بعد عروض متنوعة له هنا وهناك، وحصوله على جوائز داخل المغرب (جائزة أول دور رجالي بالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة سنة 2022) وخارجه (ثلاث جوائز من مهرجان مونريال السينمائي الدولي “نظرات من إفريقيا” سنة 2023)، يشارك الفيلم الجديد “جبل موسى” (2022) للمخرج إدريس المريني، حاليا وقريبا، في مجموعة من المهرجانات السينمائية نذكر منها ما يلي:
1، مهرجان شميس للسينما بالعرائش في دورته الأولى من 22 إلى 26 غشت 2023.
2، مهرجان سيني بلاج الهرهورة في دورته الخامسة من 26 إلى 31 غشت 2023 (داخل المسابقة الرسمية).
3، المهرجان الدولي لسينما الجبل بأوزود في دورته الأولى من 4 إلى 8 شتنبر 2023 (داخل المسابقة الرسمية).
4، مهرجان “سينما بلا حدود” بالسعيدية في دورته الثامنة من 9 إلى 12 شتنبر 2023 (داخل المسابقة الرسمية).
سبق لي أن شاهدت هذا الفيلم عدة مرات، وفي كل مرة جديدة كنت أكتشف أشياء لم أنتبه إليها من قبل في المشاهدات السابقة، فمخرجه تمكن من التوفيق بين مختلف عناصر التعبير السينمائي وخلق الإنسجام الضروري بينها لتكون النتيجة النهائية فيلم ممتع فكريا وبصريا وسمعيا.
يتميز هذا الفيلم بجرأته في تناول قضايا فكرية مسكوت عنها في السينما المغربية تتعلق بالإيمان والإلحاد، وبغنى حواراته التي تحضر فيها التساؤلات الفلسفية وأقوال وآراء المفكرين والمتصوفة والأدباء من عيار فريدريك نيتشه ومحيي الدين ابن عربي وفيودور دوستويفسكي وأبو العلاء المعري وغيرهم.
لقد شدني، من بدايته إلى نهايته، بطريقته المحكمة في السرد وتصعيده الدرامي المشوق، خصوصا بعد وفاة الأم فتيحة، ونهايته المفتوحة على الأمل والحب والإيمان. كما شدني سيناريوه المحبوك والقوي، المأخوذ عن رواية “جبل موسى” (2016) للمبدع عبد الرحيم بهير، بتسلسله المتماسك ومزجه بسلاسة بين أحداث الحاضر والماضي عبر “فلاش باك” تم توزيع تفاصيله بعناية مركزة على امتداد زمن الفيلم، الشيء الذي جنب المتلقي الشعور بالملل. زد على ذلك مسألة الكاستينغ والتشخيص وإدارة الممثلين، فجل الممثلين (يونس بواب، عبد النبي البنيوي، حسن فولان، عبد اللطيف الشكرة، عمر العزوزي) والممثلات (السعدية أزكون، سهام آسيف، هاجر بوزاويت، فايزة يحياوي) كان في اختيارهم وأدائهم وإدارتهم تفوق ملحوظ، الشيء الذي توج بحصول بطل الفيلم يونس بواب (في دور حكيم) على جائزة أفضل ممثل في مسابقة الدورة 22 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة سنة 2022، رغم أن عبد النبي البنيوي كان هو الآخر يستحق جائزة عن أدائه التلقائي المتميز لدور مروان. أما الممثل المراكشي عبد اللطيف الشكرة فينبغي التنويه به وبأدائه المقنع بدرجة كبيرة في هذا الفيلم، فمن خلاله نجح المخرج إدريس المريني في توجيه نقد لاذع للمتاجرين بالدين، الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الآخرين عبر استغلالهم لسذاجة البسطاء من الناس، وأظهرهم في صورة كاريكاتورية لا تخلو من مسحة كوميدية.
من التفاصيل الأخرى، التي دأب المخرج المريني على العناية بها، مسألة الموسيقى التصويرية. فمقاطعها تم اختيارها بعناية فائقة من خلال تعاونه الخلاق مع الفنان الموسيقي الشاب يوسف الصديقي والمطربة سلوى الشودري، التي أمتعتنا بصوتها وأدائها الجميلين في نهاية الفيلم (عبر الجنيريك) بأغنية أصيلة كلامها للمتصوف ابن عربي صاحب نظرية وحدة الوجود. لقد كانت المقاطع الموسيقية الغربية أو العربية الموظفة في بعض المشاهد أو المصاحبة لها ذات وظيفة تبليغية/تعبيرية أي مترجمة لمشاعر وأحاسيس داخلية وعاكسة لحالات مزاجية/نفسية مر منها بطل الفيلم حكيم، ولم تكن مجانية أو محشورة في الفيلم حشرا، كما يفعل البعض، وإنما كانت تشكل عنصرا من عناصر التعبير السينمائي إلى جانب العناصر الأخرى كاللباس والديكور والماكياج والإنارة…
مدة الفيلم الأصلية تقارب 100 دقيقة، ورغم ذلك لم أشعر بأي ملل. ربما يرجع سبب ذلك إلى المونطاج، الذي أشرفت عليه الموضبة مريم الشاذلي بمعية المخرج، فقد بذل مجهود ملحوظ على هذا المستوى، الشيء الذي جعل إيقاع الفيلم ليس بالسريع أو البطيء وإنما كان إيقاعا متوازنا.
ومما زادني متعة عبر مشاهداتي للفيلم انفتاح الكاميرا على فضاءات طبيعية خارجية جميلة بمدينتي سيدي إفني ومير اللفت، وفي هذا نوع من السبق، إلى جانب فضاءات العاصمة الرباط، علما بأن كل لقطات الفيلم الداخلية والخارجية من توقيع مدير التصوير الفرنسي كزافيي كاسترو (زوج الممثلة المغربية ماجدولين الإدريسي)، الذي سبق له أن صور الفيلم السابق لإدريس المريني “لحنش” (2017).
تجدر الإشارة في الأخير إلى أن مخرج “جبل موسى”، الذي واكبت أعماله السينمائية والتلفزيونية منذ انطلاقته الأولى، يتطور من فيلم سينمائي إلى آخر وينوع في المواضيع التي يشتغل عليها في أفلامه السينمائية بالخصوص. فبعد “بامو” (1983)، عن مقاومة المستعمر الفرنسي، و”العربي” (2010)، عن حياة ومنجزات أيقونة كرة القدم المغربية والدولية الحاج العربي بنمبارك، و”عايدة” (2014)، الذي لقي استحسانا ملحوظا لدى النقاد والجمهور الواسع وحصد مجموعة من الجوائز هنا وهناك ورشح للأوسكار سنة 2016، و”لحنش” (2017)، الذي أحتل بطابعه الكوميدي الرتبة الأولى في شباك التذاكر لموسمين متتاليين، جاء “جبل موسى” (2022)، وهو فيلم نخبوي، ليؤكد أن مخرجه فنان مرهف الإحساس ومتمكن من أدوات التعبير السينمائي.
أحمد سيجلماسي