نظم مركز عناية ندوة علمية ، يوم السبت الثامن من شهر يوليوز 2023، بمجمع الابتكار التابع لجامعة القاضي عياض بمراكش وذلك احتفاء بأحد العلامات البارزة للدرس الفكري والبلاغي بالمغرب والوطن العربي العلامة الدكتور عباس أرحيلة.
ولما يزيد عن ثلاث ساعات، تدارس خيرة من الباحثين والمتخصصين، آخر إصدارات الدكتور عباس أرحيلة: “تراثنا في مسار التحديات” و “مدن مغربية من الاحتلال إلى التحرير”، إذ أبرزوا جميعهم المرجعيات الفكرية التراثية لهذين الكتابين والتي لا تبتعد في مجملها عن التصور العام وعن الهم الفكري الأكبر الذي حمله الدكتور أرحيلة لأزيد من أربعة عقود وما زال، منافحا عن الهوية الإسلامية ومدافعا عن التراث الإسلامي من خلال ما يتيحه الدرس الأكاديمي والتأليف النقدي، بلورة لمفهوم التجديد والحركية المتلازمين لهذا الموروث.
وألقى رئيس مركز عناية بالمغرب الدكتور مصطفى غلمان، كلمة بالمناسبة ذكر من خلالها بانخراط المركز غير المشروط وبمختلف أطيافه، في هذه الحركية العلمية الكبرى داخل مراكش وخارجها معتبرا أن لقاء الثامن من يوليوز سنة 2023 هو استمرار للتوجه العلمي للمركز، مشيرا إلى انتصار قيم الثقافة وبناء الإنسان في مواجهة الكم الهائل للغوارب الغاصبة للهوية والوجدان الثقافي الوطني.
ودعا غلمان إلى استعادة جذوة هذه الأخلاقية التي تشهد راهنا مقاومة تعكس خطورة المحتوى المنقول عبر الأشكال الجديدة للترويج الثقافي، وأثر ذلك على الأجيال والعمران.
وجاءت المداخلات المؤطرة من قبل، الدكتور عبد الجليل هنوش، الذي استدعى من خلال قراءته لكتاب “تراثنا في مسار التحديات”، إمكانات مؤلفه الأكاديمية والبيداغوجية، واستحضاره من خلال طفرات علمية بالجامعة، مراحل تاريخية هامة، كان فيها بناء العلم لبنة أساسية من لبنات تمتين علاقة التراث وسيرورته بالتكوين والتربية.
أما الدكتور عبد الرزاق مرزوك، فقد أجاب من خلال قراءته العميقة التي عنونها ب”مشهد التحدي في كتاب تراثنا في مسار التحديات دلالات وتجليات”، عن أسئلة المفهوم والمصطلح، وتقييماته النظرية والاعتبارية للعديد من منجزات المحتفى به، مستحضرا هو الآخر، نصوصا ثاوية من معين “الكتاب، الذي يستأثر ـ يقول مرزوك ـ بالنصيب الأوفر من روح مشروع ارحيلة ومناطاته السامية، “في تحقيق الفضيلة والأخلاق”.
وأبرز الباحث مرزوك معالم تشكيل هذه الشخصية العرفانية، في مثارة المؤلف، حيث لا يمكن التقعيد لها، دون المرور من سلطانها الكبير على المعرفة وصناعتها”.
بيد أن مداخلة الدكتور عبد الوهاب الأزدي، تزاوج بين العام والخاص، فقد قارب قراءته الإشكالية الموسومة ب”التراث الاسلامي بين ضميرين للاتصال والانفصال (تراثنا) و”معنى التراث”، انطلاقا من مرجعية العلامة ارحيلة، البلاغية والموسوعية. واضعا أسس التراث الإسلامي على مفرقي “الاتصال” و”الانفصال”، حيث يتكامل السياقان في محمل واحد ، ينفرد بهما فكر مجيب عن كل أشكال الضميرين المذكورين.
وفي ذات السياق، أفاض الدكتور عبد العزيز لحويدق، في تجسيد هذه الرؤية السابحة في ذرى “التراث الإسلامي” ماهية ومنهج. وهو ما يثير أكثر من تساؤل حول اشتغال العلامة الرحيلة، ضمن مشروعه الفارق، والذي يؤسس لمنهج بياني فائق الدقة والمرجعية.
وأشار لحويدق بهذا الخصوص، إلى تسلسل المشروع وارتقائه لمصاف العلم النافع، ووجوده كعلامة مشعة في الدرس الجامعي والأكاديمي، داعيا إلى إعادة قراءته وتجويد أساليب توجيهه وتقديمه للأكاديما والجامعة.
أما الأستاذ عبد العزيز أيتبن صالح فقد عرج على كتاب “مدن مغربية من الاحتلال الى التحرير” معنونا مداخلته ب: “كتاب باحث بنصوص وقيم باستقامة وناظر بنظر”، حيث تساءل عن هذا النمط الجديد في كتابات المفكر الدكتور عباس أرحيلة والذي وظف التأريخ لضبط إيقاع الهوية من زوايا غير معتادة.
وأجاد الباحث ايت بنصالح في القراءة التأصيلية لمشروع الكتابة لدى ارحيلة، مرتبطا بمدلولات التأريخ للحظات حاسمة من تاريخ مدن اختارها المكرم بعناية فائقة.
وقال ايت بنصالح إن الكتاب هو جزء من مشروع ارحيلة، حيث يسكن الهوس البلاغي لاكتشاف أسرار الفضاءات المتحلقة في أعماق وجدان الكاتب.
مساهمات علمية دقيقة جاءت مقاربة بشكل محفز للمفهوم والمنهج والتصور، استحضرت من خلالها كل وفق تصوره ومرجعياته الأبعاد الهوياتية والفكرية التي نحتثها الدكتور أرحيلة وطورها في مختلف مواطن إنتاجه الفكري والنقدي، سواء كان تأليفا أم تدريسا.
مخلصين إلى إن الإيمان بهذه المرجعيات، ظل وسيظل إلى ما شاء الله، المحفز الأكمل لإنتاج المزيد من الأفكار والأبحاث حول تراث أمة غارقة في عدم المبالاة، تركن لطمس ملامحها وكينونتها، ولا تبدل إلا القليل من أجل استرداد بعض مجدها الفكري والعقدي.
وكان من أهم محطات اللقاء، عرض شريط سجل أهم المراحل الحياتية والعلمية للدكتور عباس أرحيلة مع عرض لمختلف التآليف والأبحاث التي أنجزها المحتفى به، وكانت بعدها لحظة بث كلمة / شهادة الدكتور المصري سعد مصلوح، أستاذ اللسانيات، المتخصص في الأسلوبية، اللحظة الفارقة الفارهة والتي حرصت اللجنة التنظيمية على جعلها مفاجأة في هذا اللقاء الوازن، لما للرجل من مكانة خاصة لدى المحتفى به، فما بينهما من مشتركات علمية وانسانية أمر لا يغفله متخصص ولا متابع.
كانت لحظة بث كلمة/شهادة الدكتور المصري سعد مصلوح، أستاذ اللسانيات، المتخصص في الأسلوبية، اللحظة الفارقة الفارهة والتي حرصت اللجنة التنظيمية على جعلها مفاجأة في هذا اللقاء الوازن، لما للرجل من مكانة خاصة لدى المحتفى به، فما بينهما من مشتركات علمية وانسانية أمر لا يغفله متخصص ولا متابع.
وختم اللقاء بعد مناقشة استشرافية على أمل اللقاء في ندوات فكرية أخر، تطويرا للنقاش وتفعيلا لقناعات راسخة في أن الهدف من مثل هذه الأعمال والندوات هو مد الجسور بين من لهم الفضل من الأساتذة، والشيوخ من رواد البحث العلمي في الجامعة المغربية وبين أجيال متحمسة تواقة من أبناء هذا البلد .
طنجة الأدبية