عرض اليوم ضمن الحصة الثانية من عروض الأفلام الروائية الطويلة في المهرجان الوطني للفيلم فيلم “المحكور مكيبكيش” للمخرج فيصل بوليفة.
يعود فيصل بوليفة في فيلمه “المحكور مكيبكيش” (2022) ليقدم لنا شخوصا لايختلفون عن أولائك الذين شاهدناهم في فيلمه السابق “لين ولوسي” (2019) رغم كون هذا الأخير تدور أحداثه في إنجلترا وبشخصيات إنجليزية والثاني في فضاءات مغربية بشخوص مغربية.
رغم قساوة الحياة على الشخصيتين الرئيسيتين في فيلم “المحكور مكيبكيش” فإنهما لاتستسلمان بل تكافحان من أجل الحصول على حياة كريمة رغم ان الأقدار تأبى لهما ذلك رغم كل المجهودات التي تبذلانها.
تيمة “المحكور مكيبكيش” من نوعية تلك الأفلام التي تغري بإنجاز فيلم ميلودرامي لكن فيصل بوليفة ينتهج مسارا مختلفا بضبط أداء ممثليه الذين يؤدون باقتصاد ملحوظ وبموسيقى تصويرية مرافقة معلقة على أحداث الفيلم وغير سابرة ومعبرة عن أحاسيس الشخصيات، أنجزتها ندى الشاذلي، تجعل المشاهد يتابع أحداث الفيلم ومصائر الشخصيات بنوع من الحيادية قد لاتكون سلبية لكنها تمنعه من التماهي رغم كل ماتعانيه شخصيتا الأم وبابنها الشاب.
شخَّصَت الممثلة عائشة التباع الدور الرئيسي للأم المنقسمة بين حبها لابنها وعشقها للحياة ومباهجها بشكل مُبهر وبحرفية الممثلات المجربات، بحيث أنني لم أشاهد شخصية لعاهرة في السينما المغربية بهذا الجمال الإنساني من قبل. أما الممثل الشاب عبد الله الحجوجي فقد جسد دور الإبن التائه، والذي تعتمل بدواخله مشاعر متناقضة بعد أن يُصدمَ بكونه إبنا غير شرعي وأن أمه التي يحبها ويقدسها تمتهن الدعارة، بسلاسة وصدقية يفتقدها كثير من الممثلين المغاربة خصوصا باشتغالهم المتتالي في أعمال تلفزية.
استغل فيصل بوليفة فضاءات طنجة المتعددة والمختلفة، والتي يعرفها جيدا كونه يعيش بين طنجة وإنجلترا، بشكل خدم الدراما في فيلمه، حيث نجدنا كمشاهدين نرافق الشخوص في فترات سعادتهم ولحظات أزماتهم وحزنهم في فضاءات منفتحة تارة ومُنغلقة عليهم حتى تكاد تخنقهم تارة أخرى حسب وضعياتهم النفسية، وحتى كاميرا المخرج كانت إما تنفتح أو تُشدُّ عليهم الخناق عبر لقطات متوسطة أو بعيدة أو جد مقربة حسب هاته المواقف النفسية.
الإنتاج في الفيلم الذي ساهمت فيه أطراف بلجيكية وفرنسية ومغربية كان سخيا، حسب متطلبات الحكاية ومسار الشخوص، ويبدو أن المنتج كريم الدباغ إبن مدينة طنجة الذي درج على الإشتغال باستمرار كمنتج منفذ لأعمال هوليودية ذات الميزانيات الضخمة قد سهَّل كثيرا عملية التصوير في طنجة بحيث صُوِّرت كل المشاهد في أماكنها، فحتى مشاهد السجن التي كانت ربما ستعيق عملية إنتاج فيلم محلي بميزانية صغيرة تم تصويرها في السجن المركزي بطنجة مع ظهور طاقم السجانين كمشاركين في التمثيل.
للإشارة فالفيلم السابق لفيصل بوليفة “لين ولوسي” من إنتاج المخرج الإنجليزي كين لوتش الذي يظهر تأثره بسينماه من خلال لمساته وأسلوبه في الإخراج واهتمامه بالطبقات المسحوقة في كلا فيلمي بوليفة.
*عبد الكريم واكريم-طنجة