ووري جثمان الفنان حميد نجاح الثرى بمقبرة الرحمة بالدار البيضاء بعد صلاة ظهر يوم الخميس 29 فبراير 2024 بحضور ثلة من أفراد عائلته وأصدقائه ومحبيه وغيرهم. ومعلوم أن الراحل قد وافته المنية بمنزله عصر يوم الأربعاء 28 فبراير بعد معاناة مع المرض، مخلفا وراءه رصيدا كبيرا من الأعمال الفنية التي أنجزها أو شارك في إنجازها على امتداد ما يقارب نصف قرن من الزمان.
ينتمي محمد حميد نجاح، المزداد يوم 27 مارس 1949 بالدار البيضاء، إلى طينة الممثلين والممثلات المهووسين بالفن حتى النخاع والمتمكنين من أدوات التعبير بحركات أجسادهم وتقاسيم وجوههم ونظراتهم وصمتهم أيضا. لم يفكر يوما في الماديات، كما هو الأمر بالنسبة للكثيرين، بل قاده عشقه للمسرح بعد اكتشافه له في منتصف ستينيات القرن الماضي، على يد ثلة من أصدقائه بدرب السلطان، الذي قضى به طفولته وشبابه وتابع به دراسته في المدرسة المحمدية (بدرب موناستير) ومدرسة الأزهر، من بينهم يوسف فاضل ومحمد جبران (توفي سنة 2019) ومحمد بنبراهيم (1949- 2013)، إلى التخلي عن وظيفته كمحاسب بالمكتب الوطني للماء والكهرباء والتفرغ لأب الفنون. ومنذ سنة 1967، تاريخ أول وقوف له على خشبة المسرح، راكم تجربة مسرحية مع فرق الهواة، في زمن كان فيه هذا النوع من المسرح المناضل والملتزم بقضايا الجماهير هو السائد في دور الشباب (بوشنتوف نموذجا) وغيرها من الفضاءات الصالحة للعروض المسرحية، واستفاد سنة 1970 من تداريب مسرحية بالمعمورة (الرباط) أطرها رواد مسرحيون منهم الطيبين الصديقي ولعلج وعبد الصمد الكنفاوي والعربي اليعقوبي رحمهم الله وغيرهم.
تعلم الشيء الكثير من خلال اشتغاله مع فرقة المسرح الباسم في مسرحيات من قبيل “الصفر” من تأليف محمد جبران و”حلاق درب الفقراء” من تأليف يوسف فاضل وغيرهما. كما ساهم سنة 1977 في تأسيس فرقة “مجموعة 77″، التي كان من بين أعضائها أحمد حبشي ويوسف فاضل ومحمد قاوتي وسالم اكويندي وأحمد أمل وآخرين، واستفاد من خبرات هؤلاء الرواد وثقافتهم المسرحية الهائلة عبر انفتاحه على نصوص وعوالم وكتابات مسرحيين عالميين كبار من عيار ستانيسلافسكي وشكسبير وموليير وتشيخوف… كما استفاد من تدريب مسرحي بفرنسا ومن عروض ومناقشات نادي العزائم السينمائي برئاسة سعد الشرايبي (تأسس هذا النادي السينمائي سنة 1973 وكان ينظم عروضه الأسبوعية كل أحد صباحا بسينما الكواكب بشارع الفداء).. وهذا كله أهله لاحقا لممارسة الإقتباس والإخراج وتنفيذ الديكور إلى جانب تشخيص أدوار مختلفة مع مخرجين وممثلين مسرحيين كان معجبا بهم من قبل كالرائد محمد التسولي (فرقة الشهاب) وغيره. ولعل آخر وقوف له على خشبة المسرح كان سنة 2015 في مسرحية “يد من الفوقانية” من بطولته واقتباسه عن نص “ستريبتيز” للكاتب المسرحي البولاندي سلافومير مروجيك، ومن إخراج الفنان أحمد الطاهري الإدريسي.
بالموازاة مع ممارسته المسرحية انفتح حميد نجاح مبكرا على السينما المغربية منذ السبعينات من خلال مشاركته في الفيلمين الروائيين الطويلين “أحداث بلا دلالة” (1974) لمصطفى الدرقاوي و”رماد الزريبة” (1976) لمحمد ركاب وآخرين، وبعدهما شارك تباعا في الأفلام الروائية الطويلة التالية: “حلاق درب الفقراء” (1982) لمحمد ركاب، “الزفت” (1984) للطيب الصديقي، “جوهرة بنت الحبس” (2003) لسعد الشرايبي، “الإسلام يا سلام” (2007) لسعد الشرايبي، “خربوشة” (2008) لحميد الزوغي، “وليدات كازا” (2009) لعبد الكريم الدرقاوي، “عودة الإبن” (2011) لأحمد بولان، “عاشقة من الريف” (2011) لنرجس النجار، “أياد خشنة” (2011) لمحمد عسلي، “يوم وليلة” (2012) لنوفل البراوي، “خارج التغطية” (2012) لنور الدين دوكنة، “ساكا” أو “الرجال لا يعودون أبدا”(2013) لعثمان الناصري، “العجل الذهبي” (2013) لحسن لكزولي، “فورمطاج” (2013) لمراد الخودي، “زينب، زهرة أغمات” (2013) لفريدة بورقية، “الصوت الخفي” (2013) لكمال كمال، “الأوراق الميتة” (2014) ليونس ركاب، “الشعيبية” (2014) ليوسف بريطل، “أكادير إكسبريس” (2014) ليوسف فاضل، “أوركسترا منتصف الليل” (2015) لجيروم كوهن أوليفر، “المسيرة” (2015) ليوسف بريطل، “ميلوديا المورفين” (2015) لهشام أمل، “عرق الشتا” (2016) لحكيم بلعباس، “كيليكيس .. دوار البوم” (2018) لعز العرب العلوي، “صمت الفراشات” (2018) لحميد باسكيط، “لوكان يطيحو لحيوط” (2021) لحكيم بلعباس… هذا بالإضافة إلى مشاركته في أفلام أجنبية صورت جزئيا بالمغرب من قبيل “تحيا فرنسا” (2013) للمخرج الفرنسي ميكايل يون و”مرسي أبو العباس” (2015) للمخرج المصري عمرو منصور…
أما الأفلام القصيرة التي شارك فيها أحيانا بالمجان، دعما منه للمخرجين الشباب في أولى تجاربهم الإخراجية، فمن بينها العناوين التالية: “مانكان” (2011) لهندة أولمودن، “الأعمى والغجرية” (2011) لعز العرب العلوي، “الشقة رقم 9” (2013) لمحمد إسماعيل، “ألوان الصمت” (2013) لأسماء المدير، “كليوباترا يا لالة” (2014) لهشام حجي، “وسيط” (2015) لمولاي الطيب بوحنانة، “البيداء تعرفني” (2017) لهشام العسري، “إكزود” (2020) لياسين الإدريسي، “رماد” (2022) للمصطفى فرماتي…
الملاحظ أن مشاركات حميد نجاح في كل هذه الأفلام السينمائية القصيرة والطويلة، المتفاوتة القيمة فنيا وفكريا، تأرجحت بين الأدوار الرئيسية القليلة جدا، كما هو الأمر في “حلاق درب الفقراء” و”مانكان” و”إكزود” و”كليوباترا يا لالة” على سبيل المثال، والأدوار الثانوية الكثيرة. لكنه في جل هذه المشاركان أبان عن علو كعبه في التشخيص، خصوصا في أفلامه الأخيرة مع حكيم بلعباس وغيره.
أحمد سيجلماسي