فيها الواقع بالخيال، مقدّمًا إرثًا إبداعيًا سيظل حاضرًا في ذاكرة الأدب العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *