صدر حديثاً، عن “منشورات المتوسط – إيطاليا”، عمل روائي جديد، للروائي المغربي يوسف فاضل، بعنوان “ريفوبليكا – ثلاثية الريف“.
وهنا، نحن أمام تحفة أدبية كبيرة، عن حدث كبير، مَهرَ مستقبل شعب كامل بأختامه، والتي لا تزال بادية على ملامحه حتى يومنا هذا، تحفة يكتبها روائي كبير، وبقدر ما فيها من شغفٍ فيها من سردٍ دقيقٍ وشديد التّركيز، سردٍ كريمٍ بعوالم متنوعة وغنية ومتيقظة، ومتوازن بمقدار الحاجة الروائية من أحداث وشخصيات وأزمنة، وبمقدار الحاجة الأدبية والشعرية التي حققها كلّها يوسف فاضل في هذه الثلاثية.
يأتي هاتف، يُخبر عائلة “بنصالح” أنهم عثروا على الجدّ “ميسور”، فيذهبون للقائه لكنهم لن يجدوه، ولن تكون هذه هي المرة الأولى! وستدفن رْوازْنة بين قبرين، كلاهما لـ ميسور. أما “بنصالح” الذي شارك في انتفاضة 1958-1959، فينتظر أن يستعيد الأراضي التي صادرتها الدولة بعد الانتفاضة. لكنه بعد التحركات الشعبية في عدة بلدان عربية، صار يرى في منامه أن أشخاصاً ينتظرونه ليقود الانتفاضة الجديدة، إلى أن داهم الفيضان ضيعته. المحامي الذي يهرب بعد صفقة مع الشرطي “عمر”. سليمان الذي يسعى لتجهيز بيت للزواج من صفاء. وعبد المالك الذي سيتحول إلى صحفي شأن عام بسبب سلوك رئيسه في العمل.
أحداث كثيرة يلاحقها القارئ لاهثاً، ومتوتراً، كأنه مشدود على حبل أو سكين، يسابق الزمن لمعرفة النهايات التي يبدو أنها جميعها تقع على نحو غريب ومفاجئ.
أخيراً، صدرت الثلاثية في 1244صفحة موزعة في ثلاثة أجزاء منفصلة من القطع الوسط.
من الكتاب:
ثمّ ارتفعت الأصوات محتجّة، مندّدة، لمّا ظهرت على الشاشة صورة الشابّ الذي أضرم النار في نفسه أمام بلدية سيدي بوزيد، وتلتها صور المظاهرات في القاهرة، والاحتجاجات في الدار البيضاء. صفّقوا بحرارة عندما بدأت التلفزة تستعرض صور المظاهرات في الحسيمة والناظور، وهو واقف خلف الشجرة. يلتقط نتف حديثهم. مدّثّر في قميص النوم ويفكّر في البرد الذي يقرض مفاصله، وقد يسقط مريضاً قبل أن ينتهوا من تبادل أخبارهم، ولكي يروا أنه لا يهتمّ بانشغالاتهم راح يتلهّى بعدّهم من اليمين إلى اليسار، بصوت مرتفع حتّى يزعج تركيزهم، ويرى أنهم ثلاثة وعشرون نفراً. ثمّ من اليسار إلى اليمين، ويرى أن العدد يتغيّر قليلاً. ارتفعت أصوات أكثر حدّة، طاغية على أصوات المحتجّين في التلفزة … هذا عهد الحرّيّات والديمقراطية … لا يمكن أن نترك أمر البلاد في يد حَفْنَة من القراصنة يهجمون علينا وقتما شاؤوا. ثمّ يعيد عدّهم، من اليمين إلى اليسار ويصير العدد مختلفاً، تسعة وثلاثون. ثمّ ينتبه إلى أنهم يلتفتون إليه ويردّدون بصوت واحد موجّهين أصابعهم جهته … ها هو، ها هو … وهو يلتفت خلفه قبل أن ينتبه … ها هو. ثمّ يدرك أنهم يقصدونه … ها هو، بنصالحْ، الثائر القديم الذي لم يعد يذكره أحد. ومن جهته لم يعلّق بإشارة أو كلمة.
عن الكاتب:
يوسف فاضل: روائي ومسرحي وسيناريست مغربي مواليد عام 1949، في مدينة الدار البيضاء بالمغرب.
يتوزَّع نتاجه الأدبي بين الكتابة المسرحية والروائية والسيناريو، تحوَّلت مسرحيته الأولى «حلَّاق درب الفقراء» إلى فيلم أخرجه الرّاحل محمد الركاب. صدر له في الرواية: «الخنازير»، 1983. «أغمات»، 1990. «سلستينا»، 1992، «ملك اليهود»، 1996. «حشيش»، 2000، (جائزة الأطلس الكبير). «ميترو محال»، 2006. «قصة حديقة الحيوان»، 2008. «قط أبيض جميل يسير معي»، 2011. «طائر أزرق نادر يحلق معي»، 2013، (القائمة القصيرة البوكر، جائزة الكتاب بالمغرب). «فرح»، 2016. «مثل ملاك في الظلام» 2018. «حياة الفراشات» 2020، و «غبار ونجوم» 2021 عن منشورات المتوسط.
طنجة الأدبية