سعد شرايبي مخرج مغربي ارتبط إسمه بقضايا المرأة من خلال مجموعة من أفلامه السينمائية، لعل من بين أشهرها وأنجحها فيلم “نساء… ونساء” (1997).
تتكون فيلموغرافيته السينمائية، بالإضافة إلى هذا الفيلم وثلاثة أفلام قصيرة، من الأفلام الروائية الطويلة التالية: “الميمات الثلاث، قصة ناقصة” (2019)، “نساء في المرايا” (2010)، “الإسلام يا سلام” (2007)، “جوهرة بنت الحبس” (2003)، “عطش” (2000)، “أيام من حياة عادية” (1991).
بمناسبة عرض فيلمه “نساء… ونساء” حاليا (من 20 إلى 26 أكتوبر 2020) على منصة إلكترونية من طرف المركز السينمائي المغربي، ضمن دورة أفلام ثريا جبران، أجرينا معه الحوار التالي حول هذا الفيلم وحول علاقته بالراحلة ثريا جبران (1952- 2020):
الحوار:
– بمناسبة تخصيص المركز السينمائي المغربي لدورة حول أفلام الراحلة ثريا جبران (1952- 2020) على منصة إلكترونية ضمن عروض حالة الطوارئ الصحية، تم اختيار فيلمك “نساء ونساء” ضمن هذه الأفلام، حدثنا عن علاقتك بالراحلة ثريا الفنانة والإنسانة، خصوصا وأنها اشتغلت معك كممثلة في عدد من أفلامك…
يمكن اعتبار تخصيص المركز السينمائي المغربي لدورة جديدة من دورات عروضه السينمائية الرقمية لعينة من الأفلام التي شاركت فيها الراحلة ثريا جبران بمثابة تكريم جديد وجد مستحق لهذه الممثلة الكبيرة والسيدة المحترمة على أكثر من صعيد.
يرجع تاريخ لقائي الأول بالراحلة ثريا إلى سنة 1982، عندما كنت بصدد الإعداد لتصوير ثالث أفلامي القصيرة “غياب”. كان سيناريو هذا الفيلم يتضمن شخصية مطابقة لشكلها. ترددت في المناداة عليها، لأنها كانت معروفة آنذاك ومعترف بها كممثلة مسرحية كبيرة، بينما كنت أنا مجرد مخرج شاب في بداية مشواره الفني. إلا أن صديقا مشتركا هو الراحل محمد ركاب شجعني على الاتصال بها، فكانت مفاجأتي كبيرة عندما قبلت تشخيص الدور بدون تردد، وأكثر من ذلك رفضت تقاضي أي تعويض مادي. كانت هذه بداية مسيرة طويلة ومثمرة من التعاون والتشارك تجاوزت الإطار المهني لتصبح العلاقة بيننا علاقة صداقة وأخوة. لقد اجتزنا خلال ما يقارب أربعين سنة طريقا مليئا بالأحداث، من خلال التعاون ليس فقط في أفلامي وإنما أيضا في معارك مستمرة من أجل قضايا ثقافية وفنية وإنسانية عدة. كانت لها مساهمات في أغلبية أفلامي بسلوك مهني مثالي.حضورها في فيلم “نساء ونساء” لم يتجاوز خمس دقائق، لكنها إلى جانب ممثلات وممثلين آخرين كانت مقنعة في
حضورها في فيلم “نساء ونساء” لم يتجاوز خمس دقائق، لكنها إلى جانب ممثلات وممثلين آخرين كانت مقنعة في أدائها بشكل كبير،أدائها بشكل كبير، لماذا اخترتها هي بالضبط لتشخيص دور امرأة تعاني من تعنيف زوجها لها باستمرار وبطريقة وحشية؟
كما يقول منظرو السينما ” لا توجد أدوار صغيرة أو كبيرة، وإنما يوجد ممثلون صغار أو كبار”. الراحلة ثريا كانت من فصيلة الممثلات الكبيرات اللواتي يفهمن بسرعة وبالضبط ما عليهن أن يتقمصنه من أدوار. فالدور الذي شخصته في فيلم “نساء… ونساء”، رغم محدودية ظهورها فيه زمنيا على الشاشة، كان جد معبر دراميا. وقد شكل أحد مشاهد الفيلم الأكثر أهمية، بفضل أداءها المضبو
لقد انصب الاختيار عليها لأنها تجسد تعبيرا عن ألم المعاناة في حياتها سواء كانت هذه المعاناة نفسية أو جسدية. أتذكر أن تصوير هذا المشهد لم يستغرق مدة طويلة، وذلك لأنها استوعبت تماما جوهر وروح الشخصية وتقمصتها كليا بشكل داخلي ومعاش. وعلى سبيل النكتة فما يضحك في هذا المشهد هو أن الوقت الذي استغرقناه في الماكياج الخاص بالجروح وأثرها على جسدها كان أطول بكثير من زمن تصويره.
لاحظت في الفيلم أنك توفقت إلى حد كبير في اختيار الكاستينغ، فإلى جانب ممثلين رواد كمليكة العماري وحميد الزوغي والراحلين عبد الله العمراني وأحمد الناجي انفتحت على ممثلات وممثلين شباب في بداية مشوارهم الفني كمنى فتو وثريا العلوي وفاطمة خير وسليمة بن مومن وحميد باسكيط ولطيفة أحرار، كما فتحت الباب من خلال أدوار صغيرة لثلة من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي أذكر منهم بالخصوص حسنة طمطاوي وخلود البطيوي وفريد ركراكي وسعيد عامل وآخرين. زد على ذلك استحضارك لبعض أفراد جيل جيلالة كمولاي الطاهر الأصبهاني ومولاي عبد العزيز الطاهري وسكينة الصفدي…، كيف جاء اختيارك لهذا الكوكتيل من الممثلات والممثلين؟
فعلا، لقد أخذ مني الكاستينغ، أو اختيار الممثلات والممثلين، وقتا طويلا، وذلك لأن السيناريو يتضمن عددا مهما من الأدوار الضرورية لبناء وتقديم موضوعه. كنت آنذاك مترددا بصدد الجمع بين ممثلين محترفين وغير محترفين، وكان المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط في بداياته، فقررت اللجوء إلى هذا المعهد للبحث فيه عن ممثلين. ساعدتني إدارة هذه المؤسسة العمومية في تنظيم جلسة كاستينغ مع مجموعة من الطلبة والخريجين، الشيء الذي مكنني من اختيار ممثلات وممثلين مبتدئين.
لقد اشتغلت مع الجميع لمدة شهرين، شخصنا فيهما وأعدنا تشخيص كل لقطات ومشاهد الفيلم استعدادا لتصويرها. وهذه الطريقة مكنت كل واحد من الطاقم الفني من فهم دوره في الفيلم والتأقلم مع سجل التشخيص المطلوب. وقد أدى ذلك إلى مشاركة حقيقية من الجميع، مشبعة بإخلاص ومصداقية في التشخيص، الشيء الذي شكل، في نظري، عنصرا أساسيا في نجاح الفيلم.
لاحظت تفاوتا في أداء الممثلات والممثلين، فمن جهة هناك من كانوا أكثر إقناعا وتلقائية في تشخيصهم أذكر منهم بالخصوص سليمة بن مومن وحميد الزوغي ومليكة العمري ولطيفة أحرار والراحل أحمد الناجي، وهناك من كان أداؤهم مقبولا كمنى فتو وحميد باسكيط وغيرهما، ومن جهة ثالثة هناك من كان تشخيصهم فيه نوع من التكلف وغياب العفوية.. هل يرجع هذا التفاوت إلى قدرات ودرجة موهبة كل ممثل أو ممثلة أم إلى تقصير في إدارتهم؟
في كاستينغ جد متنوع كهذا، يصعب وضع كل الممثلين على قدم المساواة. فمن جهة هناك القدرات التشخيصية لكل ممثل، ومن جهة أخرى توجد درجة لفهم الشخصيات تختلف من ممثل لآخر.
ما أستطيع قوله هو أن إدارة الممثلين كانت نفسها بالنسبة للجميع، حيث خصصت الوقت الكافي لشرح كل دور لكل ممثل.
يبدو لي مثاليا وفيه نوع من الإدعاء انتظار نفس الأداء من الجميع. من الواضح، حاليا، أن الممثلات الأربع اللواتي شخصن الأدوار الأربعة الأولى قد انصهرن بلا شك في الفيلم أكثر من الآخرين، ومن هنا النتيجة الماثلة أمامنا على الشاشة.
يبدو أن موضوع الصداقة مفضل لديك، فهو حاضر بتلوينات مختلفة في مجموعة من أفلامك، “أيام من حياة عادية” (1991) و”نساء… ونساء” (1997) و”الميمات الثلاثة” (2019)، كيف تفسر ذلك؟
أنتم تعلمون أن العلاقات الإنسانية يتم بناؤها انطلاقا من عدة معايير كالحب والصداقة والمصلحة والمهنة والأسرة.. وإذا كانت العلاقات المبنية على المصلحة أو الأسرة أو الحب أو المهنة قد تترسخ أو تتفكك تبعا لضرورات الحياة وتقلباتها، فإن علاقة الصداقة، حين تكون مبنية على الصدق والتعاضد والتفاهم والتواصل، لا يمكنها إلا أن تتنمى ويشتد عودها عبر الزمان، وذلك لأنها خالية من كل مصلحة باستثناء ما يغذيها ويعززها بشكل متبادل.
كنت أفضل أن يكون عنوان الفيلم أكثر دقة من عنوانه الحالي، فاختيار عنوان “زكية وصديقاتها الثلاث” على سبيل المثال بإمكانه أن يختزل مضمون حكاية الفيلم. ما هي مبررات اختيار عنوان “نساء… ونساء”؟ وبأية دلالة؟
في مرحلة إنجاز الفيلم كان هناك نقاش وطني كبير حول وضعية المرأة بالمغرب، وكان تحليل هذه الوضعية يتم من خلال مقاربات سوسيولوجية أو سيكولوجية أو مهنية أو أسرية… كل هذا النقاش النظري كان يبدو لي بعيدا كل البعد عن الواقع اليومي لحياة أغلبية النساء بالبلد، وهو الواقع الذي كنت ألاحظه باستمرار.
فكرة “نساء… ونساء” كانت تتجلى في التدخل في هذا النقاش عبر الفيلم وإبداء وجهة نظر في هذه الوضعية. ولهذا فالأدوار الأربعة المختارة تشكل أوجها مختلفة لهذه الوضعية: امرأة معنفة من طرف زوجها، امرأة أعمال، امرأة متحرش بها، امرأة تحاول أن تناضل من أجل إثبات حقوق الأخريات. انطلاقا من هنا يجد عنوان الفيلم ما يبرره، وذلك لأن العنوان الذي اقترحته أنت سيكون محدودا في دلالته ويختزل موضوع الفيلم في أربع شخصيات يصبحن لا يمثلن إلا حالتهن فحسب. وخلافا لذلك أظن أن عنوان الفيلم ساهم بدوره في الإشعاع الذي حظي به هذا العمل داخل المغرب وخارجه.
الإعلامية والسيناريست فاطمة الوكيلي حاضرة في جل أفلامك ككاتبة حوار أو مشاركة في كتابة السيناريو، ولعل حضورها ككاتبة حوار في هذا الفيلم حول معاناة النساء، بمشاركة رمزية للراحلة ثريا جبران، يذكرنا بمحنة اختطاف هذه الأخيرة سنة 1991 وهي تستعد للحلول ضيفة على البرنامج الناجح آنذاك “رجل الساعة” الذي كانت تعده وتقدمه فاطمة الوكيلي على قناة دوزيم. ما دلالة هذا الجمع بين الوكيلي وجبران في فيلم “نساء… ونساء” الذي يتمحور موضوعه حول زكية الصحافية التلفزيونية الجريئة؟
هاتان السيدتان، فاطمة الوكيلي والراحلة ثريا جبران، زيادة على موهبتهما ومهنيتهما اللتان لا يجادل فيهما أحد، كانتا آنذاك ولا زالتا حتى اليوم تشكلان نموذجين داخل عالم النساء يمكن للمغرب أن يفتخر بهما. إنهما مثالان لنساء المبادئ المكافحات اللواتي ناضلن، بحزم وقوة شخصية، ضد الظلم بأشكاله المتعددة، من أجل إحقاق الحق، ولعبن دورا بارزا في مسلسل تحرير المرأة بالمغرب، كل واحدة منهن انطلاقا من منبرها ومجال أنشطتها. إنهما أيضا من النساء الجادات الممارسات لأنشطتهن باستقامة ونكران ذات. وهذه القيم والمبادئ تتوافق تماما مع قناعاتي حول الموضوع. وهكذا تقاسمنا مسارا غنيا ومثمرا وناضلنا جميعا من أجل تحقيق هذه القيم على أرض الواقع. إذن من الطبيعي أن أربط مساري بهما معا، وهذا أيضا من بين ما أعتز به اليوم.
فيلمك “نساء… ونساء” ينتصر للمرأة ويعرف ببعض مشاكلها مع الرجل، ويقدم هذا الأخير في صورة سلبية وكأنه هو السبب الرئيسي في معاناتها وما تتخبط فيه من مشاكل، باستثناء طبعا حالة الكاتب (من تشخيص الراحل أحمد الناجي) الذي صرح لبطلة الفيلم زكية بأن سر نجاح العلاقة بين الرجل والمرأة هو الثقة والإحترام المتبادلين، وباستثناء حالة الزوجين المتفاهمين ظاهريا وهما من تشخيص جمال بلمجدوب (المساعد الأول لك في الإخراج والمشارك معك في كتابة السيناريو) وزوجته زينب المنديلي الإدريسي (المكلفة بتصميم الملابس في الفيلم). في نظرك، ألا تكون المرأة أحيانا هي سبب مشاكلها ومشاكل الرجل أيضا؟
بالتأكيد لا ينبغي تعميم تصنيفات النساء والرجال، وذلك لأنه داخل كل جنس يوجد الإيجابي والأقل إيجابية حتى لا أقول السلبي أوالسلبية.
الواقع أن أغلبية الرجال يمارسون ويستمرون في ممارسة نوع من الهيمنة على النساء ببلادنا. وأعتقد أن هذه الوضعية تحسنت بعد نص مدونة 2004 الذي منح بعض الإمتيازات للمرأة، لكن لا تزال الطريق طويلة أمامنا للوصول إلى التساوي في الحظوظ والسلوكيات بين الرجال والنساء.
بعد هذا، أظن أيضا أن النساء في بلادنا يمتلكن سلطة كامنة يمارسنها خلف الستارة. الفرق الموجود هو أنهن يتفاعلن ويتصرفن غالبا بعاطفتهن، في حين يتصرف الرجل بعقله.
الفيلم فيه مجهود على مستويات عدة، خصوصا التصوير الذي أشرف عليه كمال الدرقاوي والمقاطع الموسيقية التي صممها الأخوان علي وحسن السويسي…، إلا أن إيقاع الجزء الأول منه كان بطيئا نوعا ما ولم يصبح متوازنا إلا بعد الدقيقة الخمسين تقريبا، كيف اشتغلت على مستوى المونطاج مع هيلين مولير التي ساعدها في تركيب الفيلم نور الدين بوخال؟
النتيجة التقنية والفنية لهذا الفيلم هي ثمرة عمل فريق حقيقي. كل واحد بذل في مجال تخصصه ما بوسعه من مجهودات ضرورية لإنجاز مهمته في أحسن الظروف، سواء على مستوى الصورة أو الصوت أو الموسيقى أو المونطاج أو التشخيص أو غير ذلك. أما عن الإيقاع بين الجزأين الأول والثاني من الفيلم فقد خضع للتطور الدرامي للقصة، فكلما تطورت الأحداث كلما أصبح الإيقاع سريعا وذلك لمواكبة الوضعيات الجديدة. هذه الطريقة في العمل خضعت لتخطيط مسبق وتم التنفيذ بتنسيق مع الموضبة التي انخرطت منذ البداية في شكل هذا الإيقاع.
حاوره: أحمد سيجلماسي