بطلب من مركز سجلماسة للدراسات والأبحاث السمعية البصرية، صدر أواخر سنة 2023، عن مطبعة بلال بفاس في 126 صفحة من الحجم المتوسط، أول كتاب فردي للدكتور بوشتى المشروح تحت عنوان “تاريخ السينما في المغرب: من أواخر القرن التاسع عشر إلى سنة 1912”. تتوزع مواد هذا الكتاب على أربعة فصول بالإضافة إلى مقدمة وخاتمة. كتب المؤلف في المقدمة ما يلي: “شكل ميلاد السينما منعطفا مهما في تاريخ الإنسانية، حيث استطاع الإنسان بعد محاولات عديدة امتدت لقرون، أن يقتنص جزءا من الزمن العام، ويخلده ويحتفظ به. كما حقق به رغبة دفينة لازمته منذ دخوله إلى التاريخ، تجلت في توثيق أنشطته وتسجيل الحركة. وسرعان ما انتشر هذا الإختراع في مناطق عديدة من العالم، من بينها المغرب.
ارتبط المغرب بالفعل السينمائي من خلال زيارة الأمير ألبير الأول (أمير موناكو آنذاك) إلى بعض المدن المغربية سنة 1897، ثم من خلال استقدام مصورين أجانب، لتعليم السلطان مولاي عبد العزيز كيفية استخدام آلة السينماتوغراف. وبالرغم من الإرتباط المبكر للمغرب بالسينما، فإن الدراسات القليلة التي تناولت موضوع بدايات السينما بالمغرب، وقفت عند عناوين كبرى، اعتبرتها مسلمات يقينية دون نقد أو تمحيص، ودون تعميق للبحث التاريخي الأكاديمي.
نسعى من خلال هذه الدراسة إلى الإسهام في التأريخ للفعل السينمائي بالمغرب، وإعادة كتابة تاريخ بدايات السينما بالمغرب، ومراجعة المسلمات اليقينية بعد إخضاعها للبحث الأكاديمي، وانطلاقا مما توفر لنا من معطيات ووثائق لم تعتمد عليها الدراسات السابقة. كما نسعى إلى ترميم الذاكرة الوطنية والتاريخية في علاقتها بالسينما، علاوة على طرح تساؤلات تهم منعطفات كبرى في التاريخ العام للمغرب، الذي ظل يعتمد على المصادر الكلاسيكية المتبعة في الكتابة التاريخية، دون الإعتماد على الأفلام السينمائية التي وثقت للأحداث التاريخية الكبرى. مما يستدعي البحث عن تلك الأشرطة ووضعها رهن إشارة الباحثين.”
بعد هذه المقدمة تناول مؤلف الكتاب في الفصل الأول “الصورة بالمغرب خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر”، وذلك من خلال مبحثين: الأول خصصه للحديث عن المغرب في الصور الفوتوغرافية، والثاني تناول فيه دلالات ومعاني الصورة في المراسلات المخزنية. أما الفصل الثاني من الكتاب فقد تمحور حول “الفعل السينمائي بالمغرب أواخر القرن 19” عبر مبحثين: الأول تطرق فيه للأشكال المرتبطة بالسينما بالمغرب، والثاني عالج فيه السينما بالمغرب مركزا على الفيلم الأول بالمغرب ومراجعة بعض المعطيات الخاصة ببدايات السينما بالمغرب.
الفصل الثالث من فصول الكتاب الأربعة تطرق فيه الدكتور بوشتى المشروح لموضوع “السينما بالمغرب خلال العهد العزيزي الثاني” من خلال مبحثين، الأول عالج فيه “السينما داخل القصر السلطاني”: أفلام السلطان مولاي عبد العزيز، الأفلام المصورة داخل القصر العزيزي، أفلام وثقت لأحداث وقعت خلال العهد العزيزي الثاني، والمبحث الثاني خصصه للموقف الشعبي من السينما خلال العهد العزيزي.
وفي الفصل الرابع والأخير من الكتاب ركز على “السينما بالمغرب خلال العهد الحفيظي”، حيث تطرق في مبحثه الأول لعلاقة السلطان مولاي عبد الحفيظ بالسينما، وفي مبحثه الثاني تحدث عن الأفلام التي تناولت أحداثا تاريخية خلال العهد الحفيظي.
يتضمن الكتاب أيضا فهرسا وقائمة للمصادر والمراجع التي تم الإعتماد عليها، فيما يلي النص الكامل لخاتمة هذا المؤلف الجديد: “بدأ الفعل السينمائي بالمغرب أواخر القرن التاسع عشر من خلال تصوير بعض الأجانب لمشاهد من الواقع المغربي، وكان السلطان مولاي عبد العزيز أول مغربي وقف خلف الكاميرا وصور أفلاما شبيهة بأفلام ورثة لوميير، واستقدم مصورين آخرين للعمل داخل قصره، كما أقام عروضا سينمائية خاصة بقصره سواء لنساء وأطفال القصر، أو لمقربيه، وقد خلقت السينما والصورة عموما مشاكل للسلطان، بسبب النظرة السلبية لفئات من المجتمع المغربي تجاه السينما والصورة. لكن بعد خلع السلطان مولاي عبد العزيز، تراجع الفعل السينمائي بالمغرب لأسباب متعددة، من بينها المخاض السياسي والعسكري والإجتماعي الذي عاشه المغرب قبيل الحماية الفرنسية، وانعكاس ذلك على الحياة اليومية لفئات واسعة من المجتمع المغربي.
أسهمت السينما في توثيق مجموعة من الأحداث السياسية والعسكرية والإجتماعية التي شهدها المغرب قبيل الحماية، ما جعل الأفلام وثيقة تاريخية وسوسيولوجية، ومصدرا لدراسة المجتمع المغربي قبيل الحماية، يمكن أن تسهم في إعادة كتابة التاريخ، وإنارة العتمات المحيطة بمجموعة من الأحداث والوقائع. ومن جهة أخرى، فبالرغم من النظرة السلبية لفئات من المغاربة تجاه السينما، إلا أن بعض الشرائح الإجتماعية انفتحت على السينما وأقبلت على مشاهدة الأفلام، خصوصا في مدينة طنجة، ووصل صدى تلك المشاهدات إلى مناطق عديدة من المغرب، ما ولد الفضول لمشاهدة الأفلام السينمائية، وهو الأمر الذي استغلته سلطات الحماية لاختراق المجتمع المغربي، وتنظيم المجال السينمائي.”
تجدر الإشارة في الأخير إلى أن الدكتور بوشتى المشروح أصدر في الآن نفسه كتابا آخر، من نفس الحجم تقريبا، بعنوان “مدخل إلى تاريخ السينما والسينما التاريخية”، والكتابان معا هما تلخيص لبعض ما جاء في أطروحة جامعية نال بها شهادة الدكتوراه في التاريخ المعاصر من كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس بفاس سنة 2023 وأطروحة أخرى سابقة نال بها شهادة الماستر من نفس الكلية.
أحمد سيجلماسي