أثارت الندوة العلمية التفاعلية التي أقامتها الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بجهة مراكش آسفي، يوم السبت 9 مارس 2024، قضايا الإعلام الرقمي وأسئلته السوسيولوجية والاجتماعية والتنظيمية في عالم المخاطر التكنولوجية ومداراتها العولمية المتشعبة، مقاربةبذلك مختلف الأبعاد والرهانات التي تطرحها أزمة القيم والمعلومات وأنظمة الروابط السيبرانية عالية الدقة، مع ما تحمله الجهوزية الذاتية أو الجمعية من تداعيات عميقة في المجتمع والأسرة والمدرسة، وسبل تجاوزها واجتيازها.
وفي كلمة باسم الفيدرالية، قال الإعلامي الدكتور مصطفى غلمان (مسير الندوة)، أن ممارسة الإعلام ببلادنا، تستدعي عدم تبخيس الحق في الانتقاد والتصريف الفكري والمباغتة الصادمة، مادامت علة الاستقواء والتردي متدثرة بأوجاع الصدأ والاندثار، دون الانحياز لصنيعة الصمت، مع نفور هادئ وحازم ومنهجي لا يقطع الجسر العابر إلى النهر”.
وأضاف غلمان أن الذي “يقال ولازال عن أزمة الإعلام والصحافة في بلادنا، كفيل بأن يبني حضارة واسعة من اليوطوبيا، وينهي عصرا فريدا من التخبط واللامعنى، في ظرفية صعبة وشاذة أضحت فيها العشيرة الفريدة من قبيلة الإعلام تتصادم وتتنابز وتثور دون إحداث تغيير”، مؤكدا في السياق ذاته، أن “القطيعة مع الماضي يجب أن تتجاوز التراكمات السياسية والأيديولوجية، وأن تعتبر الأولويات مجالا للحوار المبدئي والحاسم”.
وعلى ضوء هذا التقديم، اعتبر الأكاديمي الدكتور أنس أبو الكلام، أن الثورة التكنولوجية والمعلوماتية التي عاشتها البشرية، تنزوي إلى بزوغ معالم منظومة ثقافية مغايرة، تعكسها الطفرة الكمية للمعلومات”، مشددا على أنها “تواجه في الاقترابية القيمية للإعلام ووظيفته، مشاكل تراكمية عسيرة الهضم”.
وحول آثار هذه البواعث السلبية على أخلاقيات التلقي المجتمعي، أبرز أبو الكلام نماذج من خوارزميات هجينة، تبتلع ملايير الرموز والعلامات، ما تزال هوياتها غامضة ودون أية فعالية تذكر”، مشيرا إلى “أنه إذا كانت انتقالاتها مبنية على مناهج التصنيف الحديث للملكيات المدجنة، والقاصمة لظهر المفهومية (الخصوصية) أو (الذات) والنص الأصلي، فإنه تورية ذلك على حساب الأخلاقيات يضاعف من رصيد انحرافها على الطريق”.
وعمل الأكاديمي أبو الكلام، على طرح بدائل منهجية لتحقيق نوع من التواصل مع هذه البراديجمات المهولة، دون ان يحدث ذلك كسرا في استعدادنا أو قابليتنا، والتي نتشكل ـ نحن ـ من خلالها كضحايا وكمهدوري حقوق”. متسائلا : هل نحن بإزاء وضع فاشل لتحميل دوار خطيرة لوجودنا الافتراضي، داخل خزائن نشكل في محوريتها ذرات صغيرة من ملايير شبيهة؟.
وجاءت مداخلة الإعلامي والباحث الدكتور عبد الصمد الكباص، لتجادل أنساق حقوق المجتمع والحقيقة والحرية، الأسئلة الفلسفية المنبثقة من هاجس “الأخلاقيات”. من تمة، يقول الكباص، تخليق مفاهيم الأمة والوعي بالفضيلة، وهي مداخل يضيف المتدخل، تحيل على التشوهات التي تعكسها الصورة الضحلة والرديئة بتواطئات اجتماعية ونفسية محضة”.
ويشدد الدكتور الكباص، على أنه انطلاقا من ثنائية الحقيقة والحرية، يبتلعنا الخطاب الإعلامي إلى خارج الدائرة، وفي صلب هذه الدائرة، ثمة قراءات عديمة الجدوى لمصادر واساسات القرارات، والتي غالبا ما تستبد براهن “الرأي” و”حرية التعبير” وقلب العدالة؟.
ولا يتجاوز الإعلامي والباحث الكباص، هذه التفكيكية النسقية دون أن يستعمل آلياته الفلسفية لفضح المدلولات إياها، من الداخل، كما هي عارية من كل تشوه أو التباس. وهو بذلك، يلتزم بمنهجه كمثقف عضوي يمارس التفكير المجتمعي في صلب النسق المجتمعي والاجتماعي.
وحول ” الثقافة اليومية في محك الإعلام الرقمي”، تحدث السوسيولوجي الدكتور ادريس أيتلحو، بإفاضة عن “تغير السلوكات اليومية لدى الأفراد بوتيرة سريعة وغير عادية، تحت تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجي”. مشيرا إلى “أن سيرورة التغيير تلك تخص الأدوات التكنولوجية كما تخص الأفراد المعنيين أنفسهم”.
وأوضح أيتلحو في السياق نفسه، “أن كلا من الوسائل الأداتية والبشرية والثقافية والتنظيمية – في المقاولات مثلا- وغيرها تخضع لمنطق التحول هذا، كموضوع سوسيولوجي أكثر مما هو تكنولوجي”. معتبرا “إن كلا من-الملكية و الحرية والتواصل وغيرها قيم يعاد النظر فيها دون الانتباه – أو بقليل من- الى ذلك”.
ودعا الأكاديمي المحاضر، إلى محاولة تحييد أنماط وسلوكيات التواصل الهشة، ومراجعة الدوافع الثقافية بإزائها. خصوصا، يضيف الباحث، أن التعاطي مع الثقافة بأبعادها الكونية والإنسانية يستوجب غطاء هوياتيا قويا وامتدادا أفقيا سيروريا”.
وأضاف في ذات الصدد، أن “الإعلام الرقمي يحدث ثورة هادئة في المجتمعات عبر تحول قيمي ايطيقي كامن، قلما انتبه إليه الإنسان العادي”. مؤكدا على ” أن الإعلام الرقمي أداة متقدمة جدا يتحول من خلالها الأفراد والمجتمعات ومن تم ثقافتهم اليومية”.
ولم يخف رئيس فرع فيدرالية الناشرين بالجهة الأستاذ إبراهيم اسروت، في كلة له بالمناسبة، تخوفه من تحويل الثقافة الرقمية إلى مجرد صناعة للأهواء والتمايزات الاجتماعية. مطالبا المهنيين، ببدل الجهد الأدبي والأخلاقي لإزاحة التشوهات التي تحدثها الأيادي الخفية لضرب “الميثاق الأخلاقي” و”العلاقة القيمية التي تجتمع القارئ بالمقروء.
وفي ختام اللقاء، تم تكريم علمين إعلاميين في الثقافة الإلكترونية، يمثلها أحد أهم مؤسسي الإعلام الالكتروني على المستوى الوطني والعربي، يتعلق الأمر بالأستاذ الإعلامي طارق السعدي، بالإضافة إلى هرم الإذاعة الوطنية الأستاذ أحمد الريفي.
طنجة الأدبية