بعد معاناة مع المرض، توفي في الساعات الأولى من صباح الخميس 27 يناير 2022 الممثل المغربي القدير عبد اللطيف هلال (1940- 2022)، عن عمر ناهز 82 سنة، وووري جثمانه الثرى بمسقط رأسه مدينة الدار البيضاء.
ينتمي الراحل إلى جيل الممثلين والممثلات الذين انطلقت تجربتهم الفنية من مسرح الهواة في مطلع الستينيات من القرن الماضي، وامتدت إلى المسرح الاحترافي والتلفزيون والسينما. شارك أولا في فرق الهواة ثم التحق كممثل محترف بفرقة الطيب الصديقي، أحد رواد المسرح المغربي والعربي الكبار، واستمر مع فرق أخرى.
ولعل أول وقوف له أمام كاميرا السينما كان في فيلم “الحياة كفاح” (1968) للراحلين محمد التازي بن عبد الواحد وأحمد المسناوي، وهو أول فيلم مغربي طويل ساهم في إنتاجه المركز السينمائي المغربي وصوره مدير التصوير محمد عبد الرحمان التازي وركبه الموضب الراحل عبد السلام الصفريوي. اضطلع عبد اللطيف هلال في هذا الفيلم بدور رئيسي إلى جانب بطله عبد الوهاب الدكالي وبطلته ليلى الشنا. وقد شارك في هذا الفيلم أيضا كل من مصطفى منير والراحلان عزيز موهوب والحاج فنان وآخرين. تتمحور قصة هذا الفيلم، في قالب بوليسي لا يخلو من تشويق، حول شاب موهوب يحب الغناء والموسيقى (عبد الوهاب الدكالي) يهاجر من قرية بالريف إلى مدينة الدار البيضاء من أجل البحث عن فرص لتأكيد ذاته كمطرب وملحن. في خضم هذا البحث عن الذات يتعرف على شابة جميلة وغنية (ليلى الشنا) تعجب به وبفنه، إلا أن هناك شابا قريبا منها يطمع فيها وفي مالها (عبد اللطيف هلال) يعمل كل ما في وسعه للتفريق بينهما.
كان أداء هلال وباقي الممثلين في هذا الفيلم مقبولا بشكل عام، إلا أن السيناريو الذي كتبه المخرج محمد التازي بن عبد الواحد جاء منسوجا على منوال بعض الأفلام الإستعراضية المصرية التي كانت تعرض آنذاك بالقاعات السينمائية الشعبية وعلى رأسها أفلام فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ. ورغم النجاح النسبي للفيلم في بعض القاعات البيضاوية وغيرها إلا أنه خيب آمال الأوساط السينيفيلية إبداعيا، شأنه في ذلك شأن الفيلم الثاني من إنتاج المركز السينمائي المغربي “عندما تنضج الثمار” (1968) للمخرجين العربي بناني وعبد العزيز الرمضاني.
بعد هذه التجربة السينمائية الأولى ستتاح للراحل هلال ثلاث فرص في عقد السبعينيات، الأولى مشاركته بدور صغير جدا في فيلم “الرسالة” (1976) للراحل مصطفى العقاد، إلى جانب ثلة من الممثلين المغاربة كمحمد مجد ومصطفى الزعري وفاطمة الركراكي ومحمد مفتاح والمحجوب الراجي والشعيبية العدراوي وغيرهم، كممثلين كومبارص أو في أدوار بدون حوار، ومحمد حسن الجندي (في دور أبو جهل) والطيب الصديقي (في دور الوليد) وعبد الله العمراني (في دور عكرمة) وحسن الصقلي ومحمد أحمد البصري ومحمد خدي في أدوار محترمة أو بحوار، رفقة ثلة من كبار الممثلين والممثلات العرب وغير العرب أكثرهم من مصر، هذا بالإضافة إلى تقنيين مغاربة على رأسهم عبد الصمد دينيا (كمساعد في الإخراج) والعربي اليعقوبي (كمساعد في تصميم الملابس).
أما مشاركته الثانية فكانت بدور فيه حوار في فيلم “أين تخبئون الشمس؟” (1977) للراحل عبد الله المصباحي، والثالثة كانت بدور مهم في فيلم “ذراعي أفروديت” (1978) للمخرج الروماني ميرتيا دراغان (1932- 2017)، وهذا الأخير عبارة عن إنتاج مغربي- روماني مشترك صور بفضاءات مغربية مختلفة بالدار البيضاء وفاس وغيرهما.
فيلم “الرسالة” فيلم دولي شارك فيه، فنيا وتقنيا بنسختيه العربية والأنجليزية، ثلة من كبار الممثلين والتقنيين العرب والأجانب. أما فيلم المصباحي، الشبيه نسبيا بفيلم “الرسالة” من حيث طبيعة موضوعه الروحانية واعتبارا لكونه بمثابة صرخة احتجاج في وجه الحياة الباذخة، فقد شخص أدواره ثلة من كبار الممثلين والممثلات من مصر من قبيل محمود المليجي ونور الشريف ونادية لطفي وعادل أدهم وغيرهم وإلى جانبهم من المغرب كل من عبد الوهاب الدكالي وعبد الهادي بلخياط وبديعة ريان وعبد اللطيف هلال وآخرين. في حين تألق في فيلم “ذراعي أفروديت” الممثلون المغاربة: عبد القادر مطاع وعبد اللطيف هلال والعربي الدغمي وعبد الله العمراني وعزيز موهوب ومحمد أحمد البصري وصلاح الدين بنموسى والمطربة غيتة بنعبد السلام…، إلى جانب ممثلات وممثلين من رومانيا. لقد شكل هذا الفيلم الأخير تجربة مقبولة نسبيا على مستوى الإنتاجات المشتركة، لأن مخرجه الروماني نجح إلى حد كبير في إدارته للممثلين واختياره لفضاءات متنوعة للتصوير بكل من الدار البيضاء وفاس وغيرهما.
في عقد الثمانينيات أتيحت للراحل عبد اللطيف هلال فرصة خامسة للمشاركة في فيلم ثاني لعبد الله المصباحي بعنوان “أفغانستان لماذا؟” (1983) رصدت له ميزانية ضخمة، الشيء الذي مكن مخرجه من استقطاب نجوم من أمريكا ( تشاك كانورس) وإيطاليا (جيليانو جيما) واليونان (إيرين باباس) ومصر (سعاد حسني نموذجا) والمغرب (حميدو نموذجا)…، إلا أن هذا الفيلم اعترضته مشاكل إنتاجية أثناء التصوير وبعده ولم يعرض لحد الآن.
في التسعينيات اختاره المخرج نبيل عيوش للمشاركة في أول أفلامه الروائية الطويلة “مكتوب” (1997)، إلى جانب ثلة من الممثلين الشباب والمخضرمين منهم رشيد الوالي وأمال الشبلي وفوزي بن السعيدي ومحمد مفتاح ومحمد رزين…وفي سنة 2003 شخص دورا مركبا بشكل مقنع في فيلم “جارات أبي موسى” لمحمد عبد الرحمان التازي.
هذه المشاركات السينمائية السبع لم تكن كافية للراحل عبد اللطيف هلال من أجل إظهار ما كان يختزنه من قدرات وطاقات في التعبير بجسده وحركاته وصوته وقسمات وجهه، لأن السينما (المغربية أساسا) كانت شحيحة في حقه كممثل كبير أبلى البلاء الحسن في المسرح والتلفزيون على امتداد ما يقارب ستة عقود من الزمان. فرغم حضوره في العديد من الأعمال التلفزيونية منذ سنة 1964، في مسلسل “المنحرف” (15 حلقة) من إخراج عبد الرحمان الخياط ومسلسل “التضحية” (30 حلقة) من إخراج عبد الرحمان الخياط وعبد الله المصباحي وحسن الصقلي ومحمد ركاب، وصولا إلى سنة 2021 في مسلسل “سوق الدلالة” من إخراج جميلة البرجي بنعيسى، ورغم مشاركته في عدد لا يستهان به من المسرحيات والملاحم مع فرق الهواة والمعمورة والطيب الصديقي وغيرها لم تنصفه السينما المغربية وصناعها، خصوصا في فترة التراكم الفيلموغرافي الذي بدأ يشهده المغرب تدريجيا منذ التسعينيات. فإذا وزعنا أفلامه السينمائية على العقود الستة من عمر تجربته الفنية كممثل سنلاحظ أنه اشتغل بمعدل فيلم طويل واحد في كل عقد. وهذا يعني أن هناك جيلا من رواد التشخيص المسرحي ببلادنا لم تستفد من خدماتهم تجربتنا السينمائية الفتية، منذ الاستقلال إلى الآن، مع استثناءات قليلة يأتي على رأسها الراحل محمد مجد (1940- 2014)، وهو من مجايليه، على سبيل المثال. فهذا الأخير كثر عليه الإقبال من طرف المخرجين المغاربة في السنوات الأخيرة من عمره، وكان حضوره عنصر قوة في كثير من أفلامنا وأفلام غيرنا.
رحم الله الفنان الراحل عبد اللطيف هلال وألهم ذويه ومحبيه وأصدقاءه وزملاءه في المهنة جميل الصبر.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
أحمد سيجلماسي