يعتبر المخرج والسيناريست الشاب معدان الغزواني (27 سنة) من الوجوه الواعدة سينمائيا بالمغرب، فبعد تكوين بمعهد (I.H.B) للفن والإعلام (تخصص إخراج) بالدار البيضاء وجامعة “ش.ف.ج” بفرانكفورت (تخصص: سينما سوريالية) أخرج مجموعة من الأفلام السينمائية القصيرة توج بعضها بجوائز قيمة داخل الوطن وخارجه.
أول فيلم له كان عنوانه “وداعا سينما” (11 د)، وهو فيلم التخرج من المعهد البيضاوي المذكور، وقد شارك به في مسابقة “جائزة سينما المدارس” بالدورة 14 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش سنة 2014. وتلته أربعة أفلام قصيرة هي تباعا: “موت الحياة” (2015)، “قوس قزح أسود” (2016)، “غربان” (2017)، “حمائم” (2020).
فيما يلي حوار مركز مع معدان الغزواني حول فيلمه “غربان”، الفائز بالجائزة الكبرى وجائزة النقد بالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة سنة 2018 وبجائزة لجنة التحكيم الخاصة بالمسابقة الجهوية للفيلم القصير في الدورة الثانية لمهرجان السينما والمدينة الدولي بالدار البيضاء سنة 2019 وبجائزة الرق الفضي بالدورة الثانية لأيام القيروان السينمائية بتونس سنة 2019، بمناسبة عرضه على منصة إلكترونية من طرف المركز السينمائي المغربي من 15 إلى 22 شتنبر 2020 في إطار برنامج خاص بعروض حالة الطوارئ الصحية:
إيقاع الفيلم بطيء نسبيا ولقطاته طويلة وثابتة، لماذا هذا الاختيار الفني؟
الإشتغال باللقطات الثابتة اختيار متجانس مع طريقة حكي الفيلم، بحيث تمكن المتلقي من التحكم في المسافة بينه وبين ما يجري في الإطار. وأنا أنضج سينمائيا وأتخيل قصصا يمكنها أن تتحول إلى سيناريوهات، أجد نفسي مرتاحا للقطة الثابتة وبساطتها.
فقرار التصوير باللقطات الثابتة على مستوى الإخراج هو اختيار قبلي يبدأ عند التصور والكتابة بالصورة.
أتفق معك بأن إيقاع الفيلم بطيء شيئا ما، إنها محاولة للقبض على زمن الحياة عند الشخصيتين وجعله متوازيا مع زمن الحكي. فالرجل والمرأة مثقلان بالحياة، يصارعان من أجل البقاء أحياء، والأمور عندهما تأخذ حيزا زمنيا لا بأس به لأن جسديهما يحكيان أيضا..
يحكي الفيلم يوميات رجل وامرأة في سن الكهولة، يمارسان التسول بطريقتهما الخاصة من أجل ضمان قوتهما اليومي، هل اختيارك لهذه الحالة الإنسانية هو نوع من الإدانة لظاهرة التسول المستشرية بقوة في المجتمع المغربي؟
هناك طريقتان للإجابة على سؤالك:
الأولى، لست أنا من كتب السيناريو.. وإنما عماد بادي.
الثانية، انطلاقا مما دار من حديث بيني وبين السيناريست فطريقة المعالجة هي التي تحدث الفرق. لقد شاهدنا أفلاما حول التسول إلا أنها كانت سطحية، فالتسول ينبغي النظر إليه كما لو كان صراعا من أجل البقاء على قيد الحياة. فمهما كانت الظروف لا يجب الحكم على الآخرين.
فيلم “غربان” يخاطب الذين يحكمون على الآخرين ويقسمون الناس إلى فئات أو خانات: هذا متسول، هذه امرأة، هذا أحمق… إذن ينبغي إعادة النظر في الطريقة التي يرون بها الأمور.
الزوجان شخص دوريهما بشكل مقبول محمد معدان (والدك) ومليكة شكيل، وهما في حدود علمي ممثلان غير محترفان، كيف جاء اختيارك لهما؟ ألم تجد صعوبة في إدارتهما؟
أثناء استعدادي لإنجاز فيلم دائما ما يأخذ اختيار الممثلين حيزا زمنيا لا بأس به. وفي “غربان” استندت بالدرجة الأولى على أصدقائي وأقاربي أي على الأشخاص الذين أثق فيهم.
بالنسبة للمرأة، التي شخصت دورها مليكة، فقد كان الأمر سهلا نسبيا وذلك لأنني اخترتها منذ لقائي الأول بها. أما فيما يخص دور الرجل فقد بدأت التدريبات مع شخص أمضى مدة زمنية في العمل المسرحي (دون ذكر إسمه)، وبعد أن أطلعته على نص السيناريو الذي يتضمن لقطة سيظهر فيها جسده عاريا، امتنع ورفض.. أتذكر أنني عدت إلى المنزل وجلست به مدة لأرتاح، فدخل والدي كالملاك المنقذ.. التقطت الفكرة بسرعة وقلت له: “غتمثل معايا”، بدأ يضحك أولا ثم صمت برهة.. وهكذا تم الأمر.
تهديك الحياة أحيانا أشياء لم تخطر ببالك، يكفي أن تثق في حدسك وأن تكون صادقا “بلي قدرتي عليه”..
لاحظت غيابا للحوار بين الرجل والمرأة، بل الفيلم كله بدون حوار، ما هي مبررات هذا الاختيار؟
تخيل فقط.. حياة روتينية، تتكرر تفاصيلها كل يوم، فما جدوى الحوار بين عجوزين أمضيا معا عمرا ليس بالقصير؟
تصبح الأشياء دقيقة دون حوار.. فهما لا يختلفان في شيء.. جسد كل منهما هو الذي يحكي.. وحتى في أشد اللحظات صمتا، وفي غياب تام للحوار أو الحبكة الواضحة، فإن الجسد يكون مشحونا بالمعنى، وغالبا ما يتشكل المعنى من العلاقات بين عناصر وأشياء عدة كلقاء الإنسان بالطبيعة أو بإنسان آخر.
لم توظف أيضا أية موسيقى تصويرية باستثناء مقاطع من أغنية “ما كانش ع البال…” للموسيقار محمد عبد الوهاب استمعنا إليها من خلال المذياع، هل أنت مع أو ضد حضور الموسيقى كعنصر من عناصر التعبير في الفيلم؟
قبل إنجاز فيلم “غربان” كنت مؤمنا بأن كل فيلم من الأفلام له موسيقى خاصة تعزف عن طريق الشخوص، حيث يمثل كل واحد منهم آلة موسيقية. كما أن الكتابة وتوالي الأمكنة يمكنهما أن يصنعا موسيقى متناغمة مع العالم، فللأصوات المباشرة سحر خاص.
حاليا تغير الأمر، حيث يمكنني أن أستند على موسيقى تصويرية شريطة ألا تؤثر على المشهد وتفقده شفافيته التي تعتبر قلبه النابض. فكلما ابتعدت عن المؤثرات البصرية والصوتية كلما وجدت ذاتي مقتربا من الأفلام التي جعلتني أحب السينما.
غابت المرأة بعد الدقيقة 14 من الفيلم، وأصبح الرجل يعتمد على نفسه ويتخفى في زي المرأة الأسود لممارسة التسول، هل هناك علاقة ما بين هذا الزي الأسود وعنوان الفيلم “غربان”؟
تكمن العلاقة بين عنوان الفيلم وقصته في كون حياة الزوجين تشبه طريقة عيش الطيور، يخرجون للبحث عن قوتهم ثم يعودون إلى العش.
اختيار “غربان” كعنوان يرتكز على الزي الذي يتسولان به، كما أن مشروع الفيلم تم التفكير فيه على شكل ثنائية تحت عنوان “غربان وحمائم”.
باستثناء جنريك البداية، تم تصوير الفيلم كله، ومدته تقارب 26 دقيقة، بالأبيض والأسود.. لماذا هذا الاختيار الجمالي؟
إنها العودة إلى الأصل في الألوان، والعودة إلى نقطة البداية بالصورة السينمائية، فالعجوزان يعيشان حياة خالية من الألوان.
روتين يومي يتكرر وتفاصيل جد بسيطة تؤثث معيشتهما.. حاولت بالأبيض والأسود لمس عاطفة حقيقية ومشاعر صادقة.. إنها مقاربة لحياتهما من وجهة نظر جد شخصية، فأنا قريب من هذه الشريحة الاجتماعية وأعرف طريقة تفكير المنتمين إليها ورؤيتهم للحياة.
اشتغلت مع طاقم تقني كله من الشباب الواعد، باستثناء مدير الإنتاج المخضرم المبدع هشام ركراكي (53 سنة)، إذ نجد في كتابة السيناريو عماد بادي وفي الإنتاج فيصل القادري، على سبيل المثال، وهما شابان برهنا في أعمال سابقة عن تميزهما، ما هي طبيعة العلاقة التي تربطك بعناصر هذا الطاقم التقني الشاب؟
فيلم “غربان” صور في المنزل الذي ترعرعت فيه، كنت محاطا بأناس أثق فيهم، تربطني بفيصل القادري علاقة قوية، فقد أنتج جل أفلامي القصيرة ما عدا “موت الحياة”.
يكون المبدع دائما في حاجة إلى أناس يتقاسم معهم نفس الرؤية للفن والحياة، أنا جد مرتاح لعلاقتي مع فيصل لأننا لا نختلف كثيرا، فهو يتكلف بجميع جوانب الإنتاج، مما يتيح لي فرصة التركيز أكثر على ما هو فني. الدليل على ذلك أنه هو الذي سيشرف على إنتاج فيلمي الطويل الأول. ومما يتميز به فيصل القادري حسن تسييره للأمور وسرعة إيجاد الحلول البديلة، الشيء الذي يجعله بمثابة محرك التصوير…
أما عماد بادي فهو صديق عزيز، تعرفت عليه بعد عرض فيلمه القصير “أيام الصيف” سنة 2015 بالمهرجان الوطني لفيلم الهواة بسطات، حيث تأكدت من أول حوار دار بيننا أننا سنشتغل معا.. عملت معه بعد ذلك كمساعد مخرج في فيلميه القصيرين “يوم المطر” و”يوم خريف” وتعجبني حساسيته الفنية ورؤيته المتفردة للأشياء.. أعتقد أنه من ألمع السينمائيين الشباب الذين سيقولون كلمتهم في المستقبل.
خلف فيلمك هذا، الذي صور بفضاءات مسقط رأسك المحمدية، صدى طيبا لدى النقاد والسينفيليين. كما حصد مجموعة من الجوائز من بينها: جائزتين في الدورة 19 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة سنة 2018 هما الجائزة الكبرى وجائزة النقد، وجائزة الرق الفضي في الدورة الثانية لأيام القيروان السينمائية سنة 2019 بتونس، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة بالمسابقة الجهوية للفيلم القصير في الدورة الثانية لمهرجان السينما والمدينة الدولي بالدار البيضاء سنة 2019، ماذا تعني لك هذه الجوائز؟
الفن بصفة عامة ليس تنافسيا بل هو تعبيري.. أما الجوائز فهي أشبه بمحفزات وإشارات إيجابية تساعدك على الاستمرار.. إنها تعتبر شيئا جميلا في البداية.
عندما أشرع في الاشتغال على مشروع فيلم ما ينصب تركيزي وطاقتي على إخراجه وتقاسمه مع المتلقي.. الجوائز تبقى دائما نسبية وتتغير حسب وجهات نظر لجن التحكيم…
ماذا عن مشاريعك الحالية والمستقبلية؟
أشتغل منذ ثلاث سنوات على سيناريو فيلمي الطويل الأول.. وإذا كنت تطمح إلى المرور بورشات التطوير أثناء الكتابة، فإنجاز الفيلم سيتطلب مدة لا تقل عن أربع سنوات.. أتمنى أن يرى النور قريبا.
أجرى الحوار: أحمد سيجلماسي.
=====================