صدر مؤخَّرًا عن دار نعمان للثَّقافة كتابٌ جديدٌ بعنوان “الكاردينال غريغوريوس بطرس الخامس عشر أغاجانيان، ومختصرُ سِيَر بطاركة الأرمن الكاثوليك” لمؤلِّفه الدكتور جوزيف الياس كحَّالة الَّذي استَفاضَ وغاصَ جيِّدًا في مراحل حياة هذا الرجل العظيم الَّذي أُطلِقَ عليه ذات يومٍ لقبُ “البابا الأحمر“.
يقول المؤلِّف جوزيف الياس كحَّالة في مقدِّمة الكتاب: “تُصادفُ هذا العام الذِّكرى الخمسين لوفاة واحدٍ من أعظم بطاركة الكنيسة الأرمنيَّة الكاثوليكيَّة، هو البطريرك الكاردينال غريغوريوس بطرس الخامس عشر أغاجانيان، القادم من بلاد القوقاز والَّذي أشرقَ عليه نور العنصرة، فانطلقَ ليكون شاهدًا لسرِّ التجسُّد في أرجاء المسكونة“.
ويُبيِّنُ الباحثُ كحَّالة في كتابه هذا كيف أنَّ الكاردينال أغاجانيان كان مِن رجالاتِ الكنيسة الكبار، وَهَبَ حياتَه إلى ربِّه وكنيسته وشعبه، وإلى الإنسانيَّة جمعاء. وكم نحن بحاجة إلى قدوةٍ صالحةٍ في هذه الأيَّام العسيرة، ونحن نعيشُ في وسط صحراء القِيَم الدينيَّة وجفاف المبادئ الإنسانيَّة.
ولم يكن الكاردينال أغاجانيان من المتسلِّطين في إصدار الأوامر عن بُعد، بل كان الخادمَ الأمينَ السَّاهرَ على كنيسته وشعبه، وحامِلَ الهُموم. وعليه، نراهُ يمثِّلُ دورًا هامًّا في إعادة بلدةِ كَسَب والقرى المجاورة لها إلى الحُكم السوريّ، بعدَ أن ضُمَّت إلى تركيا في العام 1939. ومن إنجازاته أيضًا وضعُ نواة أبرشيَّة باريس الأرمنيَّة في العام 1960. كما كانت له مواقفُ مُشَرِّفَةٌ في الدِّفاع عن حقوق الدُّول العربيَّة، وبخاصَّةٍ في ما يتعلَّقُ بالقضيَّة الفلسطينيَّة.
وينقلُنا كحَّالة بأسلوبه السَّهل، في الباب الثَّاني من الكتاب، إلى المَجمَع الفاتيكانيِّ الثاني ودور الكنيسة الأرمنيَّة فيه، فيعرضُ علينا بصورة مُحكَمَة ومُقتَضَبَة مراحلَ أعمال المَجمَع بَدءًا من العام 1962 وحتَّى نهاية تلك الأعمال في العام 1965.
وقد قسَّم دورَ الكنيسة الأرمنيَّة في المَجمَع على ثلاث مراحل: ما قبل المَجمَع؛ خلال عَقد المَجمَع؛ ما بعدَ المَجمَع؛ ثمَ عرضَ للقارئ ما قدَّمَه آباء سينودوس الكنيسة الأرمنيَّة من مُقتَرَحاتٍ وآراء على أعمال المَجمَع.
ويتابعُ جوزيف الياس كحَّالة بحثَه ليصلَ بنا إلى الباب الثَّالث، ويسردَ علينا على نحوٍ أكاديميٍّ تاريخَ الكنيسة الأرمنيَّة الكاثوليكيَّة عبرَ بطاركتها، بَدءًا من القرن الثَّامنَ عشرَ وإلى يومنا هذا، أي وُصولاً إلى انتخابِ البطريرك رافائيل بطرس الحادي والعشرين ميناسيان.
كما أفردَ الباحث كحَّالة حيِّزًا لا بأسَ به من بحثه ليسردَ علينا احتفالات المئويَّة الأولى للإبادة الأرمنيَّة الَّذي دعَت إليه بطريركيَّةُ الأرمن الكاثوليك. وقد أقيمَ الاحتفالُ على مسرح جامعة اللويزة، وشارك فيه كبارُ الشخصيَّات الدينيَّة والسياسيَّة، وأُلقيَت فيه الخطب وقصائد الشِّعر. وصدرَ، لهذه المناسبة، مجلَّدٌ هامٌّ جدًّا بعنوان “مئةٌ… وتستمرُّ الإبادة“، وهو من تأليف الأديب والباحث ناجي نعمان، وقد وُزِّعَ هديَّةً على المُشاركين في الاحتفال الَّذي جمعَ نحو خمسمئةٍ مِن رجالات البلاد.
وإنَّنا، إذ نشكرُ جوزيف إلياس كحَّالة، الحلبيَّ المُقيمَ في باريس، على تسليط الضَّوء على شخصيَّة الكاردينال أغاجانيان الَّذي مثَّلَ دَورًا غيرَ مَسبوقٍ في تاريخ الكنيسة الأرمنيَّة على نحو خاصٍّ وفي تاريخ الكنيسة الجامعة على نحوٍ عامّ، نُشيرُ إلى أنَّ الباحثَ المَذكورَ جَدَّ في تحصيل المعلومات المتنوِّعة والكثيرة، وقد رَصَفَها في مَتن مؤلَّفه هذا، فجاءَ شبهَ موسوعةٍ مصغَّرَةٍ في التَّاريخ الحديث للكنيسة الأرمنيَّة الكاثوليكيَّة.
ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ كحَّالة هو أوَّلُ مَن جمعَ سِيَرَ البطاركة الأرمن الكاثوليك، ونشرَها باللغة العربيَّة في كتابٍ واحد، وإلى أنَّ هذا الكتاب هو الأوَّلُ في إطار سلسلة “كبارٌ في ذاكرتنا” الَّتي تُعنى برجالات الأرمن الكاثوليك، من إكليروس وعلمانيِّين، فتَنشرُ سِيَرَهم وإنجازاتِهم، كما تُضيءُ بعامَّةٍ على تاريخ الأرمن وثقافتهم. وتصدرُ السِّلسلةُ بإشراف المِطران جورج أسادوريان، والباحث جوزيف الياس كحَّالة، والأديب ناجي نعمان.
أخيرًا، نتمنَّى أن يكونَ هذا الكتابُ الأوَّلَ في مسيرة الإعداد لإعلان الكاردينال أغاجانيان طوباويًّا في الكنيسة الجامعة. وكم نحن في عصرنا الحاليِّ في حاجةٍ ماسَّةٍ لروحانيَّةِ هذا البطريرك ومِثاله المسيحيّ.
جورج أسادوريان