نظر الشاعر إلى اللافتة الملونة التي علقت على واجهة المكتبة الفخمة بفخر ورضا. سوى ياقة معطفه وقرأ في سره «حفل توقيع كتاب» الثورة… شعر «للشاعر الكبير….» وقف برهة يتأمل في الواجهة البلورية أسنانه المخربة من التدخين والشراب. لم يرها بشعة…
دخل وسأل عن المسؤول عن الفضاء فأجابه صوت أبحّ بأنهم قد أعدوا له ذلك الركن للتوقيع:
بعض الكراسي البلاستكية وطاولة حقيرة غلفت بقطعة قماش تحمل تكرارا للعلامة التجارية لإحدى دور النّشر العالمية تتوسطها نسخ من الكتاب وقارورة ماء وأكواب بلاستيكية. كان الزبائن يتجولون بين أروقة المكتبة دون أن يعيروا أي إهتمام لحدث التوقيع. بلع الشاعر ريقه وجفه حلقه.
لقد كسدت تجارته هذه الأيام بعد أن كان لا يجد في مفكرة مواعيده وقتا شاغرا من كثرة دعوات الإعلاميين له. كانت رائحة الشهرة تحمله إلى أعلى السماء، كان يمشي كطاووس ويردد في داخله:
«هذه هي المكانة التي تليق بي… أنا خلقت لأكون القائد في المعركة لا الجندي… تبا لكم!أبهذه السرعة تنسون كلماتي النارية التي أشعلت جذوة الثورة؟ اليوم عند توقيع كتابي الذي يحتوي عصارة عبقريتي، أمر بحذوكم كإنسان عادي وأنتم تقومون بأشياء عادية…»
أمهات تفوح منهن رائحة العطر الفرنسي وشعورهن الشقراء تتحرك ببطء تحت هواء التكييف المركزي يقتنين لأطفالهن كتب ودوريات أجنبية ولهن كتب لتعليم إعداد الشكلاطة والحلويات والأطباق التركية والصينية والإطالية. أخذه جمال الإمرأة ونسي ما جاء من أجله. تسمر أمام رواق كتب المعجنات الإطالية وسحب كتابا وتظاهر بأنه يطالعه بينما يتلصص على النساء. فجأة، وقفت سيدة أمامه ونظرت إليه متبسمة. خرجت عيناه من محجرهما وقال لنفسه:
«هذا الوجه الجميل يقدر الشعر الثوري… أكيد…»
قالت السيدة بلغة فرنسية طليقة:
«من اللطيف أن يهتم رجل مثلك بتعلم الطبخ» ثم واصلت جولتها…
لم يستطع إجابتها فقد شل لسانه وبرز وجه زوجته الشاحب وشعرها المنفوش بدل ذلك الوجه الجميل الذي يطري عليه لتعلمه الطبخ ثم خرجت يداها اليابستان من الرف وراءه تحاول خنقه…
«مرحبا شاعرنا الكبير… ظننت أنني تخلفت عن الموعد ولكن الحمد الله، رغم مجيئي بعد ساعة ونصف من الموعد المعلن عنه…»
كان صوتا أبحا لرجل غائر العينين يتكلم بسرعة وينشر لعابه على وجه الشاعر الكبير كما اتفق. كتم الشاعر غضبه وقال له:
«لنذهب لنكمل حديثنا في إحدى المقاهي القريبة من هنا فلم يأت غيرك للحفل… سأوقع لك نسخة مجانية»
قبل مغادرة المكتبة، نظر الشاعر إلى معلقة حفل التوقيع بعينين نصف مغمضتين ونصف دامعتين…
زينب هداجي – تونس