يبدو أنني لا أفهم شيئا في الرواية، رغم الأخذ بعين الاعتبار نسبية الأحكام واختلاف الأذواق.
أول ما أدركته وأنا أقرأ رواية تغريبة القافر أنها ليست بالسوء الذي أشاعه البعض عنها، وهو هجوم في أغلبه، على الأرجح، عنصرية تقلل من أحقية الرواية العمانية بالفوز بجائزة البوكر، و/أو غيرة من الكاتب الفائز.
حين أقول إنها ليست سيئة فإنما أقصد أنها لا تخرج عن المعتاد في المدونة الروائية العربية. أما مسألة استحقاق الفوز بالجائزة فتلك كواليس الجائزة التي لا نعرف عنها شيئا، كما أني لا أعرف مستوى الروايات الأخرى المتنافسة معها. غير أني سأقول: لولا ثقتي في الصديقة فضيلة الفاروق، التي كانت ضمن لجنة التحكيم، لقلت بأن هذه الرواية أريد لها الفوز منذ البداية بغض النظر عن الروايات الأخرى.
المهم، هناك قطبية حادة في تلقي هذه الرواية، بين من منحها أكثر من حقها وبين من انتقص منها أكثر مما تتحمل. أما قولي بأني لا أفهم شيئا في الرواية هو بسبب نوعية، وكمية، المديح الذي تلقته الرواية.
مثلا أحد النقاد كتب عنها إنها “مبتكرة إلى حد ظاهر”، وحقيقة لا أعرف أين وجه الابتكار، فالرواية طيلة نصفها الأول أحضرت إلى وعيي بحدة ظاهرة (موضوعا وأسلوبا) رواية حمور زيادة، “الكونج”، ومعها روايته الأخرى “الغرق”، وأما النصف (أو الثلث) الأخير من الرواية فأحضر لي بالظهور الحاد نفسه رائعة عبد الله البصيص “طعم الذئب”.
نهاية الرواية رآها الجميع نهاية مفتوحة، ويبدو أنني الوحيد الذي أراها نهاية مبتورة، مقصوصة.
الجميل في الرواية سلاستها وتدفقها. لم تخرج عن طابع “الحكائية” المعتاد في الرواية العربية، لكنها اقتربت من حكائية “ألف ليلة وليلة” بجودة معقولة، وربما هذه نقطة تميز الرواية الأساسية.
أما عن السلبيات فهي كثيرة، وهي عندي من السلبيات التي يفترض أن تكون كافية لاقصاء أي رواية من أي جائزة، وهي أخطاء تقنية في فن الكتابة الروائية كما أفهمه.
مثلا، لدينا شخصية الأم المرضعة وهي شخصية أساسية ودورها محوري في حياة البطل، تخلصت منها الرواية بسهولة وأخرجتها من حياة القافر دون حتى أن تسمح لطيفها بالعودة. وكذلك فعلت الرواية مع زوجها الذي لم يتناسب مساره الذي فرضته عليه الرواية قط مع مؤهلاته التي بينتها الرواية من قبل بتركيز.
الحكايات الفرعية في الرواية جميلة، غير أنها قرب النهاية كانت مجرد استطرادات لا مكان لها قرب صفحات الرواية الأخيرة، إلا لو أن نية الكاتب كانت التوسع أكثر في الرواية أو هناك فصل أخير بتر من الرواية قبيل نشرها.
قريبا من النهاية منحت الرواية لزوجة القافر حكاية بينيلوبي، زوجة بطل الأوديسا، فبدأت تغزل الصوف تزحية لوقت انتظار عودة زوجها وتهربا من الزوج الجديد الذي جاءت به عائلتها. هذه النقطة تعزز رأيي في اعتبار النهاية المبتورة للرواية.
تحتمل خاتمة الرواية افتراضين: موت القافر حين جرفه الماء، أو خروجه من تحت الأرض مع التيار المتدفق. الافتراض الأول يلغي الحاجة تماما للفصل الطويل الذي خصصته الرواية للحديث عن انتظار زوجة القافر ومنحها لبوس بينيلوبي. فالحكاية هنا تصير مثل “مسدس تشيخوف”، إذ أنها أظهرت وعدا زائفا وبقيت غير فعالة. أما لو كان القافر خرج حيا فإن النهاية مبتورة. مبتورة جدا، وليست مفتوحة أبدا. مبتورة، وعلى الأرجح، سيكتب الكاتب “عودة القافر” إلى زوجته كما عاد أوديسيوس في رحلته الأسطورية إلى زوجته المخلصة.
محمد سعيد احجيوج(روائي مغربي)