ونحن ننتظر ظهور تشكيلة الحكومة الجديدة التي أفرزتها انتخابات 08 شتنبر 2021، فإننا لا نخفي تطلعنا إلى الإسم الذي سيوكل إليه مهمة تدبير قطاع الثقافة والإعلام والاتصال، خاصة وأن هذا القطاع لم يستقر بعدُ على رؤية ثقافية ثابتة لكون المتعاقبين على تدبيره اختلفوا من حيث مرجعياتهم الأيديولوجية من جهة، وعدم انتمائهم العضوي للقطاع ذاته من جهة ثانية. لذلك يبقى مطلوبا أن يتم اختيار الوزير الجديد وفق شروط عديدة في مقدمتها شرط انتسابه إلى الثقافة والفكر والأدب والفن والإعلام.
ثم إن تدبير هذا القطاع لا ينبغي أن يكون مرهونا لحكومة تُغيِّر مسؤولَه عند كل تعديل حكومي (داخل ولايتها التي تستغرق خمس سنوات)، لأن القطاع يمثل الدولة في أبعادها الكثيرة: في التاريخ والهوية والحضارة. بمعنى أنه يجب أن تحدد لهذا القطاع عناصره الثابتة، ومقوماته الرئيسية، ونظرته الاستراتيجية العميقة بغض النظر عن هوية الوزير الذي سيكلف بإدارة دوالبه، ثم بعد ذلك تترك لكل حكومة يفرزها صندوق الاقتراع سلطة تدبيره الإداري والسياسي والمادي والإعلامي واللوجيستيكي. لأن الثقافة مشروع حضاري يقوم على أهداف مركزية، أولها صناعة الإنسان / المواطن فكرا وأخلاقا وثقافة وكرامة، وثانيا توظيف هذا الإنسان / المواطن في إحداث تنمية مجتمعية شاملة: علمية ومعرفية وفنية وسياسية واقتصادية وعسكرية وتكنولوجية، وثالثا: بناء مجتمع مدني متفاعل ودولة راشدة عادلة.
وإلى جانب هذه الأهداف المركزية الثلاثة، هناك أهداف أخرى هي عبارة عن تفاصيل فرعية وجزئية تزيد قوة للثقافة وتأثيراتها الأفقية والعمودية، منها إشراك الفاعلين في عملية نشر قيم التنوير النابعة من التراث والعصرنة، ودعمهم ماديا ومعنويا، وتحفيزهم على الرفع من مردوديتهم الإنتاجية إعلاميا وثقافيا.
إن التحديات الثقافية في ظل العولمة كبيرة وكثيرة، وبالتالي لا يمكن لأية حكومة أن تواجهها بمفردها، وإنما لا بد من أن يكون للفاعل الثقافي (الخاص) دور ملموس في هذه المعركة. ومن ثمة فإن الدولة / الحكومة مطالبة بإقامة منصة مستمرة للحوار والتواصل والتعاون مع كل الفاعلين الثقافيين من أجل إنتاج أفكار واقتراحات وخطط وبرامج ومواقف لبناء ثقافة مغربية راسخة الثوابت، عميقة الصلة بمحيطه الإقليمي والقاري والعالمي، وذات خطوات عملية، ونتائج ملموسة.
لكننا نعتقد أن نجاح أي مشروع ثقافي، مهما كان طموحا، رهين بمدى قدرة الحكومة على تضمين المواد الثقافية المغربية بالبرامج التعليمية المتعلقة بجميع مستويات المدرسة العمومية والخصوصية، وبناء المكتبات والمسارح وقاعات السينما، وفتح قاعات للندوات والمؤتمرات والأنشطة العلمية والفكرية والحزبية والجمعوية، و العمل على إعادة صياغة تصورات وبرامج جديدة توثق علاقة الناس بالسينما وثقافتها، ودعم الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية ماليا وماديا ومعنويا، وتحويل الشارع المغربي إلى فضاءات ثقافية حيَّة وذات حركية مثمرة.
الثقافة تنمية، وحاجتنا إليها ملحة وضرورية وأساسية، ومن ثمة، فإنها مشروع أمة وحضارة، وليست مشروع حكومة أو وزير.. الحكومة مجرد آلية لتثوير الثقافة وتوظيفها في اتجاه بناء المجتمع والدولة.