في إطار أنشطة شعبة علم الإجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز، نظم ماستر سوسيولوجيا النوع والمواطنة لقاء مفتوحا على امتداد ثلاث ساعات مع المخرج السينمائي سعد الشرايبي، تلاه توقيع نسخ من كتابه “شذرات من ذاكرة سينمائية”، وذلك يوم الجمعة ثالث فبراير 2023 من الثالثة والنصف إلى السادسة والنصف مساء بقاعة المناقشات ببناية القرويين.
أطرت هذا اللقاء بشكل جيد الدكتورة أسماء بنعدادة بمشاركة مكثفة وفعالة من طلبة وطالبات الماستر المذكور وبحضور عميد الكلية وبعض أساتذتها. في بداية اللقاء، رحبت الأستاذة أسماء، باسم الطلبة وإدارة الكلية، بالمخرج سعد الشرايبي وباقي الضيوف وشكرتهم على تلبية دعوة الحضور رغم مشاغلهم المتعددة. وبعد تذكيرها ببرنامج هذا اللقاء، الذي كان لأخيها الكتبي حسن بنعدادة دور كبير في تسهيل عملية انعقاده، أعطت الكلمة لهذا الأخير الذي تحدث عن سعة صدر المخرج سعد وسخائه الفني والثقافي وقبوله الفوري لفكرة المشاركة في هذا اللقاء بمجرد ما اقترح عليه ذلك أثناء لقائه به في إحدى التظاهرات السينمائية المنظمة مؤخرا بجامعة إبن طفيل بالقنيطرة. مباشرة بعد كلمة الصديق حسن، المناضل على واجهة تقريب الكتاب من القراء تحت شعار “لنجعل من القراءة طقسا يوميا”، أعطيت الكلمة للطالبة ضحى فداوي، أستاذة الرقص بمكناس، لتقديم قراءة بالعربية في كتاب سعد الشرايبي “شذرات من ذاكرة سينمائية”، الصادر بالفرنسية سنة 2020، حيث قربت الحاضرين من فصول الكتاب ومضامينها بشكل جامع مانع أعجب به صاحب الكتاب الذي نوه بها وبمجهودها في هذه القراءة الماتعة.
وقبل فتح باب التحاور والمناقشة مع المخرج سعد الشرايبي، طرحت الدكتورة بنعدادة جملة من الأسئلة، كأرضية للنقاش، تمحورت حول ما يلي: السينما والسوسيولوجيا ومدى استفادة كل منهما من الآخر، طبيعة العلاقة بين السينما والواقع، السينما والنساء، هل المبدع السينمائي محايد في تعامله مع الواقع المجتمعي؟….
وقد فضل المخرج الشرايبي، كنوع من التسخين استعدادا للتحاور مع الطلبة، أن يتفاعل أولا مع هذه الأسئلة، مدليا بوجهات نظره في القضايا المثارة من خلالها، ومؤكدا على ما يلي:
1، لا جدال أن السينما منفتحة على كل الفنون والمعارف بما في ذلك الأبحاث السوسيولوجية، فقبل أن يشتغل كمخرج على بعض المواضيع الكبرى والشائكة في أفلامه (مشاكل المرأة، سنوات الرصاص، العلاقة بالمستعمر الفرنسي…) يقوم بأبحاث ويطلع على كتابات ودراسات ويتصل بمتخصصين من أجل الفهم أولا وتكوين فكرة واضحة وحقيقية عن الموضوع المرغوب معالجته في الفيلم، ثم بعد ذلك يبحث عن الشكل الفني الأنجع في تناوله لتحقيق المتعة والفائدة لدى المتلقي ودفعه إلى التساؤل والتفكير بعد مشاهدة الفيلم.
2، السينما يمكنها كذلك أن تساعد الباحث السوسيولوجي في فهم بعض الظواهر الإجتماعية أو توجهه على الأقل إلى البحث فيها، خصوصا وأنها سيف ذو حدين قد توظف للتنوير أو للتخدير. وقد أفرز التركيز على السينما ووظائفها كموضوع للبحث العلمي تخصصات من بينها “سوسيولوجيا السينما”…
3، ليس مطلوبا من المخرج أن ينقل لنا الواقع كما هو أو يعيد إنتاجه، وإنما لابد أن يكون له موقف من هذا الواقع من خلال التفاعل مع ظواهره ومظاهره المتنوعة. وهذا الموقف لا يبنى إلا انطلاقا من أرضية ثقافية صلبة ومن رؤية شخصية للعالم. وإذا كان العلم يتسم بالموضوعية (نسبيا) فإن الفن (السينما نموذجا) يستدعي حضور الذاتية (ذات المبدع) بقوة. ولعل ما يضفي على العمل الفني (الفيلم، مثلا) قيمة فنية وفكرية هو مدى حضور ذاتية المبدع (أي بصمته) فيه.
4، فيما يتعلق بالسينما والنوع، الملاحظ أن هناك شبه هيمنة ذكورية على مختلف التخصصات السينمائية، في العالم كله، باستثناء التشخيص الذي تحضر فيه المرأة بقوة إلى جانب الرجل. إلا أن الوضع في بلادنا شهد في السنوات الأخيرة تحولا ملحوظا في المشهد السينمائي، بحيث أصبح عدد المخرجات والعاملات في الحقل السينمائي يتكاثر بشكل ملحوظ من سنة لأخرى.
وفيما يتعلق بأسئلة الطلبة المتنوعة دار النقاش حول العديد من القضايا من قبيل: أفلام سعد الشرايبي وجمهورها (النخبة أم عامة الناس؟)، دواعي تأليف كتاب “شذرات من ذاكرة سينمائية”، واقع ومستقبل السينما بالمغرب، دور الأندية السينمائية في نشر ثقافة الفيلم وتنمية الحس النقدي، طبيعة النقد السينمائي الممارس حاليا بالمغرب، هل للتحليل السوسيولوجي دور في العمل السينمائي؟، إلى أي حد تساهم السينما في تغيير الواقع المجتمعي؟، أسباب تقلص عدد القاعات السينمائية بالمغرب، الفيلم المغربي والمنصات الرقمية، التوثيق للذاكرة السينمائية بالمغرب… وكانت إجابات المخرج سعد الشرايبي وافية ودقيقة ومقنعة بدرجة كبيرة. وبما أنه يصعب تلخيص كل ما دار في هذا اللقاء المفتوح من أفكار وتصورات ومواضيع وإجابات وغيرها، سأركز فيما يلي على بعض النقط دون غيرها:
1، أفلام سعد الشرايبي ليست نخبوية بالدرجة الأولى وإنما هي موجهة للجمهور الواسع، وبالخصوص للمتلقي الإيجابي وليس السلبي، أي المتلقي الذكي الذي يتفاعل مع ما تطرحه من أفكار ورؤى ويستمر بعد مشاهدتها في التفكير والتساؤل حول القضايا الكبرى التي تتناولها.
2، كتاب “شذرات من ذاكرة سينمائية” هو بمثابة توثيق لنصف قرن من الممارسة السينمائية بالمغرب (1970- 2020) من جوانبها المختلفة، ليس من منظور التاريخ الرسمي وإنما من منظور ما كان يجري في الكواليس وتأثيره على واقع ومستقبل السينما ببلادنا.
3، السينما في المغرب قطعت أشواطا وعرفت تحولات منذ لحظة الإستقلال إلى الآن، وأصبح للفيلم المغربي حاليا حضور محترم في جل المهرجانات السينمائية الأجنبية وفي القاعات السينمائية الوطنية، على ندرتها، لكن الطريق لا يزال طويلا لخلق صناعة سينمائية حقيقية في البلد.
4، لعبت الأندية السينمائية بالمغرب، خصوصا في السبعينات والثمانينات، دورا كبيرا في التربية على الصورة وفي دعم الفيلم المغربي والإنفتاح على التجارب السينمائية الرائدة في العالم، حيث تخرج منها العديد من عشاق السينما ونقادها ومبدعيها وغيرهم.
5، من بين أسباب تقلص عدد القاعات السينمائية بالمغرب عقلية مالكيها أو المشرفين عليها، الذين راكموا الثروات في عصرها الذهبي ولم يواكبوا التطورات التكنولوجية التي شهدها العصر، وأغلبهم ليسوا عشاقا للسينما.
6، لابد من الإنفتاح على المنصات الرقمية للترويج للفيلم المغربي، إلى جانب تحسين شروط العرض في القاعات السينمائية المتواجدة وبناء قاعات جديدة في مختلف مناطق البلاد غير المحظوظة سينمائيا، مع وضع سياسة واضحة لترويج أفلامنا في الداخل والخارج.
7، لا جدال في كون السينما تساهم في تنمية الوعي وإحداث التغيير الإجتماعي ولو بشكل ضئيل، لكن عبر الأفلام التي تخاطب ذكاء المتلقي وليس الأفلام التي تدغدغ عواطفه وتخاطب غرائزه بالدرجة الأولى.
8، التوثيق مسألة حيوية بالنسبة لكل مجتمع، فعن طريقه يتم حفظ الذاكرة الفردية والجماعية. ومع كامل الأسف لا تحظى هذه المسألة بالعناية المطلوبة في بلادنا. ولعل الوعي بأهمية التوثيق هو الدافع إلى نشر كتاب “شذرات من ذاكرة سينمائية”.
9، أصبح كل من هب ودب يمارس النقد السينمائي، خصوصا في بعض المنابر الصحافية، دون أن تتوفر فيه شروط الناقد الحقيقي، باستثناء قلة تتميز كتاباتها بتحليل الأفلام للوقوف على نقط قوتها ونقط ضعفها. هناك نوع من التمييع للممارسة النقدية والفنية ببلادنا.
من فاس: أحمد سيجلماسي