عرف الملتقى السينمائي الأول لمؤسسة مهرجان السينما والتاريخ بمراكش في موضوع “التخييل في السينما والتاريخ”، إقبالا كثيفا، خلال يوم السبت 10 فبراير 2024، ضمن فعاليات البرنامج الزاخر الذي شهدته فضاءات كلية اللغة العربية ومدينة اللغات والثقافات.
فصباح يوم السبت، تم تنظيم لقاء مفتوح (ماستر كلاس) مع المخرج السينمائي محمد عبد الرحمن التازي، بمدرج محمد الشرقاوي إقبال بكلية اللغة العربية، بتسيير الأستاذ محمد اشويكة، تم خلاله عرض فيلمه التاريخي “جارات أبي موسى” المقتبس من رواية الوزير أحمد التوفيق.
واستظهر المخرج التازي عبر رصد لأهم لحظات إعداد وتصوير الفيلم، متحدثا عن مفارقاته وخصوصياته، وبعض من كواليس تصويره واختياراته الفنية والتقنية.
ولم يخف التازي قلقه من تراجع مستوى الإقبال على السينما، في ظل المتغيرات التكنولوجية الجديدة، وتداعيات أزمات العصر على أم الشاشات. داعيا إلى إعادة تأسيس حوار تربوي فني ينطلق من المدرسة والجامعة والأسرة.
وشهد اللقاء نقاشا غنيا، أعاد التازي لأيام زمان السينما المغربية، حيث البحث عن الهوية والتشبت بأصالة التاريخ وعراقته. وهو الأمر الذي أضاء جوانب معتمة من البحث المضني عن ملاذات هاربة، تسترفد نصوصا متجددة بروح العصر وقضاياه.
مائدة نقدية سينمائية حول “التخييل بين السينما والتاريخ”:
أما الندوة المسائية، والتي التأمت في موضوع “التخييل بين السينما والتاريخ”، وقام بإدارتها الأستاذ محمد ايت لعميم، فتم تنظيمها بقاعة المؤتمرات بمدينة اللغات والثقافات، شارك في تأطيرها الأساتذة النقاد: عبد الجليل لبويري وبوبكر الحيحي وبوشتى المشروح ومحمد البوعيادي وحسن نرايس.
أفاضت هذه المأدبة العلمية النقدية الرصينة في الكشف والتمحيص عن علاقات التاريخ/الرواية بالتخييل والسينما، وعن مكامن ثورة سينما التخييل وعناصر قوة الأخيرة بفضل انتصارها للأبعاد التاريخية وآثارها في الوجدان الإبداعي والفني.
واستحضر المتدخلون، كل من زاوية مقاربته الخاصة، مواطن ابتعاث التاريخ في النص السينمائي، وحضور التخييل في هذا النص، وكيف يمكن للسينما أن تفرح بهذا التوارد الفريد والفاتن.
كما كانت للسينما المغربية، في نموذج تعاطيها مع النصوص التاريخية، حلقة نقاش جميل، أثارته بعض مداخلات الحاضرين المتابعين من أهل الصنعة والإبداع والأكاديما، خصوصا وأن مداخلة الناقد الأستاذ بوبكر الحيحي سارت في السياق، محلحلة بنية التأطير إياه من خلال قراءة مستنيرة لفيلم “جوقة العميان” للمخرج محمد مفتكر.
وانتقل متتبعو الندوة، مباشرة بعد انتهاء أطوارها إلى مشاهدة أجزاء مختصرة من فيلم “ياقوت” للمخرج السينمائي جمال بلمجدوب، حيث تمت مناقشة مضمون الفيلم وسياقات حضوره في السينما المغربية، وظروف إنتاجه في حضور صاحبه، وبإدارة الناقد محمد اشويكة.
وكشف المخرج بلمجدوب عن تعالقات الكتابة السينمائية بالمتخيل، وانسجام نسقيهما، فيما يشبه عملية الاكتمال الفني الذي يوم إلى التماسه. مؤكدا على أن الإخراج مسؤولية أخلاقية فنية قبل أي شيء آخر.
الاحتفاء برائد الأندية السينمائية بنسالم حبيبي:
واستمر الاحتفاء بالسينما وأهلها، خلال نفس الأمسية، حيث اقتنصت لحظة اعتراف شاهق بأحد رواد الأندية السينمائية بالمغرب، الأستاذ بنسالم حبيبي، الذي لا يزال يدافع عن قوة المراهنة على الذاكرة السينمائية، وإبراز أهدافها ومراميها، خصوصا وأنها تولي اهتماما استراتيجيا بالتربية على السينما ومعرفتها منذ الأقسام الأولى للمدارس.
وأفرد بنسالم حبيبي، خلال لحظة انسجام بالجمهور المتتبع، مواجد وانطباعات ثاوية، سرد من خلالها أجمل لحظات العمر وعلاقته العاشقة بالسينما والأندية الثقافية السينمائية.
وفي هذا الإطار دعت الأستاذة ليلى بنسليمان رئيسة جمعية أصدقاء المدرسة العمومية، التي نسقت لحظة الاعتراف تلك، (دعت) إلى إعادة بناء الجسور بتاريخ الأندية السينمائية المدرسية، وقراءتها من زاوية التربية والمعرفة، مؤكدة على أهمية أن نبدع في تدوير عملية تحبيب هذا الورش لأبنائنا، من أجل تأمين الوصول إلى الهدف وإشماله بالمزيد من الطفرات.
وألقى الأستاذ مصطفى غلمان كلمة/ شهادة في حق المكرم بنسالم حبيبي، معتبرا إياه “واحدا من أهم مؤسسي المدرسة الوطنية، كما الدرس الفلسفي، فرنسيا وعربيا، إلى جانب رفقاء الدرب من مجايليه وطلبته، كعبد الغني بلوط وجليل معقول جليل طليمات ورشيد طليمات وزكي أحمد ..
وأضاف غلمان أن بنسالم “أمعن في الاستزادة من تحقيق هذا النبوغ، وهو يضع حجر الأساس لبنية الدرس السينمائي زمانئد، في أول بادرة لإخراج النادي الثقافي السينمائي بالمغرب، رفقة صديقه الحاضر الغائب نور الدين الصايل، والمخرج الدرقاوي والمخرج بناني، وإلى جانب زملائه في الهم الفكري والترجمي والإبداعي عبد الكبير الخطيبي وعلي اومليل والمهدي المنجرة .. وغيرهم كثير”. ودعا ذات المتحدث إلى التفكير في إطلاق إحدى قاعات الثقافة أو الفنون التصويرة باسم بنسالم حبيبي.
توقيع كتاب “تاريخ السينما..” لبوشتى المشروح:
وفي الأخير جرى توقيع آخر إصدارات الناقد السينمائي الدكتور بوشتى المشروح ““تاريخ السينما في المغرب: من أواخر القرن التاسع عشر إلى سنة 1912”، وهي دراسة تسعى، كما قال الكاتب، إلى الإسهام في التأريخ للفعل السينمائي بالمغرب، وإعادة كتابة تاريخ بدايات السينما بالمغرب، ومراجعة المسلمات اليقينية بعد إخضاعها للبحث الأكاديمي، وانطلاقا مما توفر لنا من معطيات ووثائق لم تعتمد عليها الدراسات السابقة. بالإضافة كذلك، إلى ترميم الذاكرة الوطنية والتاريخية في علاقتها بالسينما، علاوة على طرح تساؤلات تهم منعطفات كبرى في التاريخ العام للمغرب، الذي ظل يعتمد على المصادر الكلاسيكية المتبعة في الكتابة التاريخية، دون الاعتماد على الأفلام السينمائية التي وثقت للأحداث التاريخية الكبرى. مما يستدعي البحث عن تلك الأشرطة ووضعها رهن إشارة الباحثين.
المخرجان التازي وبلمجدوب في ضيافة تلميذات زلزال الحوز:
وتوج ملتقى مهرجان السينما والتاريخ بمراكش، صباح يوم الأحد 11 فبراير الجاري، بلقاء مفتوح، بتنسيق وتعاون مع جمعية أصدقاء المدرسة العمومية، لفائدة أكثر من مائتي 200 تلميذة من ضحايا زلزال الحوز، والتي جرت فعالياته بثانوية محمد السادس بمراكش، أطره المخرجين السينمائيين محمد عبد الرحمن التازي وجمال بلمجدوب.
وتابعت التلميذات بشغف كبير شريطا مصورا قصيرا عن أهم إنجازات المخرجين السينمائية. كما اشتبكت أسئلة التلميذات براهن السينما المغربية، وموقع المخرجين المشاركين، في خريطة السينما الوطنية، ومستقبل الإنتاج السينمائي، ومدى أهمية اختيار السيناريو لدى المخرجين، وكواليس التصوير …
وفي تجاوب التازي وبلمجدوب، أضاء الضيفان جوانب هامة من مسار شاق وعسير، بين زمنين متفارقين شهدت السينما المغربية في سياقها، تحولات سريعة إنتاجا وجودة والتقائية ثقافية فنية.
وعبر التازي في اللقاء عن رغبته في إعادة جذوة الأندية السينمائية المدرسية والجامعية، مؤكدا ضرورة انخراط المدرسة والأسرة في تحبيب الفن السينمائي للمتعلمين.
كما أوضح بلمجدوب في السياق ذاته، أن العلاقة الرابطة بين السينما والحياة تفرض البحث عن المعرفة بها والإصغاء لفورتها، معتبرا أن الوجود الرمزي الآن للصورة اضحى علامة بارزة في السيرورة والحياة.
ولم يفت الدكتور محمد ايت لعميم، عضو مؤسسة مهرجان السينما والتاريخ، الإشارة إلى أبعاد اكتشاف النصوص الجديدة المحتفية بالفضاءات ذات القيمة الجغرافية والتاريخية والثقافية ببلادنا، كالجبال والبوادي والمداشر، وهو ما يفرض ـ يضيف ايت لعميم ـ الاهتمام بالاقتباسات الروائية الذكية، وإبرازها كشكل من أشكال التوظيف الجمالي الفني والإبداعي.
وختمت الأستاذة ليلى بنسليمان رئيسة جمعية أصدقاء المدرسة العمومية، اللقاء بالحاجة الملحة إلى تبسيط بيداغوجيات التلقي الفني عموما والسينمائي على الخصوص، مقترحة أن يتم التعاون مستقبلا مع المهرجان في تقديم انسكلوبيديا تختصر تاريخ السينما المغربية والعالمية، من أجل إبراز معلومات أولية تبتدأ بعرض المفاهيم في السينما وتاريخها وعلاقتها بالفنون المجاورة، وأسماء المخرجين، وكتاب السيناريو …