بمبادرة من المعهد الفرنسي بالمغرب، تشهد بعض المدن المغربية خلال رمضان القادم عروضا للفيلم المغربي الجميل “وشمة” (1970) بحضور مخرجه حميد بناني (82 سنة)، وهو فيلم يعتبره جل النقاد والمؤرخين السينمائيين بمثابة البداية الإبداعية الحقيقية للسينما بالمغرب على مستوى الأفلام الروائية الطويلة.
ولعل ما أعطى هذا الفيلم، الفائز بالتانيت البرونزي بمهرجان أيام قرطاج السينمائية سنة 1970، قيمة فنية أكثر من غيره من أفلام الستينيات ومطلع السبعينيات هو تظافر جهود ثلة من المبدعين المتميزين في إنجازه. فقد أخرجه حميد بناني انطلاقا من سيناريو كتبه بنفسه وساعده في ترجمة حواراته من الفرنسية إلى العربية الدارجة المبدع المسرحي محمد تيمود، وأشرف على تصويره محمد عبد الرحمان التازي بمساعدة محمد السقاط، ووضع له الموسيقى التصويرية كمال دومينيك إيلوبوا (من وجدة)، واضطلع بمهمتي السكريبت والمونطاج أحمد البوعناني، الذي تكلفت زوجته نعيمة سعودي بالملابس والماكياج، وشخص أدواره الرئيسية ممثلون محترفون من أشهرهم آنذاك عبد القادر مطاع ومحمد الكغاط ومحمد حماد الأزرق والعربي اليعقوبي وخديجة مجاهد بالإضافة إلى الطفل توفيق دادة ومجموعة من الهواة… إنه ثمرة جهود أربعة سينمائيين مغاربة أسسوا شركة “سيكما 3” وهم: حميد بناني ومحمد عبد الرحمان التازي ومحمد السقاط وأحمد البوعناني، وساعدهم في الإنتاج مدير المركز السينمائي المغربي آنذاك عمر غنام ووزارة الأنباء والسلطات المحلية بمكناس وناحيتها والفيدرالية المغربية لنوادي السينما برئاسة المحامي عبد الحق العلمي.
تجدر الإشارة إلى أن بعض وقائع الفيلم وفضاءات تصويره تحيل على البيئة التي عاش فيها مخرجه ومؤلفه حميد بناني وهو طفل صغير بمدينة مولاي إدريس زرهون ونواحيها، وهي البيئة التي كان يعرفها جيدا بحكم زياراته المتكررة لها من مكناس رفقة أسرته، خصوصا وأن والده كان يملك ضيعة فلاحية هناك.
عن ظروف إنتاج فيلم “وشمة” جاء في حوار أجريته مع حميد بناني (سيصدر مستقبلا في كتاب) ما يلي: “بعد حصولي على الإجازة في الفلسفة سنة 1963 من كلية الآداب بالرباط سافرت إلى باريس لإتمام دراستي كطالب دكتوراه، حيث تابعت محاضرات كل من رولان بارث وجاك دريدا وغيرهما. إلا أن شوقي للسينما كان أقوى، الشيء الذي دفعني إلى الإلتحاق بمعهد الدراسات السينمائية العليا (IDHEC) تخصص “إخراج وإنتاج- محافظة”.
أخرجت فيلمين روائيين قصيرين بفرنسا، بعد تخرجي أواخر سنة 1967 من المعهد المذكور، هما: “الخادمات” و”قلبا لقلب”. وبعد ذلك كنت متحمسا للعودة إلى أرض الوطن، على الرغم من الإمكانيات التي كانت متوفرة لي للبقاء بباريس حيث كنت متزوجا من شابة فرنسية كانت طالبة دكتوراه معي في السوربون. لقد فضلت العودة إلى المغرب لممارسة السينما في وطني.
مباشرة بعد عودتي من فرنسا اشتغلت من 1968 إلى 1970 رئيسا لمصلحة العلاقات الخارجية بالتلفزة المغربية، وأنتجت بعض الأفلام الوثائقية، لكنني لم أكن أبدا مرتاحا داخل أجواء التلفزيون حيث عانيت كثيرا من مضايقات إدارته، الشيء الذي دفعني في الأخير إلى تقديم استقالتي من المنصب.
بعد مغادرتي لوظيفة التلفزيون تفرغت لكتابة سيناريو فيلم “وشمة” وأسست شركة “سيكما 3” رفقة السينمائيين محمد عبد الرحمان التازي ومحمد السقاط وأحمد البوعناني. أما فيما يتعلق بتكلفة إنتاج هذا الفيلم الروائي الطويل فقد كان هناك مصدران أساسيان لتنفيذ إنتاجه:
أولا، ساعدني مدير المركز السينمائي المغربي آنذاك المرحوم عمر غنام، حيث وضع رهن إشارتي معدات التصوير والمختبر والأستوديو ورخص للسينمائيين الذين أسسوا معي شركة “سيكما 3” كي يشتغلوا معي في الفيلم، لأنهم كانوا موظفين بالمركز السينمائي المغربي. لقد تعاطف الراحل عمر غنام معي وكان له أمل كبير في أن تشكل تجربتي تجربة ناجحة ومغايرة مقارنة مع تجارب الأفلام الروائية الطويلة الأولى الثلاثة التي أنتجها المركز السينمائي المغربي في أواخر الستينيات ولم يكن هو راض عنها أبدا.
ثانيا، تلقيت إعانة مالية مجانية لإنتاج الفيلم من رئيس الفيدرالية المغربية لنوادي السينما الأستاذ عبد الحق العلمي، الذي قدمه لي صديقي نور الدين الصايل الكاتب العام آنذاك لنفس الفيدرالية، علما بأن هذا المبلغ المالي هو الذي ساعدني بشكل كبير في التصوير الكامل للفيلم”.
في انتظار الإعلان عن أسماء المدن التي ستحتضن معاهدها الفرنسية العروض المخصصة لفيلم “وشمة”، ومعرفة تواريخ هذه العروض، نشير إلى أن أول هذه العروض سينظمه المعهد الفرنسي بمراكش يوم 16 أبريل الجاري ابتداء من التاسعة ليلا.
أحمد سيجلماسي