أنهت بعثة أثرية، عملت تحت رعاية اليونسكو، مهمتها الاستكشافية التي دامت 14 يوماً في منطقة سكيركي (تونس) ومضيق صقلية (إيطاليا) في البحر الأبيض المتوسط؛ حيث قام علماء دوليون من 8 دول أعضاء وللمرة الأولى بنمذجة حطام السفن وتحسين رسم خرائط المنطقة بغية حماية التراث الثقافي الهام المغمور بالمياه في الأجل الطويل.
قالت المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي: “جاءت هذه البعثة ثمرة تعاون دولي غير مسبوق، وأودُّ أن أشكر الدول الأعضاء الثمانية من منطقة البحر المتوسط التي عملت معاً على تنظيم البحوث العلمية والاضطلاع بها بتنسيق من اليونسكو، واستناداً إلى اتفاقية عام 2001 بشأن حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه”.
أُنجزت هذه البعثة بتعاون باحثين من الجزائر وكرواتيا ومصر وفرنسا وإيطاليا والمغرب وإسبانيا وتونس، ودامت أكثر من 14 يوماً على متن السفينة العلمية الفرنسية، ألفرد ميرلين، في المياه الدولية على الجرف القاري الإيطالي بتنسيق إيطالي، ثمَّ على الجرف القاري التونسي بتنسيق تونسي.
وأضافت المديرة العامة قائلة: “أسفرت البعثة عن تحقيق تقدم كبير، ولا سيما في التوثيق العالي الدقة لحطام السفن ما بين العصر الروماني والقرن التاسع عشر. وهذا يؤكد أنَّ منطقة سكيركي هي إحدى أهم مناطق العالم بالنسبة إلى التراث الثقافي المغمور بالمياه”.
رسم خرائط عالية الدقة للمرة الأولى
نفَّذ علماء الآثار مسحاً باستخدام مركبتين تشغلان من بعد تبعاً لجغرافية ومورفولوجيا المناطق المغمورة بالمياه. حيث استُخدمت المركبة آرثر المصممة خصيصاً لإجراء مسح أثري في المياه العميقة لتوثيق حطام السفن على الجرف القاري الإيطالي.
وقد وثَّق آرثر حطام ثلاث سفن من العصر الروماني كانت قد اكتشفتها بعثتان أمريكيتان (بلارد وماك كين) في تسعينات القرن الماضي. وقد سرَّ علماء الآثار عندما اكتشفوا أنَّ حطام هذه السفن والقطع الأثرية بقيت تقريباً على حالها خلال الأعوام الثلاثين الماضية، ولم تتأثر بالترسبات أو التحات البيولوجي أو الأنشطة البشرية (شبكات الصيد وغيرها).
وقد أفسحت البيانات الجديدة التي جُمعت بالتقاط صور وأفلام فيديو ذات دقة أعلى من أجل المساعدة على تحديد خصائص شحنات هذه السفن وتحديد تاريخها. وقد أماط توثيق هذه المواقع اللثام عن دليل جديد وهام.
توثيق حطام ثلاث سفن جديدة
استخدم علماء الآثار مركبة هيلاريون التي تشغل من بعد في الجرف القاري التونسي بغية التحقق من الأهداف وتوثيقها في هذه المنطقة الممسوحة مجدداً. وقد جرى استكشاف قاع البحر باستخدام مسبار صدى متعدد الأحزمة من أجل تقديم المزيد من المعلومات عن هذه المنطقة المجهولة والخطرة للملاحة، وكذلك من أجل تقديم معلومات عن المواقع المحتملة لبقايا أثرية أخرى.
ومُسحت المنطقة المحيطة بشعاب “كيث” المرجانية لأول مرة بغية إصدار خريطة مفصلة تبين آثار التراث الثقافي المغمور بالمياه، الأمر الذي أتاح للفريق العلمي والتقني توثيق حطام سفن ثلاث جديدة يعود تاريخها إلى الفترة الممتدة من العصر القديم إلى العصر الحديث (القرن التاسع عشر)، فضلاً عن مجموعة من المناطق الأخرى ذات الأهمية الأثرية.
ما هي المرحلة القادمة؟
سوف يجتمع علماء الآثار هذا الخريف في اليونسكو من أجل إعلان النتائج الأولية التي توصلوا إليها، ومن المزمع أن يقدموا تقريراً كاملاً ومفصلاً في وقت لاحق. تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الجهود تدشّن علاقة مستدامة من التعاون المتعدد الأطراف في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
يخطط علماء الآثار إلى القيام بمسح تصويري لحطام السفن التي استكشفوها في الجرف القاري الإيطالي باستخدام مقاطع الفيديو التي التقطتها الروبوتات، ويوصون بمواصلة رسم الخرائط للجرف القاري التونسي. ويطمح علماء الآثار إلى تنظيم العديد من الفعاليات الأخرى مثل عقد المؤتمرات العلميّة وإيفاد بعثات متابعة والتفكر في كيفية حماية هذه المواقع.
تُقدّم هذه البعثة المتعددة الأطراف فرصة وعبرة ينبغي تشاطرهما مع البلدان الأخرى، وذلك باعتبارها ممارسة مثلى على صعيد دراسة التراث الثقافي المغمور بالمياه في المياه الدولية وحمايته وترويجه.
***
المزيد عن البعثة
مقبرة السفن
تقع قناة سكيركي في منطقة مضيق صقلية/ قناة كاب – بون على امتداد واحدة من أكثر الطرق البحرية ازدحاماً في البحر الأبيض المتوسط، وهي أيضاً واحدة من أكثر هذه الطرق خطورة. تعتبر المياه الضحلة وقيعان البحار الصخرية المخفيّة على عمق أقل من متر من سطح البحر السبب وراء تحطم السفن على مدار آلاف السنين، بدءاً من السفن التجارية القديمة وانتهاء بسفن الحرب العالمية الثانية. نهب الغواصون الهواة أجزاء من هذا الحطام على مدى العقود الماضية، مما عرّض هذا المصدر التاريخي الثمين إلى الخطر.
البعثة الأثرية
تُعتبر سفينة “ألفرد ميرلين” سفينة بحوث متطورة أتاحت فرنسا استخدامها لأغراض البعثة الاستكشافية، وهي مجهزة بمعدات عالية التقنية لرسم الخرائط والتصوير تحت الماء. تضطلع البعثة بعملية استكشاف حطام السفن باستخدام مركبات مشغلة عن بُعد تغوص في أعماق البحار لتصل إلى أماكن تعذر على الغواصين فيما مضى الوصول إليها. تحمل السفينة على متنها 20 عالماً وباحثاً وممثلاً عن كل بلد من البلدان الثمانية المشاركة، فضلاً عن كوكبة من المختصين من اليونسكو.
أرقام رئيسية
- 8 بلدان
- 14 يوم عمل
- 20 عالم آثار
- روبوت آرثور: 21,09 ساعة تحت المياه على عمق يتراوح بين 700 و900 متر
- روبوت هيلاريون: 18,11 ساعة تحت الماء
- 400 ساعة من مقاطع الفيديو
- 20 ألف صورة وأكثر
- دراسة عالية الدقة بوجود خط فاصل كل 25 متراً في منطقة على مساحة 2 كم2، وذلك بفضل إجراء مسح لمياه سطح البحار في منطقة تصل مساحتها إلى 10 كم2 باستخدام مسبار صدى متعدد الأحزمة.
طنجة الأدبية