ستجد الروح الباحثة عن مسكن لها وسط عالمٍ مادي لا يعترف بوجودها مستقراً بعد رحلة روحية تصاعدية، رسمت لها طريقها الكاتبة هيفاء رشاد السيّد فوسمتها بـ (روحي الثامنة). هي سردية، صادرة عن “الدار العربية للعلوم ناشرون”، يَصعبُ التعيين (الأجناسي) لها، ولكن يُحسب لها محاولة إخراج فلسفة جلال الدين الرومي من أقفاصها الفلسفية وإسقاطها على عالمنا الحديث. وتفعل الكاتبة ذلك من خلال تتبُّع رحلة (دفتر نموذجي) “Agenda” صُنع في الصين ووُجد مرمياً على طاولة داخل طائرة؛ ستتسع صفحاته لأرواح ثمانية أرواح “شخصيات” وستكتب كل روح على صفحاته أحلامها، وأفراحها وأتراحها، هذا الدفتر النموذجي هو شبيه الأنا/ الإنسانية التي ستحلّق إلى عالم الوجود، وتبحث في كل مكان عن سر وجودها وسط وحدة كونية ملتحمة تصبح للأشياء فيها أرواحاً مثلما للأحياء نفوساً.
“بحثتُ عن نفسي، فرأيت كل شيء حولي. رأيت الطاولة والطائرات والزجاج والسقف والفتحات وعيون الكاميرات. بحثت عن نفسي، فرأيت كل شيء خلالي. رأيت الطفلة ترسم ذكرياتها. رأيت الشاب يغرّد على جواله. رأيت زرقة البحر الأبيض المتوسط. رأيت الدعاءَ يَمْسَحُ الدموع المنهمرة المالحة. رأيت جواز سفر في قسم المفقودات. رأيت صباح العيد في بيت “جدّو وتيتا”.
ترتكز “روحي الثامنة” على تقنية التشخيص بوصفه أسلوباً فنياً مُهماً ينطلق من جوهر الرؤية القائمة على فكرة الانزياح الوظيفي والمرجعي للشيء (الجمادات)، لتأسيس هوية دلالية جديدة تتمثل داخل النص بـ “بنية مادية شيئية مشخَّصة”، وجعلها تقوم بمهمة السرد لتحكي القصص بحيادية وموضوعية، وهي أولى خطوات التحول من الجماد عبر فعل الأنسنة، أي “أنسنة الموجودات” بوصفها وسيلة فعالة من وسائل تقديم ما هو إنساني من خلال اللاإنساني داخل النص.
“روحي الثامنة” تأليف: هيفاء رشاد السيّد
عدد الصفحات: 48
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون.
طنجة الأدبية