تتميز الدورة التاسعة لمهرجان سيدي عثمان للسينما المغربية، التي تحمل إسم الممثل والمخرج القدير حميد الزوغي (81 سنة)، بعرض أفلامه الروائية الطويلة الثلاثة: “خربوشة” و”بولنوار” و”مواسم العطش”، وبتكريم له يليق بقيمته كفنان كبير. فيما يلي ورقة تعرف به وبأعماله الفنية المختلفة مع البطاقات التقنية لأفلامه السينمائية المبرمجة للعرض خلال المهرجان:
حميد الزوغي في سطور:
حميد الزوغي، المزداد يوم 7 أبريل 1942 بالدار البيضاء (درب بن حمان بالمدينة القديمة)، ممثل ومخرج ومؤلف وتقني مسرحي وسينمائي وتلفزيوني مخضرم، جمع في بداية مشواره الفني بين التكوين العلمي عبر المعهد (الكونسيرفاتوار) والتجربة الميدانية عبر العمل مع الرائد الطيب الصديقي في فرقة “مسرح الناس”.
بعد الدراسة الإبتدائية والإعدادية اضطرته ظروف صعبة كانت تجتازها أسرته الفقيرة إلى مغادرة صفوف المدرسة والإشتغال لمدة سنة معلما للغة الفرنسية، بعد ذلك استأنف دراسته الثانوية، لكن نفس الظروف اضطرته إلى البحث عن وظيفة قبل حصوله على شهادة البكالوريا. وهكذا اشتغل موظفا بالمكتب الوطني للسكك الحديدية وسنه لا يتجاوز
18 عاما.
يرجع الفضل في إتقانه للغتين العربية والفرنسية إلى كونه درس أولا بإحدى المؤسسات التعليمية (مدرسة السنة بدرب السلطان) التي كان يسيرها أعضاء من الحركة الوطنية، وكانت كل المواد تدرس فيها بالعربية، وبعد حصوله في سن مبكرة على شهادة الدروس الإبتدائية المعربة، كان عليه أن يتابع دروسا لمدة سنتين بمدرسة عبد الكريم لحلو
(بدرب غلف) من أجل الرفع من مستواه في اللغة الفرنسية، ثم الالتحاق بمدرسة أوطون غامبير (بالحي المحمدي) للتحضير لاجتياز شهادة الدروس الإبتدائية المزدوجة (بالفرنسية والعربية) قبل الإلتحاق سنة 1955 بكوليج ثم ثانوية الحسن الثاني بشارع فيكتور هيغو بدرب السلطان.
وقد تزامن انتقاله إلى هذا المستوى التعليمي الجديد مع انتقال أسرته للعيش بالحي المحمدي، حيث قضى مرحلتي المراهقة والشباب. بالموازاة مع دراسته الإعدادية والثانوية كان حميد الزوغي اليافع يتابع دروس التشخيص بالمعهد البلدي للموسيقى (الكونسيرفاتوار) التي كان يؤطرها أساتذة كبار من عيار أحمد الطيب لعلج والطيب الصديقي وفريد بن مبارك، وكان يرتاد أيضا دار الشباب بالحي المحمدي لممارسة المسرح ضمن فرقة هواة تضم عمر السيد وأحمد دخوش والراحلان بوجميع (أو بوجمعة) أحكور والعربي باطما وآخرين، وكلهم من أبناء نفس الحي.
ينحدر حميد الزوغي من أسرة بسيطة، فأمه كانت ربة بيت تقليدية وأبوه كان بحارا وميكانيكيا بسفن الصيد البحري، انتقلت أسرته للعيش في حي درب السلطان عندما كان عمره حوالي ثمان سنوات، وقبل ذلك قضى رفقة أمه ثلاث سنوات بأبي الجعد إلى أن انتهت الحرب العالمية الثانية سنة 1945، وبعد إتمامه لدراسته الإبتدائية انتقلت الأسرة إلى الحي المحمدي.
سافر أثناء العطلة الصيفية إلى الخارج بغية التسجيل بأحد معاهد السينما. كانت محطته الأولى سنة 1964 هي السويد، حيث دفعه إعجابه الشديد بالمخرج إنكمار بيرغمان إلى الرغبة في دراسة السينما بستوكهولم، وبعد تعذر ذلك انتقل إلى باريس محاولا الإلتحاق بمعهد الدراسات السينمائية العليا (IDHEC)، الذي تخرجت منه الأجيال الأولى من السينمائيين المغاربة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، إلا أنه لم يستوف شرطا من شروط اجتياز مباراة الدخول. عاد إلى المغرب سنة 1967 وفي نيته الإعتماد على نفسه في شق طريقه نحو الإخراج المسرحي بتأطير من الطيب الصديقي، وهكذا استفاد من تدريب في الإخراج بالمسرح البلدي من خلال انفتاحه على كل المراحل التي يمر منها العمل المسرحي وعلى مختلف التخصصات كالديكور والإنارة والملابس والتشخيص والمساعدة في الإخراج…، وذلك إلى حدود سنة 1972، وفي هذه الفترة شخص أول أدواره مع الصديقي في مسرحية “محجوبة” (1967)، المقتبسة عن “مدرسة النساء” لموليير، وشرع ينتقل تدريجيا من الأدوار الهامشية والثانوية إلى أدوار رئيسية أو أولى إلى جانب ثلة من الممثلين المتمرسين في فرقة “مسرح الناس” آنذاك كنعيمة لمشرقي ومحمد مجد وعبد القادر مطاع وأحمد الناجي وغيرهم. من بين هذه الأدوار نذكر مثلا تشخيصه إلى جانب الصديقي للدورين الرئيسيين في مسرحية “في انتظار مبروك”، المقتبسة عن مسرحية “في انتظار غودو” لصمويل بيكيت.
لم تتوقف طموحات الزوغي الشاب عند حدود المسرح فحسب، بل امتدت إلى الغناء أيضا، حيث عايش تأسيس المجموعة الغنائية الموسيقية الشعبية الرائدة “ناس الغيوان” في مطلع السبعينيات وساهم بشكل أساسي في تأسيس مجموعة “جيل جيلالة”، التي تشكلت في بداياتها منه ومن محمد الدرهم وسكينة الصفدي ومولاي الطاهر الأصبهاني ومحمود السعدي وعبد الرحمان باكو… ، واستمر معها مغنيا وعازفا على آلة الطر أو مشرفا، إلى حدود سنة 1977. كل هذا دون أن يترك جانبا عشقه للمسرح، تشخيصا أولا، ثم إخراجا فيما بعد لمسرحيات من قبيل: “قدور، نور وغندور” (1971)، المقتبسة عن مسرحية “فاندو وليز” للكاتب الإسباني فرناندو أرابال، و”سعدك يا مسعود” (1980)، بمشاركة سعد الله عزيز (مؤلفا وممثلا) وخديجة أسد ومحمد مفتاح وعائد موهوب وآخرين، و”حلوف كرموس” (1986)، مع الأخوين عمر وأحمد دخوش وثريا جبران ورشيدة مشنوع وآخرين، و”الجيلالي ترافولتا” (1990)، من تأليف العربي باطما وبطولة مصطفى الزعري ورشيدة مشنوع ومصطفى الداسوكين وآخرين،… من المسرحيات الأخرى التي شارك فيها كممثل نذكر على سبيل المثال “ألف حكاية وحكاية في سوق عكاظ” (1985) من إخراج الطيب الصديقي.
أول وقوف لحميد الزوغي أمام كاميرا السينما كان مع مصطفى الدرقاوي في فيلمه الطويل الأول “أحداث بلا دلالة” (1974)، وبعد ذلك شاهدناه في أول أفلام فريدة بورقية الطويلة “الجمرة” (1982) في دور رئيسي، وتوالت الأدوار بعد ذلك في الأفلام التالية: “الزفت” (1984) للطيب الصديقي، شخص فيه الزوغي دور مهندس وساعد في إخراجه، “الناعورة” (1984) لمولاي إدريس الكتاني وعبد الكريم الدرقاوي، “أبواب الليل السبعة” (1994) لمصطفى الدرقاوي، “خيول الحظ” (1995) لجيلالي فرحاتي، “لالة حبي” (1996) لمحمد عبد الرحمان التازي، “عبروا في صمت” (1997) لحكيم نوري، حصل عن دوره في هذا الفيلم على جائزة ثاني دور رجالي بالمهرجان الوطني للفيلم، “نساء ونساء” (1998) لسعد الشرايبي، “ياقوت” (2000) لجمال بلمجدوب، “أبواب الجنة” (2006) لسهيل وعماد نوري، “أندرومان.. من دم وفحم” (2012) لعز العرب العلوي، “الطابع” (2022) لرشيد الوالي، “أزرق القفطان” (2022) لمريم التوزاني…
أما في الأعمال الدرامية التلفزيونية فقد شاهدناه كممثل في أدوار مختلفة من بينها بطولته لفيلم “المايسترو” (2022) لإدريس صواب، التي توجت بحصوله على جائزة التشخيص ذكورا بالدورة 12 لمهرجان مكناس للدراما التلفزية سنة 2023، وبطولته لفيلم “الكنز” (2003) من إخراج الراحل محمد القرطبي، وحضوره في فيلم “الحيرة” (2003) لمجيد الرشيش…، ومشاركته المشرفة في مسلسلات “جوديا” (2022) لصفاء بركة و”ياقوت وعنبر” (2020) لمحمد نصرات و”سر المرجان” (2016) لشوقي العوفير وغيرها…
وكمخرج سينمائي تتكون فيلموغرافيته من فيلم قصير بعنوان “24 ساعة من حياة صياد شاب” (1998) وثلاثة أفلام روائية طويلة هي تباعا: “خربوشة” (2008) و”بولنوار” (2013) و”مواسم العطش” (2019)… هذا بالإضافة إلى أعمال تلفزيونية درامية من بينها إخراجه لأفلام “الحب القاتل” و”تيار الغضب” (1990) و”سمك القرش” (2003)… ومسلسلي “بيوت من نار” و”ستة من ستين” (1985)، وهذا الأخير في ثمان حلقات من تأليف الأخوين عمر وأحمد دخوش وتشخيصهما إلى جانب محمد اللوز وعبد القادر مطاع والشعيبية العدراوي وآخرين…
يعتبر حميد الزوغي مخرجا سينمائيا عصاميا دفعه عشقه للسينما إلى الإشتغال أمام وخلف كاميراتها منذ السبعينيات، حيث راكم تجربة معتبرة بالممارسة الميدانية، على امتداد نصف قرن من الزمان، في بعض تخصصاتها التقنية من خلال اشتغاله كتقني في مجموعة من الأفلام الأجنبية المصورة ببلادنا وغيرها، سواء بورزازات أو خارجها، الشيء الذي جعله يتدرج من تقني بسيط إلى مدير إنتاج منفذ أو مدير إنتاج أو مساعد مخرج أو مخرج فيما بعد…
وإذا أضفنا إلى هذا كله تكوينه المسرحي الرصين، في مدرسة صهره الطيب الصديقي، الشيء الذي جعل منه ممثلا من العيار الثقيل وأكسبه خبرة لا يستهان بها في إدارة الممثلين، يمكن القول أن أفلامه الطويلة الثلاثة تتميز، بالإضافة إلى مواضيعها الجريئة المرتبطة بمراحل من تاريخنا المجتمعي، بحسن اختيار وإدارة الممثلين والممثلات المشاركين فيها، وبتمكن مخرجها من أدواته على مستويات عدة رغم قلة الإمكانيات.
من الأفلام السينمائية المغربية الطويلة، التي نفذ إنتاجها حميد الزوغي، نذكر على سبيل المثال “موسم لمشاوشة” (2009) لمحمد عهد بنسودة، ومن الأفلام التي أدار إنتاجها نشير إلى “أندرومان.. من دم وفحم” (2012) لعز العرب العلوي…
حظي الزوغي سنة 2022 بتكريم يليق بمكانته الفنية في الدورة 11 للمهرجان المغاربي للفيلم بوجدة، وسيحظى هذه السنة بتكريم آخر بالدار البيضاء، مسقط رأسه، بمبادرة من النادي السينمائي لسيدي عثمان. فتحية حارة له ومزيدا من العطاء والتألق.
إعداد: أحمد سيجلماسي