عرضت القناة التلفزيونية المغربية “الأولى”، ليلة الجمعة 12 مارس الجاري، أربعة أفلام سينمائية قصيرة من توقيع المخرجات مريم التوزاني (آية والبحر) ونرجس طاهري (آدم 99 بالمائة حب) وهندة أولمدن (حياة من ورق) ومريم عدو (الكاتب العمومي). وهذه الأفلام الأربعة متفاوتة القيمة شكلا ومضمونا، حيث يمكن اعتبار “آية والبحر”، حول استغلال الطفلات كخادمات بيوت، أكثرها إقناعا من الناحية الفنية، يليه الفيلم الوثائقي “الكاتب العمومي”، المصور بمدينة الخميسات، ثم فيلمي “حياة من ورق”، من بطولة حميد نجاح ونبيل عاطف…، و”آدم 99 بالمائة حب”، الأقل إقناعا على مستويات الكاستينغ و التشخيص وإدارة الممثلين (الطفل ووالده بشكل خاص).
قبل عرض هذه الأفلام الأربعة تباعا، في إطار ما أسمته المنشطة صباح بنداوود، الإعلامية الإذاعية المعروفة باهتمامها بالسينما وإعدادها وتقديمها سابقا لبرنامج “الفن السابع” على أمواج الإذاعة الوطنية، “ليلة الفيلم القصير”، تحدثت بشكل وجيز عن هذا النوع من الأفلام متسائلة عن وضعيته، خصوصا بالمغرب، هل هو جنس سينمائي قائم بذاته أم مرحلة تجريبية أم قنطرة للعبور إلى الفيلم الطويل؟ كما ذكرت بأن هذه الحصة الأولى المقترحة من الأفلام ذات لمسة نسائية، تماشيا مع احتفال العالم في مارس من كل سنة باليوم العالمي للمرأة، وستتلوها حصص أخرى (لم تذكر عناوين الأفلام المبرمجة خلالها) في الجمعتين القادمة وما بعدها تختتم بدردشة مع الأستاذ الجامعي رشيد نعيم، عضو الجمعية المغربية لنقاد السينما والجمعية المغربية للبحث الأكاديمي في السينما، حول الفيلم المغربي القصير.
ما يلاحظ على أفلام هذه الحصة الأولى أن مخرجاتها لسن مبتدءات في المجال، فكل واحدة منهن تجر وراءها تجربة معتبرة نسبيا على مستويات الكتابة والإخراج وتخصصات أخرى. فيما يلي أولا تعريف بهن:
1، مريم التوزاني:
الصحافية والممثلة والمخرجة والسيناريست مريم التوزاني، المزدادة بطنجة سنة 1980، سبق لها أن أخرجت قبل “آية والبحر” (2015) فيلما روائيا قصيرا بعنوان “عندما ينامون “(2011) وفيلما وثائقيا حول الدعارة بالمغرب بعنوان “تحت جلدتي العتيقة” (2014)، كما ساهمت في كتابة سيناريو الفيلم الروائي الطويل المثير للجدل “الزين اللي فيك” (1915) من إخراج نبيل عيوش، وفي كتابة سيناريو الفيلم الروائي الطويل “غزية” (2017) لنبيل عيوش، الذي شخصت فيه لأول مرة أحد أدواره الرئيسية، وحققت من خلال “آدم” (2019)، أول أفلامها الروائية الطويلة كمخرجة وكاتبة سيناريو، شهرة عالمية. ومعلوم أن مريم التوزاني سبق لها أن درست الصحافة بلندن وتخصصت في الكتابة عن السينما، قبل أن تتفرغ لعشقها السينمائي، خصوصا بعد ارتباطها بزوجها المخرج والمنتج المعروف نبيل عيوش، وذلك لتعبر عن رؤيتها كمبدعة وتمرر رسائل عبر أفلامها المختلفة بغية خلخلة بعض ثوابت وطابوهات مجتمعنا المحافظ.
2، مريم عدو:
المنتجة والمخرجة والإعلامية مريم عدو، الحاصلة على شهادة الماستر في الفيلم الوثائقي من جامعة عبد المالك السعدي بتطوان والإجازة في القانون الخاص من جامعة محمد الخامس بالرباط، متخصصة في كتابة وإخراج وتنفيذ إنتاج الأفلام الوثائقية، القصيرة والمتوسطة والطويلة. انطلقت مسيرتها المهنية في المجال السمعي البصري، كمديرة إنتاج، سنة 2006، حيث شاركت في تصوير مجموعة من الأفلام الوثائقية لفائدة قنوات عربية وأجنبية، كما عملت مراسلة لإذاعة صوت ألمانيا ومسؤولة عن الإنتاج بقناة “بي بي سي” البريطانية…
من الأفلام الوثائقية الطويلة التي أخرجتها مريم عدو بالإشتراك مع المخرجة الأنجليزية روزا روجرز وحصلت على جوائز داخل المغرب وخارجه نذكر: “قراصنة سلا” (2014) و”نداء الدار البيضاء” (2015)…، ومن الأعمال التي أخرجتها بمفردها نشير إلى العناوين التالية: سلسلة “نساء خالدات” (20 حلقة لفائدة القناة السادسة المغربية)، الفيلم الطويل “المعلقات”…
3، هندة أولمدن:
حظيت المخرجة والسيناريست هندة أولمدن، المزدادة بالدار البيضاء سنة 1977، بتكوين في شعبة المسرح بالمعهد البلدي مكنها من الاحتكاك بمجموعة من الفنانين المغاربة، وبعد شعورها بالميل إلى السينما أكثر من المسرح التحقت بشركة متخصصة في توزيع الأفلام الهندية (لندن فيلم) بالدار البيضاء واشتغلت معها لمدة سنتين. وبالموازاة مع ذلك شاركت في بعض الأعمال الفنية من بينها فيلم “محاكمة امرأة” (2000) لحسن بنجلون ومسرحية خاصة بالأطفال للحسن مجيد، كما فتح لها المخرج مصطفى الدرقاوي المجال لتعلم أشياء كثيرة على مستوى تقنيات السينما وتعزز هذا التعلم باشتغالها مع مخرجين آخرين مقربين من الدرقاوي كسعد الشرايبي وعبد الكريم الدرقاوي ومحمد فاخر…
بعد هذه التجربة الميدانية الأولية قررت أن تصقل موهبتها الفنية بدراسة أكاديمية لتتمكن أكثر من أدوات التعبير السينمائي بالصورة والصوت، فسافرت سنة 2003 إلى الهند لدراسة السينما بمعهد “ديجيطال أكاديمي” ببومباي. عادت إلى المغرب بعد حصولها على دبلوم في الإخراج وإدارة التصوير وإنجازها لفيلم قصير هناك. وقبل سفرها للإقامة بفرنسا اشتغلت مع مجموعة من المخرجين كمساعدة في الإخراج، كما أخرجت مجموعة من الأفلام القصيرة من بينها “دمية” (2010) و”رصيد غير كاف” (2014) و”حياة من ورق” (2018)…
4، نرجس طاهري:
المخرجة والسيناريست نرجس طاهري، المزدادة بالدار البيضاء سنة 1982، تلقت تكوينا في الإخراج والإنتاج وكتابة السيناريو وتحليل الأفلام وإدارة الممثلين بالمعهد العالي للإخراج السمعي البصري بباريس من 2000 إلى 2003، وهي تعيش حاليا بمسقط رأسها وتعمل لحسابها الخاص.
سبق لها أن اشتغلت كمساعدة أولى في الإخراج أو مكلفة بالإنتاج أو مخرجة ربورتاجات لفائدة قنوات تلفزيونية وغيرها. من أفلامها السينمائية القصيرة: “الرجل الذي يجري” (2005)، “هاي” أو “24 ساعة بمراكش” (2010)، “آدم 99 في المائة حب” (2017)…
انطباعات حول الأفلام الأربعة:
يبدو من المشاهدة الأولية لأفلام الحصة الأولى من “ليلة الفيلم القصير” أننا أمام مخرجات متمرسات تقنيا بدرجات متفاوتة، يظهر ذلك من تمكنهن الملحوظ من أدوات التعبير السينمائي على مستويات عدة، إلا أن سيناريوهات أفلامهن والطريقة التي تمت بها معالجة مواضيعها تتفاوت من حيث درجة التماسك والإقناع.
تمكنت مريم التوزاني باحترافية عالية من وضع أصبعها على جرح مجتمعي متمثل في استغلال طفلات في سن المدرسة داخل البيوت كخادمات، وما يرتبط بذلك الاستغلال من حرمانهن من حريتهن وإبعادهن قسرا عن دفئ العائلة وعوالم اللعب الطفولية. وقد نجحت إلى حد كبير في اختيار وإدارة بطلتي فيلمها الرئيسيتين نهيلة بن مومو (في دور الطفلة آية) وراوية (في دور السيدة المقعدة حبيبة)، الشيء الذي جعل التشخيص يتميز بتلقائية ملحوظة، مما أضفى على قصة الفيلم مسحة واقعية. وإذا أضفنا إلى ذلك المجهود المبذول على مستويات الصورة وتعدد زوايا التقاطها، والمونطاج وإيقاعه المتوازن، والحوار والموسيقى ومختلف الأصوات الموظفة في الفيلم نصل إلى نتيجة مفادها أن التوزاني أظهرت منذ بدايتها الأولى كسيناريست ومخرجة في فيلمها القصير الأول “عندما ينامون” (2011) عن حس فني مرهف ورؤية إخراجية رفيعة قادرة على التقاط لحظات حميمية لا تخلو من عمق إنساني. وقد حافظت على هذا الحس وهذه الرؤية في فيلمها القصير الثاني “آية والبحر” وفيلمها الروائي الطويل الأول “آدم”. إنها بحق كاتبة ومخرجة موهوبة ننتظر منها الكثير مستقبلا.
فيما يتعلق بفيلم مريم عدو الوثائقي القصير، نجحت مخرجته في تقريبنا من هموم شريحة اجتماعية قاسمها المشترك الهشاشة والجهل والمعاناة اليومية، في ظل واقع مجتمعي قاسي لا مكان فيه للضعفاء وقليلي الحيلة. لقد شكل مكتب “الكاتب العمومي” بمدينة مغربية صغيرة (الخميسات) ذريعة بالنسبة لمخرجة الفيلم لتظهر لنا من خلال العينات البشرية التي تتوافد عليه يوميا جوانب من مظاهر تخلف المجتمع على مستويات عدة. وقد نجحت بتركيز الكاميرا على الوجوه المختلفة، التي تحج إلى مكتب “الكاتب العمومي” لتحرير شكاياتها إلى المسؤولين، في ترجمة جانب من معاناتها المجتمعية بصدق وتلقائية.
الفيلم بسيط من حيث إمكانيات إنتاجه، لكنه بليغ من حيث مضمونه وبعده الإنساني، ومقنع في طريقته لتبليغ هذا المضمون.
وإذا انتقلنا للحديث عن فيلم هندة أولمدن نلاحظ أن هذه المخرجة راهنت منذ فيلمها القصير الأول على البعد الإنساني وحاولت ولا تزال أن تعكس بصدق هموم الناس من خلال أفلامها المختلفة، إلا أن سيناريو فيلمها “حياة من ورق” يعاني من نقص على مستوى تماسك أحداثة ودرجة إقناعيتها. فرغم المجهود التقني الملحوظ في تصوير الفيلم واختيار مقاطعه الموسيقية وغير ذلك لم تكن إدارة الممثلين بالصرامة المطلوبة إذ ظل التفاوت قائما في أداء الممثلين الرئيسيين، بحيث كان نبيل عاطف الأكثر إقناعا وتلقائية في تشخيصه، وبدرجة أقل منه ظهر الممثل القدير حميد نجاح، في حين كان الممثل المبتدئ بوبكر آيت القايد أقل إقناعا منهما.
أما فيلم “آدم 99 في المائة حب” لنرجس طاهري، فيمكن اعتباره أقل الأفلام الأربعة إقناعا شكلا ومحتوى وعنوانا. فهو يمزج بين قصتين الأولى واقعية (طفل يتيم يحلم دوما بلقاء أمه) والثانية خيالية (أميرة أسطورية جميلة وأنانية)، ولا يبدو واضحا الخيط الرابط بينهما. زد على ذلك الغياب الملحوظ على مستوى إدارة الممثلين (خليط من غير المحترفين وبعض الوجوه المعروفة)، الشيء الذي جعل الممثل الطفل يسرد الحوارات المحفوظة بطريقة شبه آلية وجعل مشخص دور الأب، خصوصا لحظة لقاءه بالطفل الذي أصبح رجلا، يبدو باهتا وغير مقنع بالمرة.
بقلم: أحمد سيجلماسي