الرئيسيةأخبار“بينة الفضح.. بين عتبات الكتم واللمح” إصدار شعري جديد للأستاذ الدكتور مصطفى بوعناني أو”حين يعبرك الضوء”

“بينة الفضح.. بين عتبات الكتم واللمح” إصدار شعري جديد للأستاذ الدكتور مصطفى بوعناني أو”حين يعبرك الضوء”

بعد أربعة عشر سنة عن إصداره لباكورة أعماله الشعرية “برزخ الروح” (2006) المنشور بدعم من وزارة الثقافة المغربية (منشورات وزارة الثقافة المغربية)، يتحف الشاعر والأكاديمي الدكتور مصطفى بوعناني الخزانة الإبداعية المغربية والعربية بحر هذه السنة (2020) بديوانه الشعري الثاني الموسوم ب: “بينة الفضح.. بين عتبات الكتم واللمح”، الصادر عن دار النشر جروس بريس ناشرون، طرابلس – لبنان.

عودة الشاعر مصطفى بوعناني لمعانقة الحرف الإبداعي بعد كل هذه السنوات، تثبت أنّ الرجل لم يغرق برمته في صرامة البحث العلمي والأكاديمي الذي يمارسه منذ عقود، فقد ظلّ ماء الشعر بداخله زلالا يفور حتى انبجس ديوانا جديدا يضيء جانبا آخر من شخصية الرجل الإبداعية والأدبية.

الديوان الجديد صمّم لوحة غلافه الفنان التشكيلي سعيد العفاسي، وتضمّن داخله لوحات كاليغرافية للفنان مصطفى اللوزي، فيما قدم له الناقد أ.د. جان عبد الرحمن طوما، رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الجنان، بطرابلس – لبنان.

عن ديوانه “”بينة الفضح.. بين عتبات الكتم واللمح” يقول الشاعر مصطفى بوعناني : “قصائد الديوان دبدبات غيهبية.. رجات انكسارات وانتصارات..  للفعل الشعري فيها سلطةالكشف والفضح. كل العتبات منها منفذ جريء للمكاشفة: عبور من الكتم إلى اللمح بأصوات صادحة أو بانزياحات صامتة. لحظات متناظرة من الفرح والحزن، من الحضور والغياب، ومن الموت والولادة..

كل التناقضات انسجام، وكل التناغمات توغل في سرية اللوع الشعري الهارب.. للمكان حضور للانتماء أو العبور.. منه ينطلق صدح الإحساس، وإليه تنتهي تفاصيل العودة إلى مقر الشوق. كل النصوص انزياحات فوق لوح مدجج بشارات انسجام الكائن بالمكنون…

لا سبيل للانفلات من سطوة العمق، وكل هفو نحو الناعم حمق… في قصيدي لا مكان للحريري من الكلام، ولا مجال لمصادرة الصرخات بدءًا أو احتجاجًا أواختلافًا …

لا مفر من صحو البهاء…فقصيدي انتماء .. تورط .. و اهتداء…”

وجاء في تقديم بعنوان “حينَ يعبرُك الضوءُ” أفرده الأستاذ الدكتور جان عبد الرحمن طوما لديوان الشاعر مصطفى بوعناني ما يلي:

مصطفى بوعناني يروحُ إلى روابي البوحِ ولو عَزَفَ سرًّا على مقاماتِ الفضحِ والمكاشفة. يحاولُ مصطفى نحتَ أبجديةٍ تبدأُ ” من شوقي لموطن ِكلماتي”(ص5) فهي الفواصلُ والنّقاطُ والحواشي وغيرُها. لا يترك “بوعناني” تفصيلًا لغويًّا إلّا ويخرجُهُ من محبرتِهِ ليقولَ كلمتَه ولا يمشي، فهو:

” مُثْقَلٌ بلغات ٍلا تُنْطَقُ ولا تُكتَبُ”(ص11).

 يصيرُ الكاتبُ المعبورَ وليس العابرَ: “موتي- كما الضوءُ- يعبرُني”(ص11). مَنْ هو الشفّافُ هنا؟ كيف تصيرُ هذه الكثافةُ اللحميّةُ عبورًا إلى الرّؤى؟ في هذا الرّسمِ بالكلماتِ يوقّعُ “بوعناني”:

“بالحرفِ الذي يخبرُ عن ذاتِهِ/

 إن تَنَهَّدْتَ بمعناكَ، وَصَلْتَ بناطقكَ حقيقةَ امتلاكِكَ” (ص17).

يصيرُ النَّصُّ عند “بوعناني” شيئًا من النّقشِ وقدسيَّةِ العبادةِ والحبِّ. يطلعُ من حروفيّةِ الحرفِ وكبسلةِ الأبجديّةِ إلى حيثُ يصيرُ المتنُ مُدَحْرِجًا حجرَ القبرِ لينفَجِرَ النّورُ الّذي لا يَفْنَى: ” أنا المتنُ/ أموتُ ولا يموتُ”(ص6).

 جاءَ في المروياتِ أنَّ الفاهمَ هو الّذي يصيرُ الكتابَ الذي يقرأُهُ، لذا قيلَ: كُلِ الكتابَ لتصرْهُ. فإنْ صارَ إليكَ أَلْبَسَكَ حُلَّتَهُ ووشّاكَ بزخرفتِهِ لتكتملَ صورتُكَ، عندَهَا تصرخُ لَهُ قائلًا: “فهل تأذنُ لي بمحوِ أثري فيكَ حين أَبْلَى؟

وتغفرُ لي استبدالَكَ بالنّبضِ حين أعْيَى؟” (ص20).

ما هي هذه اللحيظةُ الّتي يقيمُ فيها الشّاعرُ؟ وما هي هذه العتبةُ الّتي ينزلُ فيها سعيدًا متأملاً بفرح؟ حدّدَها بقولِهِ” بين عتباتِ الكتمِ والفضحِ” (ص21). هناك حيثُ “ما أحدٌ سوى بين مدارجِ الكمِ والكتمِ”(ص21). هذا المسرى الصّوفي قد تبرّرُه برودةُ مصاعبِ الدّنيا ورتابةِ تكاليفِ الحياةِ فتروحُ “الأنا” إلى معارجِ الإيمانِ:

“وأنا..

 لا أُعطي المشتهى،

 ولا أَمنع المنتهى” (ص24).

وحدَهُ الساكنُ في العُلى فاحصُ الكلى والقلوب يعرفُ تنهدّاتِ المؤمنِ الصّادقِ في ليالي التجهّدِ وركيعاتِ صلاةِ الفجر. في هذه الرُّكَبِ المنحنيةِ تقرّبًا وزلفى:

“جسدُك يعدّدُ احتمالاتِهِ،

 وأمَدُكَ يجدّدُ انزياحاتِهِ..

 كي لا تُرجم،

 أو تدفن

 بل تتيه” (ص26).

كلُّ تيه، عندَ الشّاعر، هو تيهٌ في عالمِ اليقين، وكلُّ شكّ هو شكٌّ ولكن في عالمِ المؤكّد. كّلّنا حاشيةٌ ولكن في “البَدءِ على المتنِ” (ص28).

ما هي هذه الحالةُ الّتي تجعل حضورَك متألقًا في حضرةِ الألفِ والياء، الأولِ والآخَرِ، البدايةِ والنهايةِ؟ هي حالةٌ تدفعُ الشّاعرَ للبوحِ:

” خذوا عني بارقةَ/ الضوءِ/

 في الكونِ/

 الّذي قد أهتدي إليه:

تلكُمُ وصيتي. (ص30).

أَصَرَّ الشّاعرُ على فكرةِ” بارقة” ولم يَذْهَبْ إلى” النّور”. النّورُ النّهائيُّ دربٌ قَدْ تَصِلُهُ وقد لا تراه بحاسةِ “البصرِ” بل “بالبصيرة”:

 “هكذا يتألَّفُ ” ألفُ ” البَدءِ… وكذلك تخالفُ الأبجديَّةُ حروفَها” (32).

 هذه كتابةٌ جديدةٌ في البحثِ عن الحقيقةِ الّتي لن تستقيمَ إلّا بالتهجئةِ الجديدةِ في الأرضِ الجديدةِ والسّماءِ الجديدة.

إلى هذه الأبجديةِ الجديدةِ يَشدُّ ” بوعناني” الرّحالَ، يحملُ زادَهُ ويُبْحِرُ بحبرٍ:

” ألف… لام… جيم… نون/

والحبر الذي يمنعون”.(ص35).

كُلُّ حرفٍ تذهبُ إليه بكلّيتِكَ مُتْعِبٌ، غير ُقابلٍ للشرحِ ولا للتفسير. هو مسكونٌ بالعَرَقِ والتَّعبِ وجِبَاهِ التيه: “وهاكَ الحرفُ محبَّرًا/ بالجنون”(ص37).

كُلُّ أحرفِ “الحاء” بلباسِهَا الحضاريِّ ما بين َحبرٍ وحرفٍ وحنينٍ وحجرٍ وحصارٍ تصيرُ بريشةِ “بوعناني” كتابةً ورسمًا في حبرٍ مشغولٍ بحرفِ الحنينِ، وحجرِ الشَّوقِ، وحصارِ الأفئدةِ للمُرتجى الآتي حيثُ: “مسافةُ الكتابةِ شطرًا/ فوق جدار”.(43).

وتكرُّ الحروفُ، كما الأيامُ، عَجْلَى وحُبْلَى بألْفِ حُلُمٍ وحُلُمٍ، مِنَ الكافِ إلى النونِ مرورًا بالفاء وتوابعها دون أنْ ينسى العبورَ من الحرفِ إلى اللونِ كما في قولِهِ:

“ها لوني الأزرقُ السّابحُ في فجوةِ الليلِ،

 نيزكي هذا الجنونُ

 ممكنٌ صوتُكِ..

موتُكِ،

إغراقُ الصّرخةِ في عبورٍ”(ص52).

ما هذا العبورُ الذي يطالُ عناصرَ الكونِ مجتمعةً: الهواءُ (السماءُ)، الترابُ، النّارُ، (النيزكُ)، الماءُ (الغرق)؟ أَهِيَ دعوةٌ لتغييرِ الملامحِ والوجوهِ للأنقى والأطهر؟ أتصحُّ عندَهَا دعوةُ الشاعرِ:

” طرّزتُ هذا الظلَّ الضّيّقَ بين أصابعي

 خَلَعْتُ عنه أسماءَ الآخرينَ،

وجعلتُهُ سرًّا..

 بيني.. وبينكِ.

 ممكنٌ ذاكَ الظلُّ..

 وهذا المرورُ”. (ص 53)؟

هذا التطريزُ مشرّدٌ في

“فجوات الصَّمْت..

 خوفٌ يسكنُ الجسدَ والرّوحَ،

 وأَسْمَعُ ابتهالاتٍ بالهَمْسِ

تَجْذُبُ السَّمَعَ من أقصى تُخم”(ص56)

إلى هناك حيثُ لا يبقى لديكَ إلّا النّسيان، حيثُ

” ُنسى سنونكَ..

 وأنتَ لن تُنسى..

رائحةُ العَرَقِ الممزوجِ بالصِّدْقِ فيكَ،

دفءُ عناقِكَ حينَ العودةِ من سَفَرِ تَعَبِكَ..

لمحُ ابتسامةِ رضاكَ..

 لوعُ التذكّرِ لماضيكَ..

أَسْماءُ الكائناتِ الّتي أَسَاءَتْ لكَ وسامَحْتَهَا”(ص61).

أنتَ قائمٌ في رُتبَتَي الحضورِ والغياب، في وجوهِ من دَاهَمَتْهُم ملامحُ الشيخوخةِ، وَمَنِ اجتاحَهُ نسيمُ ربيعِ الشّباب. أنَتَ داخلٌ في صَمْتِ الموجِ البليغ. عيناكَ في شوقَهِمَا مشروعٌ لقصيدةٍ مستحيلة، لا يفكُّ أبياتِها إلّا المتألم “فصمتُكَ أبلغُ من كُلِّ الكلام” (ص63).

ينقلُ شاعرُنَا أبجديتَهُ وصحراءَهُ على كتفيه كالحاملِ صليبَ الحنينِ والتأوهِ. يجولُ في مدنِ لشبونة وطليطلة والدوحة والمغرب وكندا واليونان وإيطاليا باحثًا عن المفقودِ، وهو بين يَدَيْهِ وفي قلبِهِ وأَضْلُعِهِ. يتوهُ في الأزقةِ القديمةِ وبحارِ العالمِ والساحاتِ التاريخيةِ:

” أُحْصي كلَّ أسماءِ الوداع/ وأقولُ/: ما زالَ بيني وبينَ المشتهى/عنوانُ قصيدة”(ص87). ليسَ سهلًا البحثُ عن المألوفِ والخروجُ من الأحلامِ إلى الواقعيةِ،

“أتحرّرُ من وهمي،

وأرسُمُ لونَ وطني..

من قلمي/(ص87).

من هذا الوهمِ يخرجُ إلى الاعترافاتِ فـ

“للوردِ الأحمرِ في ذاكرتي..

 لونٌ آخرُ،

 وللبوحِ في عُمقي..

 فصلٌ سرمديٌّ،

وكبرياءُ شاعرٍ/(ص89).

هي حاضرةٌ، تلك التي تشتهيها النَّفسُ، جمالًا فوق جمال، وارتياحًا فوق ارتياح، في تصوّفٍ وعبادةٍ، في سِفْرِ نشيدِ الأناشيد، حيث يصيرُ المتفرّقُ إلى واحد، والمشتّتُ إلى تلاحم، والمنكسرُ إلى شدّةِ بأسٍ وقوّةِ عزمٍ. هذا كُلُّهُ يتأتَى من العودةِ إلى البداياتِ، إلى العفويةِ الأولى والمطرِ الأولِ والأحلامِ بانتظارِ اللقاء.

هي عودةٌ إلى الملكوتِ الّذي نضيّعُهُ ونبحثُ عنه لبعثٍ مرجوٍّ. هو البَدْءُ الّذي يقيمُ لَهُ الشّاعرُ احتفالًا وشيئًا من التمزّق الفَرِح:

“سأتعرى..

كي أقيم للعابرين

احتفال تذكر البدء.

وليس شرطاً أن تسبح في عريي

الأسماء ..  الأشياء..”(ص98).

يروحُ الشُّاعر إلى بحرِ حبرِهِ، يدخُلُ قُمْقُمَ مِحْبَرَتِهِ، ينتظرُ ألفَ عام، تأتيهِ أناملُ غجريّةٍ،

“تتدثَّرُ بموجِ حبري..

 تحملُ جنسيّةَ شِعري..

 وتؤمنُ باللقاء”/(ص98) .

بهذا اللقاءِ تزدانُ كتابةُ مصطفى بوعناني رقّةً وصوفيّةً وشيئًا من الهدوءِ في صَخَبِ الكون.

يذكر أنّ  الشاعر الدكتور مصطفى بوعناني، يحمل دكتوراه في اللسانيات العربية (تخصص علم الأصوات (الفونيتيقا) وعلم وظائف الأصوات (الفونولوجيا) من جامعة سيدي محمد بن عبد الله، بفاس – المغرب عام 1999م. عمل رئيسا لمسار الدراسات العربية بقسم اللغة العربية وآدابها، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس – المغرب (من 2012م إلى 2014م)، ومنسقا لبرنامج الدراسات العليا بقسم اللغة العربية بجامعة قطر (من أكتوبر 2018م إلى 2020)، ومديرا لبرنامج “تعليم اللغة العربية وثقافتها في السياق المغربي” للأجانب بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس-المغرب (من الموسم الجامعي 2013م إلى 2017م)؛ كما تولى العديد من المهام العلمية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس – المغرب، وجامعة قطر، الدوحة – قطر، حيث عمل مديرا لـ: “مختبر العلوم المعرفية (LASCO)”، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز- فاس (من 2007م إلى يوليو 2017)، ومديرا علميا لمجلة “أبحاث معرفية” (Recherches Cognitives): مجلة دولية محكمة متخصصة في العلوم المعرفية، تصدر عن “مختبر العلوم المعرفية” (من 2007م إلى يوليو 2017)، ومؤسسا ومديرا لـ”المعهد الدولي للأبحاث والدراسات في العلوم المعرفية (IRESCO)، فاس – المغرب (من 2015م إلى يوليو 2018م)، ومستشارا لـ”مجموعة الأبحاث والدراسات الاستراتيجية “(GRES)، بالرباط – المغرب (من 2015م إلى 2018)، و رئيسا لـ”فريق البحث في اللسانيات والعلوم المعرفية” التابع لقسم اللغة العربية، بكلية الآداب والعلوم – جامعة قطر (من نوفمبر 2017م إلى الآن)؛ بالإضافة إلى عضويته في العديد من المؤسسات والبنيات البحثية والعلمية العربية والدولية من مثل عضويته في الاتحاد العالمي للمؤسسات العلمية بلبنان (من 2014م إلى الآن)، وعضويته في “الجمعية الفرنكفونية للمعرفة” (Association francophone pour le savoir) (ACFAS)، بكندا (منذ بداية مارس 2019)، وعضويته في فريق البحث: (ALFA-EMC)، بجامعة كيبيك، بمونتريال – كندا (منذ بداية 2020).

هذا، ولمصطفى بوعناني ما يزيد على ثمانين (80) بحثا ودراسة ومقدمات كتب ومجلات (باللغتين: العربية والفرنسية) في مجلات دولية متخصصة محكمة وطنية ودولية، وعشرين (20) كتابا بشكل منفرد أو بشكل مشترك.

 

سامي دقاقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *