بعد “صرخة حارك” الصادر سنة 2010، و”رسائل الماء والنار” سنة 2013، و”مواويل الشجن” سنة 2017، صدر أخيرا للشاعرة المغربية سميرة فرجي عن منشورات الحلبي، ديوان شعري جديد موسوم بعنوان “نور” في 215 صفحة وعشرين قصيدة، يكرس اختيارها للشعر العمودي الذي تبرع في كتابته في زمن قل من يتقن الإبداع تحت جبته.
“نور” هو عنوان القصيدة التي تفتتح بها الديوان، وقد رأت من باب الوفاء وخصلة الاعتراف أن تخصصها لمدح أستاذها الدكتور عباس الجراري عميد الأدب المغربي، ومما جاء فيها:
أيا موئل الأجيال، عهدك يشهد/بأنك نور في العلا يتوقد
تفردت في دنيا المعارف كلها/كأنك فينا واحد يتعدد.
يتضمن الديوان الجديد روائع الشاعرة في الشعر الوطني مثل قصيدة “صبر الكبار”، وقصيدة “مغرب لا يغرُب” التي غناها لها الفنان التونسي الكبير لطفي بوشناق، و”رسالة من مخدع الحَجْر ِ” وفي الغزل مثل رائعة “أساطير الخلود” و”وحدك..” و”لست لي” و”لو أنه يدري” و”أخاف من انصرافي” و”اعتراف” و”كن مثل قيس” و”شكواي لله”، وفي الهجاء “سرج الراحلين من اختراعي” و”من تُراها”، وفي الرثاء: “جمرة الذكرى” في رثاء والدها و”كأني يعقوب” في رثاء والدتها، و”وبحزن يعقوب تفرق ما بي” في وداع شقيقتها، و”رحلوا”.. .
الجميل والمثير معا في هذا الديوان الغني والممتع، أن الشاعرة سميرة فرجي التي تمتهن المحاماة ضمنته (ص: 177) قصيدة “صوفي الهوى” التي استعرضت فيها براعتها في تطويع لغة القانون وشعرنتها إن صح التعبير، وتحويل المرافعة القانونية التي تكون باردة وجافة عادة، إلى مرافعة شعرية دافئة وقوية دفاعا عن موكلها. بما يؤشر على براعتها أيضا في مهنة المحاماة، وهي قصيدة طريفة تقول فيها:
يا سيدي القاضي، سألتُ موكلي/ فبكى وأفصح عن مصابِ أسْقَمهْ
إني أرى شَبَهاً ليوسفَ ماثِلاً / وأجلُّ قدرِكَ في القضا أن تظلمَهْ
لا، لم يكن ثملا ولم يكُ مذنباً / لكنَّ حُبَّ مليحةٍ قد تيَّمهْ
وعدَتْهُ يوما أن تجودَ بوصلِها / فسَقَتهُ من كأسِ التجني علقَمهْ
وبرغم ما جادت به صبواتهُ / نقضتْ بسهمِ الهجرِ ما قدْ أبرَمهْ
ألقوه في سجن وخاضوا بالذي / غَلَّ اللسانَ عنِ الجوابِ وألجَمهْ
قالوا: احمرار العين، قال: سُهادُها / قالوا: ترنّح، قال: وَجْدٌ ترجَمهْ
قالوا:غيابُ الوعي، قال: تَوَلّهٌ / قالوا: تلعثمَ، قال: بوحٌ نَغَّمَهْ
هو هكذا الولهانُ، يُسْكِرُهُ الهوى / وَإذا رأى ثَمِلاً يخالُهُ توأَمَهْ
فِعْلُ المُوَكِّلِ لا يعدُّ جريمة / مهما اذَّعوا، فالخمرُ لمْ تقرُبْ فَمَهْ
إني، وربُّكَ قد بحثتُ ولم أجدْ / في رزمةِ القانونِ فصلاً جَرّمَهْ؟
أتدينهُ مِنْ أجلِ قلبٍ نابضٍ / والحبُّ أمرُ اللهِ منْ ذَا حرَّمَهْ
إنْ كنتَ بالتغريمِ تنوي زَجرَهُ / فالشَّوْقُ قبلك بالمواجعِ غرَّمهْ
جرِّبْ بصدقٍ أن تعيشَ مُلَوَّعاً / وتذوقَ يوما ما اعتراهُ وآلَمهْ
وإذا سَلِمْتَ من التمايُلِ جَهْرَةً / فاحكمْ بِأقصى ما ترى، وأبِحْ دَمَهْ
يا سيدي القاضي، ترفَّقْ بالذي / لبَّى ندَا قلبٍ، وحَرِّرْ مِعْصَمهْ
فلقد قضى كوسى برؤيا عيْنِه / والخِضْرُ خالفَهُ، وربّي علَّمهْ
هو مثلُ صوفي ترنح هائما / في حبِّ مولاهُ ويرْقُبُ مكرمَهْ
أو راهبٍ في الليل أوقدَ شمعهُ / وإذا رأى مِنهُ خيالا كلّمهْ
يا سيدي القاضي، أخالُكَ عادلاً /فأنصِف بريئًا واجْلُ عنه المَظْلَمهْ
هذا الذي أخفاه فاخلِ سبيلهُ / وآشنُقْ بحبلِ دموعهِ منْ سلَّمهْ.
يذكر ان الشاعرة سميرة فرجي سبق أن تُوجت سنة 2017، بلقب سيدة العام في حفل كبير نظمه مجلس مدينة فاس وجمعية بوابة فاس بالعاصمة العلمية للمغرب بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، كما تُوجت عام 2019 بلقب سيدة الشعر العربي من طرف المركز الأكاديمي للثقافة والدراسات المغاربية والشرق أوسطية والخليجية والنادي الجراري بالعاصمة الرباط . وقد تغنى بأشعارها مجموعة من المطربين العرب منهم اللبنانية غادة شبير، والتونسي لطفي بوشناق والمغربي فؤاد طرب.
طنجة الأدبية