استهلال التقرير التقييمي:
خلال الفترة الممتدة من 19 إلى 25 ماي 2024، نظم مجلس دار الشباب الحي المحمدي، ومجلس مقاطعة الحي المحمدي، الدورة 10، من المهرجان الوطني للمسرح بالحي المحمدي، بفضاءات ثقافية بالحي المحمدي أكدت أنها في حاجة للتجديد وإعداد فضاءات تليق بالإقبال الفني والثقافي وجمهور الحي المحمدي الذي أصبح نموذجيا في تواصله مع هذه المبادرات، قدمت خلال هذا المهرجان 5 عروض مسرحية وطنية، لكل من فرقة غرناطة مع مسرحية “بورتري“، وفرقة لاكوميدي مع مسرحية “سبعة رجال”، وجمعية الإشعاع مع مسرحية “أهنا طاح الريال”، وجمعية أحلام مع مسرحية “محلة البنات”، ومسرح تانسيفت مع مسرحية “سرح مسجونك” هذه الفرق التي تضم أهم الأسماء المسرحية الوطنية، كما نشطت بمناسبة المهرجان ورشات تكوينية نظرية وتطبيقية في تقنيات المسرح، احتضنتها المؤسسات التعليمية واستفاد منها أساتذة وتلاميذ السلك الثانوي التأهيلي وشباب بتأطير من أساتذة وخبراء في المسرح أبناء الحي المحمدي، بالإضافة لندوة علمية ناقشت فعل المسرح واستمراريته، وتوقيع إبداع مسرحي للمبدع الأستاذ حسن نرايس، أهديت الدورة 10 لرائد من رواد الفعل المسرحي بالحي المحمدي المرحوم حسن بنواشن، القنطرة التي سهلت المرور والحوار بين الأجيال واستمرارية الفعل المسرحي في هذا الحي العريق..
لماذا المهرجان؟:
عبر الجغرافية الوطنية، بل عبر الجغرافيات الصغيرة للأحياء، تتناسل وتتكاثر المهرجانات، حتى أصبح لكل حي أو درب مهرجاناته، ناهيك عن المهرجانات العربية والدولية في مسارات واختيارات متعددة على مستوى المسرح والسينما والتشكيل والموسيقى والأنماط الفنية الحديثة وباقي الفنون وغيرها، وهي مسألة في رأيي صحية تؤكد فرضية أساسية عنوانها الحاجة إلى الفن والثقافة في المجتمع وفي نفس الوقت حاجة الأجيال لترى ذاتها وتعبر عنها، نسلم بهذه الفرضيات دون الانخراط في مجال التشخيص والبحث عن القيمة المضافة للمهرجانات والمبادرات الثقافية والفنية، أو البحث عن الأثر الذي تتركه فينا هذه المهرجانات وفي محيطها ومرحلتها والتي نعتبرها اسهاما ثقافيا وفنيا وتواصليا بالأساس، لينخرط المجتمع في السؤال والدينامية الفنية والثقافية والفرجوية التي تعطي للحياة الاجتماعية معنى آخر كوننا لا نعيش بالاستهلاك البيولوجي فقط بل هناك جوانب روحية أو بالأحرى جوانب غير مادية تلامس أشياء أخرى فينا.
الحي المحمدي ومهرجان المسرح:
للحي المحمدي عدة مرجعيات تؤهله أن يكون في الصفوف الأولى للحركة الفنية والثقافية والمسرحية تحديدا، غير أنه تراجعه إلى الوراء شيء ما، في نظري مرده لعدة عوامل ذاتية وأخرى موضوعية وبنيوية أساسا، سنحددها في هذا التشخيص، الذي يستحضر التاريخ والتراث والفعل والتفاعل المؤسس والمنصهر مع التجارب بناء على عامل التاريخ وتراكم التجربة، على مستوى البنية الثقافية والفنية والفكرية والبنيات التحتية، سيما وقد عرف الحي المحمدي بناء أول دار الشباب التي يعود تاريخها إلى سنة 1956، وتعتبر أقدم دار الشباب بالمغرب، والتي تخرجت منها أجيال وعاشت في فضاءاتها حركيات ثقافية وفنية متعدد من فرق مسرحية وحركيات أدبية وتربوية، هذه الحركية التي قدمت خدمات فنية على المستوى المحلي والوطني ومهدت لميلاد ما سمي في حينه بالظاهرة الغيوانية التي تحولت إلى نمط غنائي مرجعيته المسرح والدراما تحديدا، بل اتسمت المرحلة كلها بالغيوانية وانطلقت حركية ودينامية وتفاعل حداثي وثوري في حينه غير المنظور للفن وأبرز ثقافة الهامش وارتقى بها إلى الوطنية والعربية والإفريقية بل حتى العالمية من عدة مداخل ضمنها السينما من خلال شهادة المخرج السينمائي العالمي مارتن سكورسيزي، عن الحركة الفنية التي أظهرها المخرج المغربي أحمد المعنوني في فيلم السينمائي “الحال” الذي قدم ناس الغيوان كزعماء فنيين للمرحلة، هي تمهيدات وطأت في حينما أن ينطلق الفعل المهرجاني و نصل به الآن إلى الدورة 30 أو 40 على الأقل، غير أن المهرجان لم يتحقق في هذا الحي الذي له تاريخ عريق إلا بعد أفول تجربة وشرارة انطلاق يعتبر حدث في زمانه.
مرجعية المسرح وأثره بالحي المحمدي:
الحي المحمدي مجمع سكني عمالي هاجرت إليه الساكنة من كل أنحاء المغرب وتحول بذلك إلى مختصر له، هذه الساكنة لم تأت بأشاء مادية بل أثرت بتراثها ومرجعياتها الفنية من غناء وحكاية وثقافة شعبية انصهرت مع الإرث، وبفضل المثاقفة تولدت منه حركيات فنية وثقافية نقلها الأبناء الذي انجبوا بالحي المحمدي وترقوا بها مجتمعيا واغنوا المرجعات الإثنية ونقلوها في قوالب حديثة لها نسبة الأصل لأكثر من 70%، ولها 30% من الشكل الحداثي ما بين الحلقة والعلبة الإيطالية، ومن تم أسس الجيل الفني الأول لحركة مسرحية لها الانتماء للجدور حيث كان المسرح وكان الكورس، الذي يعرف في المسرح والدراما بإنشاد الشعر وتثرا وغناء إلى جانب التعبير الجسدي مرفقا بالإيقاعات وتعابير الايماءات. من تم كانت انطلاقة ناس الغيوان، ولمشاهب وتكدة، ومعهم جيل جيلالة بريادة وقيادة أبناء الحي المحمدي، سيما والرواد المؤسسون كلهم ممثلون ومخرجون ومؤلفون انطلقوا من دار الشباب الحي المحمدي وهم من خلق حركة فنية غير مسبوقة من روح المسرح، وهي المحطة التي كانت تنتظر أرضية فكرية وتنظير فني لتستلهم التجربة وتقود حركة فنية مسرحية غير مسبوقة، وللأسف ناضل الجيل المؤسس في مجال الأغنية الغيوانية وحركوا بها راكد ثقافة الهامش والتي لها مرجعية تراث إلى أن أعادوه إلى أصله وخلقوا بها حركة عالمية بل انتموا إلى حركيات عالمية مثيل قامت بنفس الأدوار بقيادة التاريخ إلى أن خلق هذا التاريخ تاريخانية التي سارت مسارها، وكان على الجيل الموالي لجيل الحركة الغيوانية أن يخلق ظاهرته سيما وله مرجع مؤصل للأطروحة، لكن في نظري أخلفنا الموعد مع التاريخ، وبقينا مع لحظة الإبهار حتى مرت 5 عقود، وحينما رجعنا إلى الحصيلة وجدناها اعتزاز وافتخار ونوستالوجيا فقط بدون فعل مواكب ومطور ومساهم أو بالأحرى متأثر بإيجابية ومردودية إبداعية للجيل الذي أسس وانطلق وبنى..
من تم بقي الحي المحمدي يجتر هذا التاريخ وهذا الأثر، ووقف في مكانه وتحركت باقي الأحياء والمدن والتجارب، وتعايش الحي المحمدي مع الأطلال، وأقلعت الأحياء الأخرى وتبعتها الأحياء المستحدثة والتي تلتها، فمتى تأتي اليقظة؟
الدورة 10 للمهرجان الوطني للمسرح بالحي المحمدي:
عبر هذا الرصد وانطلاقا من سنة تدشين دار الشباب سنة 1957هي مرحلة تاريخية عمرها 67 سنة إذا انطلقنا من تاريخ بناية الدار الشباب الحي المحمدي، وعمر فني لما يزيد عن 7 عقود مع حركية فنية انطلقت في الحي المحمدي قبل بناية دار الشباب حسب شهادة مصرح بها من طرف الحاج بوشعيب فوقار العامل السابق لصاحب الجلالة على عدة عمالات وحاليا المحافظ لمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء وهو أحد أبناء الحي المحمدي وأحد المؤسسين للفعل الثقافي ولأول ناد ثقافي وأدبي كان اسمه رواد القلم يضم أهم الأسماء المبدعة، حيث أشار في كلمة بمناسبة حفل اختتام الدورة 10 من المهرجان الوطني للمسرح بالحي المحمدي أن الحركة المسرحية بالحي المحمدي تعود إلى سنة 1948، وفي إطار هذه المرجعية التاريخية من الممكن أن نستحضر الحضور البارز للحلقة وروادها الكبار في ساحات كريان سنطرال، ونعود إلى مرحلة اعتبار الحي المحمدي مختبر التجارب التي دعمت أكبر الفرق المسرحية والتجارب وكانت آلية نجاحها وإشعاعها، من فرقة مسرح الناس مع الطيب الصديقي وفرقة الأخوين البدوي، وغيرها من التجارب والأسماء. لذا أعتبر أن الدورة 10 من المهرجان ناجحة بامتياز على عدة مستويات، وعلى رأسها تحريك سؤال المرجعية التاريخية التي تدعونا للانخراط في إعادة الاعتبار للمسرح بالحي المحمدي، الذي راكم التجارب والخبرات والتراث والتاريخ، واتسعت رؤاه وضاقت فضاءاته وحركية يومه ومشاريعه التي تطالب رواد المسرح ومجايلاته برد الاعتبار والعودة إلى الإبداع بعيدا عن اجترار الحصيلة دون مواكبة التحولات، فالجيل الأول خلق ظاهرة وارتقى بها إلى نمط فني ومدرسة وأنتم بقيت في مكانكم ولم تخلقوا أي تفاعل أو حركة أو ظاهرة تشبهكم.
لهذا السبب أرى أن شعار الدورة 10 من المهرجان “المسرح المغربي: ورش مستمر.. نحو آفاق جديدة”، شعار موجه لكل فعاليات الحي وللمجلسين باعتبارهما الجهة المنظمة، مجلس أقدم دار الشباب بالمغرب دار الشباب الحي المحمدي، ومجلس مقاطعة الحي المحمدي رئاسة وأعضاء سيما وهم أبناء الحي المحمدي هذا الشعار الذي يخاطبنا جميعا بأن المسرح المغربي عبر سيرته وأعلامه وتاريخه وتجاربه ومنجزه، يتجدد من الداخل ويواكب التحولات والتطورات وأسئلة المرحلة على عدة مستويات فنية وفكرية وتقنية وحتى إيديولوجية، مطلا على المستقبل وأفق انتظاره الآتي والآفاق الجديدة والمتجددة، فهل أجابت العروض المسرحية والندوات المحورية والمحترفات التكوينية عن هذه الأسئلة، منطلقة من آلية الورش المستمر، متطلعة للآفاق الجديدة نحو الإقلاع الحقيقي الهيكلي وليس الاحتفائي والموسمي فقط.
إعداد: أحمد طنيش