احتضنت قاعة العروض بالمركز الثقافي ليكسوس/ باب البحر بالعرائش يوم الأحد 28 ماي 2023، تحت إشراف جمعية تنمية التعاون المدرسي، بتنسيق مع المديرية الإقليمية، وبحضور جمهور غفير ومتنوع من مهتمين وفعاليات ثقافية وفنية وأمهات وٱباء التلاميذ، ورؤساء المؤسسات التعليمية، وفاعلين تربويين ومسرحيين، العروض المسرحية الثلاث التي تصدرت فعاليات المهرجان الإقليمي للمسرح المدرسي في دورته 15، تحت شعار ” ولنا في المسرح حياة ” ، الذي نظم بمدينة القصر الكبير يومي 17 و 18 ماي 2023 بقاعة العروض دار الثقافة بمدينة القصر الكبير.
حقيقة الجميع استمتع بالعروض الجميلة التي قدمها التلاميذ، حيث أظهروا قدراتهم الملفتة والمميزة في الأداء، وكانت رسائلهم، بكل البراءة والطفولية التي تغمر أعمارهم، قوية ومؤثرة، وقد تخللتها وصلات تنشيطية وبهلوانية ممتعة أبدع في تقديمها الفنان والإطار المسرحي خليد بلعزيز كعادته، مما يدل على أن المدرسة قادرة دوما على أن تكون رافعة أساسية لكل أنواع الفنون.
لم يكن ذلك ليتحقق لولا الرؤية الاستراتيجية التي تبنتها جمعية تنمية التعاون المدرسي، سواء في عهد رئيسها السابق الأستاذ محمد الصبان أو الحالي الأستاذ سعيد غنام، والتنسيق المتين مع المديرية الإقليمية من خلال مكتب الأنشطة التربوية، لا سيما الأستاذ محمد عابد، الذي أبان عن إرادة دؤوبة في العمل، وإصرار على تنزيل المذكرات الوزارية والجهوية أو الإقليمية على أرض الواقع، وهو تصور متكامل ينبني على إعطاء دينامية للفعل المسرحي داخل المؤسسات التعليمية عبر تكثيف التكوينات التي يستفيد منها منسقو ومنسقات الأندية التربوية، وجعل مهرجان المسرح المدرسي ينظم كل سنة عوض كل سنتين، وكذا تفعيل التوصيات التي تخلص إليها لجان تحكيم وازنة ومختارة بعناية خلال كل دورة، بعد قراءتها وتقييمها الدقيق والموضوعي للأعمال المسرحية المنجزة والحكم عليها.
كما لوحظ خلال السنوات الأخيرة الانخراط الكثيف للمؤسسات التعليمية في هذه الدينامية الإيجابية بعدما أدركت أهمية تجويد الممارسة التربوية في المسرح وفي الفنون الأخرى، كالموسيقى والرسم والقصة والشعر والسينما وغيرها، انطلاقا من قناعتها أن المدرسة هي المشتل الحقيقي لإنتاج وصقل مواهب وفناني المستقبل في جميع المجالات، في إطار حياة مدرسية منتعشة عبر أنديتها التربوية.
فالمدرسة هي الوسيط المثالي الذي يتم عبره تصريف كل الرسائل والقيم التربوية والوطنية المرتبطة بالشخصية الثقافية والحضارية للمواطن المغربي، ومن خلالها يتحدد المسار الفني لمجموعة من التلاميذ، وأرضية خصبة للفرق المسرحية المحلية لاستيعابهم ودمجهم ضمن مشروعها الفني والإبداعي.
لوحظ أيضا أنه حصل تطور كبير في مستوى العروض المشاركة في المهرجان الإقليمي للمسرح المدرسي خلال هذه الدورة، بما لا يدع مجالا لمنطق المصادفة هنا، إذ جاء كحصيلة طبيعية لانفتاح الجمعية على مجموعة من الفاعلين والمؤطرين المسرحيين من أجل الاستفادة من كفاءاتهم وخبراتهم، لدرجة يمكن القول إن المسرح المدرسي قد وصل، في حدود معينة، إلى مرحلة النضج والإبداع، وهو مدرك للخصائص الفنية التي يعتمدها ويشتغل عليها، ويقيم في نفس الوقت مسافة مستقلة تميزه عن مسرح الطفل.
لقد تفاجأنا بالعرض المسرحي الصامت ” إلى متى ؟ ” الذي قدمته مدرسة عبد الله گنون، والذي أبان عن إقتدار ملحوظ في إيصال رسالة الأطفال ودقهم ناقوس الخطر المرتبط بمشكلة الماء، وتشخيصهم لحركات ميمية متقنة بانسجام تام مع إيقاع الموسيقى، أو العرض المتمحور حول روح الجماعة في مسرحية ” L,union fait la force ” باللغة الفرنسية لمدرسة المهدي بن تومرت، والعرض المميز الذي فاز بالجائزة الأولى المعنون ب ” الشبكة ” لمدرسة محمد بلحسن الوزان، وهو عرض تربوي بامتياز يتمحور حول تيمة الوعي الجمعي كقيمة تربوية تتوخى تكريس روح التٱزر والتضامن في نفوس الناشئة عوض الأنانية والفردانية، من خلال قصة شيقة تكشف عن صراع الذات لحظة خروج أحد أعضاء مملكة الفراشات عن الجماعة، ومع الٱخر الخارجي من خلال العنكبوت الذي حاول خداع الفراشة بطلب صداقتنا متقمصا شخصية النحلة، قبل أن تكتشف الفراشة خداعه وتعود إلى جماعتها، بعد تدخل الفراشات ووضع العنكبوت في الشبكة ومحاكمته، باستخدام وسائل بسيطة في الديكور وتحريكه، وإبداع في اختيار السينوغرافيا الملائمة للعرض، وتصميم الملابس، وحركات الممثلين المتقنة والتلقائية، والرقص والغناء، واستعمال مؤثرات فنية خارجية، وهي عناصر مجتمعة حققت متعة الفرجة المسرحية التي شدت الجمهور حتى ٱخر لحظة.
أخيرا وليس ٱخرا تبقى الدعوة مفتوحة في وجه الجميع، لا سيما أمهات وٱباء التلاميذ لانخراط بناتهم وأبنائهم في هذه الأوراش التربوية والفنية التي تصقل شخصيتهم وتنميها.
طنجة الأدبية