شكّل استقبالُ محمد مهدي بنسعيد وزير الشباب والثقافة والتواصل لوفد من بيت الشعر في المغرب، يتكوّن من الشّاعرين مراد القادري و نجيب خداري والناقد خالد بلقاسم، مناسبةً للتباحُث في سُبل تعزيز الشراكة التي تجمعُ بين الطرفين، والتي تتميّز بالمتانة و القُوة، كان من نتائجِها، على مدار أزيد من ربع قرن، الارتقاءُ بالحياة الثقافية و تقديمُ نموذجٍ مُضيء في الديمقراطية التشاركية التي تجمعُ القطاع الحكومي المكلّف بالثقافة ومؤسسة ثقافية مدنيّة مُستقلة، وهو ما يُمكِن تلمُّسُه، مثلا، في النّداء الذي تقدّم به بيت الشعر بتاريخ 29 يونيو 1998 للمنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم ( اليونيسكو) من أجل إقرار يوم عالمي للشعر، وهو الاقتراحُ الذي حظِي آنئذ بتزكية من طرف وزير الثقافة محمد الأشعري، و الوزير الأول الأستاذ الراحل عبد الرحمان اليوسفي، حيث استجابت اليونسكو لهذا النداء وأعلنت في 15 نوفمبر 1999 عن 21 مارس يوما عالميا للشعر. كما يُمكن ملاحظة هذا التعاون، على مستوى ثانٍ، من خلال مجلة “البيت” التي تصدُر عن بيت الشعر بدعم من وزارة الثقافة، حيث بلغت هذه المجلة المتخصّصة في الشّعر و نقْده و ترجمتِه عددها الأربعين ( 40)، وهو ما ساهم في التعريف بالشّعر المغربي وتقْريب صلاته بالجُغرافيات الشعرية العالمية، عبر اسْتضافة شُعراء وتجارب عالمية كبرى، علاوة على انفتاح صفحاتها على مُختلف أشكال التعبير المرتبطة بالشّعر أو المشتغلة عليه، وتقديم أصوات جديدة تنبئ بالوعْد الكثيفِ لمستقبل شعرنا المغربي.
كما تُمثّل جائزة الأركانة العالمية للشّعر لحظةً أخرى للتعاون والشراكة التي جمعَت الطرفين معا بمؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير، الجهة الراعية لهذه الجائزة التي يُعتبرُ منحُها علامة مُميّزة في تاريخ ومسارِ الشُعراء الذين فازوا بها، وشَرَفُوا بها، و شرُفت بهم، من مثل الصيني باي ضاو، والفلسطيني محمود درويش، والعراقي سعدي يوسف، والفرنسي إيف بونفوا، والإسباني أنطونيو غامونيدا، والبرتغالي نونو جوديس، و الطواريقي خواد، واللبناني وديع سعادة، والألماني فولكر براون، والأمريكيين مارلين هاكر و تشارلز سيميك و المغاربة محمد السرغيني و محمد بنطلحة و الطاهر بنجلون و محمد الأشعري، وهو ما جعل من هذه الجائزة جائزةٌ للصّداقة الشّعرية، يقدّمُها المغاربة لشاعرٍ يتميّزُ بتجربةٍ في الحقل الشّعري الإنساني ويُدافع عن قِيم الاختلاف والحُرية والسّلم، بها يُحيّي الشّعراء المغاربة وبها يتقاسمُون و الشعراء الفائزون حُبّهم للشّعر وسَهرَهم عليه، بما يليقُ من التّحية.
كلُّ هذا التاريخ الممتدّ في الشّراكة والتعاون كان حاضرًا خلال لقاء وزير الشباب والثقافة والتواصُل مع وفد بيت الشعر في المغرب، حيث أكّد الطرفان إرادتهما المشتركة على مُواصلة العمل من أجل تطوير هذه التجربة الغنيّة في العمل الثقافي الثُّنائي، عبر تجْديد و تطوير و تحْيين اتفاقية الشراكة التي تجمع بينهما، فيما عبّر الوزير عن استعداد وزارته لإطلاق برنامج دعم النشر والكتاب، وهو البرنامجُ الذي يُمثّل شريانًا حيويّا بالنّسبة لقطاع الصناعات الثقافية في مجال الكتاب، كما عبّر عن رغبته في إحداث مبادرة ثقافية جديدة تتمثّل في نقل الشّعر المغربي وترجمته إلى اللغات الأجنبية، واستعداد الوزارة لدعْم مهرجان الشعر الإفريقي، الذي يعتزمُ بيت الشعر تنظيمه بمدينة زاكورة، ودعم طلب بيت الشعر للاستفادة من مقر ثقافي بمدينة الرباط، وذلك ضِمن برنامج الرباط عاصمة الأنوار، و استعدادها لتكون عاصمة للثقافة الإفريقية و الإسلامية.
هذا، و من جِهته، عبّر الشاعر مراد القادري، رئيس بيت الشعر، خلال هذا اللقاء، عن تثْمينه لمسار و مُنجز مائة يوم من عمل الوزارة في الحقل الثقافي، مُشيدًا، من جهة أخرى، بتخْصيص السيد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، و لأول مرّة في تاريخ العمل البرلماني، جلسة لمناقشة موضوع “السياسة الثقافية”، والتي أكّد من خلالها عن إرادة الحكومة المغربية الجديدة لإقرار سياسة ثقافية بمُشاركة كافة الفاعلين والمعنيين بالإشعاع الثقافي الوطني ودعم اقتصاديات الثقافة.
طنجة الأدبية