وما صدر ذاك المحمود إلا أرض مُزهرة لذكرى النساء..
لا مفترق يؤتمل من الوقار، ولا وقار وريحانة أمام عينيه، فريحانة فتنة، أمه تخبره وخالته تخبره واِبنة جارته النكداء..
من الجمال ما يقتل ومن البشاعة ما يحيي، وهو متصوف لدرجة تجعله لا يرى في الكون بشاعته..
كلنا مناكيد طالع، لكن بدرجات، خلقنا لنعيش وسنعيش لنموت، ولك في دينك ما ترضى ولا تسأل راهبة الشرق السمراء..
أوصيك بريحانة يا محمود..ريحانة جميلة الجدائل، يانعة الطعم، تقول في اِرتعاش، تموت في صمت على أنغام الودق، وأثر الحصيرة، والألم في قلبه كألم الخشب يشقه الإسفين..لطالما أحبته حبا يتراقص بين الحنايا ولا يحتضر في الزمهرير، يمسح على وجهها باكيا كطفل صغير فارق حلمة أمه فارق ممالكه البعيدة، يبكي ويقول أحبك ماما.. والوسادة تظل عالقة دون أن تؤلمها الحصيرة، يتناثر عليها ملح التوق، تهبط الحوريات، يلملمن ما تبقى من غيوم متناثرة على الأرض رحيلا للسماء، دون عودة ربما..والفراق أشد قسوة من هذا الوطن…
ذاك المشط الذي ثمل يرتب حديقة شعر الماما يمسكه بعد أشهر يفرق به خصلات ريحانة..ريحانة التي لا تحبه، لا بين ضفة وضفة ولا بين بحرين، ولا بين المدائن ولا وسط قلبها، ريحانة التي تتحطم ألواح قلبها تباعا وهي تشاركه سريره، وفي كل مرة تحس أن عذريتها تفتض كأن محمودا حفيد وحوش، وكل مرة أشد سوءاً من سابقتها..
ريحانة التي داومت الإرتعاش في الخفاء على وطأة خيال فاتن، وبقايا رجل، واِشتعال رغبة، تصرخ بها كصفير باخرة وتصل لنشوتها حين ترسو على ميناء، غير عابئة بجحود المناديل..
وآخر مرة سألها في غبن: مالك؟ ما بك؟ أما سيق الحب لقلبك ولو عبثا؟ تصمت صمتا هادرا، صمتا مشوبا بسيادة مبطنة..في نظره ريحانة جميلة جمال الزرافة الهيقاء لكن الرقاب وعلى طولها تنحر، هي مرتفعة اِرتفاع الزيزفون ونسي أن الزيزفون لا يزهر ولا يثمر..
قد تكون أحبت أمه لكن لاشرط حتى تحبه..أمام لحد أمه يجلس يثور وينطفئ، يتلاشى ويضيء كالقنديل تلاعبه الرياح.. بعد أمه وريحانة يجول الأزقة كماء سيل مثقل على أرض زلقة، الكل يشرب منه بعد بوحه بمعاناته، تركته النساء خذلته امرأة، على قبر الماما يضع توليفة ورد، أكذوبة حب، تجربة غياب، ويمضي على ظهره وسوء الأيام، كعمل صالح وقلب متصوف، بذقن مهمل، وعينين شوهتهما المعارك، فهو يحتاج من المناديل ما احتاجته ريحانة، كلاهما يكابد المرارة إما كتابات تحتضر، أو نشوة مستترة حتى حين.
أميمة الغاشية