بعد مرور 30 عاماً على نشرها، يرتفع الطلب مجدداً على الرواية الأميركية المصورة “فلسطين”، إلى درجة أنها لم تعد متوفرة سواء عبر الإنترنت أو في المتاجر.
في شتاء عام 1991، في وقت قريب من الإنتفاضة الأولى، وصل جو ساكو، الذي كان آنذاك رسام كاريكاتير وصحفي شاب، إلى غزة دون أي هدف محدد سوى “رؤية ما يجري”.
كان يشك في أن نسخة “الصراع” الإسرائيلي الفلسطيني التي رآها مصورة في وسائل الإعلام لم تكن القصة الكاملة. وسافر لمدة شهرين عبر الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحدث مع الأطفال الجرحى والأمهات الثكالى والرجال المكسورين.
وحثه رجل فلسطيني على كتابة “شيء عنا”. ووعد السيد ساكو قائلاً: “سأنبه العالم إلى معاناتكم!”.
يتوقع القراء أن تكون الكتب المصورة ممتعة وخيالية، وعادةً ما تكون كذلك، بدءاً من مغامرات “تان تان” وحتى الأعمال البطولية لباتمان وسوبرمان ووندر وومان. قد تكون هناك مصاعب، لكن الخير ينتصر دائماً على الشر. أما رواية “فلسطين” لساكو، وهي رواية مصورة تبحث في حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال، فلا توفر مثل هذه الراحة.
عندما تم نشر الأعداد لأول مرة في تسعينيات القرن الماضي، كان القراء في الغالب غير مهتمين. لكن الآن، بعد مرور 30 عاماً، أصبح الطلب مرتفعاً جداً إلى درجة أن رواية “فلسطين” لم تعد متوفرة سواء عبر الإنترنت أو في المتاجر.
وتقول دار النشر “فانتاغرافيكس” إن الاهتمام بالرواية ارتفع بعد عملية “طوفان الأقصى”، حيث ارتفعت عمليات البحث على “غوغل” إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2004، خلال الانتفاضة الثانية.
ومع احتدام “الصراع”، تمت إعادة طباعة الكتاب – وهو مجلد مكون من 285 صفحة يجمع الأعداد التسعة جميعها – في أميركا و11 دولة أخرى.
وتعتبر رواية “فلسطين” عملاً تاريخياً مصوراً غير خيالي، أو الصحافة المصورة، حيث تجمع بين تقنيات تقارير شهود العيان والسرد البصري للقصص المصورة.
الرسوم الكاريكاتورية مذهلة ورسومية.. صبي فلسطيني أطلق عليه مستوطن “إسرائيلي” النار وهو ينزف حتى الموت بين ذراعي والديه، لأن حظر التجول الذي فرضه الجنود الإسرائيليون يمنعهم من نقله إلى المستشفى. امرأة عجوز تراقب الجنود وهم يهدمون منزلها.
وبينما كان ساكو يسافر من مخيم للاجئين إلى آخر، قدمت له العائلات الشاي وأخبرته بقصصها. الرسوم الكاريكاتورية القديمة تبدو حديثة بشكل مذهل. في إحداها، ينتظر ساكو عند حواجز الطرق، حيث يلوح الجنود الإسرائيليون ببنادق إم 16. وفي المستشفيات، يظهر له الأطفال إصاباتهم، وتروي الممرضات كيف اقتحم الجنود غرف العمليات واستجوبوا الجرحى.
مراراً وتكراراً، تظهر شخصية ساكو المألوفة التي ترتدي نظارة طبية في صوره. إن وجوده يذكّر القراء بأن هذه القصة تُروى من خلال عدسة معينة – منظور زائر محير يحاول فهم كل شيء. ولا يتظاهر بأنه يملك الإجابات. إنه فقط يشاهد ويسمع ويشهد.
يعيش ساكو اليوم في ولاية أوريغون ولا يزال يرسم الرسوم الكاريكاتورية للصحف والكتب. ويقول إن رواية “فلسطين” تظل ذات أهمية “لأن السمات الأساسية للاحتلال الإسرائيلي لم تتغير حقاً منذ 30 عاماً، لكنها تعبر عن نفسها بعنف لم أكن أتخيله خلال الانتفاضة الأولى”.
طنجة الأدبية-وكالات