تقديم:
تكريما للباحث والمترجم الدكتور عز الدين الخطابي الريفي، وفي إطار أنشطة “سلسلة تجارب كتابية” التي تنظمها مؤسسة مقاربات احتفاء بالتجارب الكتابية المتميزة، سيصدر قريبا كتاب”حذق المعرفة”.
وهذا الكتاب، من تقديم الدكتور أحمد شراك وتنسيق الدكتور جمال بوطيب، هو عبارة عن عمل جماعي يضم قراءات وشهادات في تجربة التأليف والترجمة عند المحتفى به، شارك بها الأساتذة والأستاذات والباحثين والباحثات: إدريس كثير، عبد الحق منصف، احمد سيجلماسي، حاتم أمزيل، محمد فاضل، كريمة الوزاني، زهور حوتي، عمر بوكيلي، محمد منادي إدريسي، نادية حرفي، فريد بوجيدة.
وفي انتظار تقديم الكتاب في حفل ثقافي بالمناسبة بمشاركة المساهمين فيه، خارج زمن حالة الطوارئ الصحية الحالية، يسرني أن أشارككم ورقتي التالية هته بعنوان “البعد السينمائي في تجربة عز الدين الخطابي الثقافية”:
عز الدين الخطابي: السينفيلي والأستاذ والباحث والمترجم.
يعتبر الدكتور عز الدين الخطابي الريفي، الباحث الأكاديمي والمترجم، مثقفا نشيطا على واجهات عدة.. أصدر لحد الآن ما لا يقل عن مائة كتاب موزعة بين كتب فردية (تأليفا أو ترجمة) وأخرى ثنائية (خصوصا مع صديقه الباحث إدريس كثير) وثالثة جماعية (عبارة عن تجميع لأشغال ندوات فكرية وعلمية).
تنتمي مواضيع هذه الكتب بصفة عامة إلى السينما كفن وتفكير، وإلى مختلف العلوم الإنسانية وعلى رأسها الفلسفة والسوسيولوجيا والإثنولوجيا والأنثروبولوجيا وعلوم التربية… وهي حقول معرفية مختلفة، متداخلة ومتكاملة فيما بينها، تعكس مسارا تكوينيا رصينا نوجزه فيما يلي:
المسار الدراسي والمهني:
ازداد عز الدين الخطابي بفاس يوم 31 دجنبر 1952، وتابع بمسقط رأسه دراسته الابتدائية بمدرسة البليدة بالمدينة القديمة ما بين 1959 و1965، والإعدادية والتأهيلية بثانوية مولاي إدريس ببوجلود ما بين 1965 و1972.
بعد حصوله على شهادة الباكلوريا في الآداب العصرية سنة 1972، انطلقت مسيرته الجامعية كطالب في شعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله (ظهر المهراز) إلى أن حصل على الإجازة في السوسيولوجيا سنة 1977 بعد إنجاز بحث حول الحياة الاجتماعية لدى البدو الرحل بشرق المغرب، الشيء الذي خول له الالتحاق بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط (جامعة محمد الخامس) والحصول على دبلومها سنة 1978، وهي السنة التي شهدت بداية مسيرته المهنية كأستاذ للفلسفة بثانوية أم البنين بفاس إلى حدود سنة 1996.
بالموازاة مع عمله كمدرس للفلسفة حصل الأستاذ الخطابي على شهادة الدروس المعمقة في السوسيولوجيا من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1982 (تخصص: نظريات اجتماعية) بعد إنجازه لبحث حول موضوع “الماركسية والإسلام”. وفي سنة 1990 ناقش أطروحته في موضوع “الحياة الاجتماعية بفاس بين التقليد والحداثة” ونال بها شهادة الدكتوراه في الإثنولوجيا من جامعة نيس بفرنسا، الشيء الذي أهله علميا ليلتحق بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس (شعبة الفلسفة) ويعمل بها أستاذا باحثا ومنسقا لماستر الفلسفة والتربية من 1996 إلى 2018، وهي سنة تقاعده الإداري.
نصف قرن من العطاءات المختلفة:
كثيرة هي الأنشطة التي شارك فيها الأستاذ عز الدين، منذ سبعينيات القرن العشرين إلى يومنا هذا، في مجالات عدة، نضالية وفنية وجمعوية وفكرية وتربوية وعلمية وغيرها، بحيث يصعب تلخيص حصيلة ما يقارب نصف قرن من هذا المجهود العلمي والثقافي والنضالي في ورقتي المتواضعة هته، ولهذا سأحاول التركيز باختصار شديد على بعد واحد من أبعاد هذه التجربة الثقافية ألا وهو البعد السينمائي.
الاحتكاك الأولي بالسينما:
في حوار سابق مع الصديق الخطابي صرح لي بما يلي:
“كان احتكاكي الأولي بالسينما في مرحلة الطفولة، فقد كان المرحوم والدي يدير مقهى بحي العشابين الشهير بالمدينة القديمة، يوجد مقرها بمحاذاة سينما “الهلال” (أو سينما العشابين كما كنا نسميها آنذاك)، وكان كل يوم جمعة يحصل على تذاكر مجانية، مكنتني برفقته في البداية من معرفة عوالم السينما الهندية، وبشكل خاص الأفلام المدبلجة من طرف الراحل إبراهيم السايح (1925- 2011)، والمصرية، ومنها بشكل خاص الأفلام الكوميدية من بطولة إسماعيل ياسين والأفلام الدينية (“ظهور الإسلام” نموذجا) والأفلام البدوية ك”رابحة” و”عنتر وعبلة” و”عنترة بن شداد” والأفلام الاستعراضية الغنائية من بطولة فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وغيرها، والأمريكية، بصيغها المتنوعة: أفلام رعاة البقر والأفلام التاريخية والأفلام المستلهمة للأساطير الإغريقية والرومانية (هرقل، ماسيست، كليوباترة…).
ومع بلوغ سن المراهقة، بدأنا نجرؤ، أنا ورفاق الحي، على ارتياد قاعات سينمائية أخرى كبوجلود والأندلس والملكية تعرض نفس الأصناف من الأفلام، مع تميز بعضها بتقديم عروض خاصة في السادسة مساء بثمن بخس، لم يكن يتعدى 70 سنتيما في حالة سينما العشابين أو درهما واحدا في حالة سينما بوجلود.
ومما لا شك فيه أن لحظة ارتياد قاعة السينما كانت تشكل بالنسبة إلينا احتفالا وحدثا خاصا، يتم التهييء له طوال الأسبوع، وأقصد بذلك جمع ثمن التذكرة حينما يتعلق الأمر بقاعات بوجلود وباب فتوح (الملكية والأندلس). أما قاعة العشابين فكان ولوجها يوم الجمعة مجانيا بالنسبة لي كما ذكرت.. أتحدث هنا عن قاعات “شعبية”، مقابل قاعات بالمدينة الجديدة (دار ادبيبغ) كنا نتهيب من الإلتحاق بها، لبعد المسافة أولا ولخصوصية زبنائها “غير الشعبيين” ولأثمنتها الباهضة.
وقد شاهدت أول عرض وأنا في القسم النهائي بثانوية مولاي إدريس بقاعة سينما “ريكس” بإيعاز من رفيق لي في القسم كان من “بورجوازيي المدينة الجديدة”، وكان الأمر يتعلق إن لم تخني الذاكرة بفيلم “الموت حبا” لأندري كاياط، من بطولة آني جيراردو، وأذكر الفيلم لأننا كنا نتبادل فيما بيننا الرواية التي اقتبس منها وتحكي عن علاقة أستاذة بتلميذها القاصر. ومنذ تلك الفترة أصبح هناك اهتمام بالسينما الجادة في ارتباط باهتمامات إيديولوجية جديدة وخصوصا الماركسية، وبالمناسبة أذكر أن الصديق محمد باكريم (الناقد السينمائي والصحافي المعروف حاليا)، الذي كان زميلي بالقسم في الثانوية المذكورة، هو أول من أعارني كتاب البيان الشيوعي لماركس وإنجلز، حيث كان ذلك حافزا لنا على متابعة أخبار بعض الأفلام الثورية ومشاهدتها إن أمكن، خصوصا أفلام كوسطا غافراس والأفلام الإيطالية ذات البعد النقدي العميق وعلى رأسها أفلام إيطوري سكولا، وأيضا وودي ألان والأفلام النقدية المصرية ليوسف شاهين وصلاح أبو سيف وغيرهما، الشيء الذي عمق تصورنا لوظيفة السينما ولأهدافها وغاياتها. وهذا ما سيزكيه الانخراط في النادي السينمائي.”
الإنفتاح على حركة الأندية السينمائية بالمغرب:
يعتبر الصديق عز الدين الخطابي (68 سنة) من قدماء أطر حركة الأندية السينمائية بفاس، حيث انطلقت أنشطته الثقافية بشكل خاص من داخل هذه الحركة في عصرها الذهبي. عن هذه المرحلة من حياته صرح لي بما يلي:
” كان أول انخراط لي بنادي الشاشة بفاس، في سنتي الجامعية الأولى عام 1973، وهي السنة التي تأسست في مطلعها الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب المعروفة اختصارا ب”جواسم”، حيث تم التعرف على نوعية أخرى من الأفلام، مغايرة لتلك التي تعرض بالقاعات التجارية. وهذه الأفلام قادمة من أروبا الشرقية (بولونيا، تشيكوسلوفاكيا، هنغاريا، الاتحاد السوفياتي…)، حيث أصبحنا كمنخرطين نتأقلم مع القضايا التي يثيرها مخرجون كبار من عباقرة السينما ومبدعيها، ففضلا عن إيزنشتاين وبودوفكين وفايدا وميلوش فورمان قبل هجرته إلى أمريكا شاهدنا أفلاما غربية، فرنسية خصوصا، ذات نكهة متميزة، كما هو الشأن بالنسبة لأفلام رونوار وتروفو وريني… (الموجة الجديدة) وأفلاما من أمريكا اللاتينية (البرازيل، الأرجنتين، كوبا…).
طبعا لم نكتف، أنا ومجموعة من الأصدقاء الطلبة المنخرطين في النادي، بدور المتلقي، فقد واجهنا بوابل من الانتقادات المكتب المسير، الذي كان يتضمن بعض الفرنسيين وبعض المغاربة الذين لم يكن تدبيرهم ليقنعنا، ، مما سيؤدي في السنة الموالية إلى تحملنا مسؤولية التسيير. وهكذا انتخبت سنة 1974 على ما أذكر كاتبا عاما، ثم رئيسا للنادي في السنوات اللاحقة. كان هدفنا هو جعل النادي واجهة نضالية لنقد الاستغلال والاضطهاد، إلى درجة أصبح فيها الفيلم مجرد ذريعة لإلقاء الخطب الإيديولوجية وللمواجهات العقائدية. صحيح أن الجانب الإستتيقي كان شبه مغيب في هذه المرحلة من السبعينيات، لكن العنصر الإيجابي، رغم ذلك، تمثل في الأجواء الحماسية للنقاش وفي اهتمام المنخرطين بالقضايا المطروحة والمشاركة في مناقشتها. ولتأكيد ذلك أشير إلى أمرين هما: أن النادي كان يقدم عروضه بسينما ريكس على فترتين (يومي الأربعاء والخميس إن لم تخني الذاكرة)، وهذا يعني أن عدد المنخرطين كان يفوق 700، ثم إن حضور المنخرطين لجلسة المناقشة كان بأعداد وفيرة، مما كان يضفي الحيوية والحرارة على أجواء النقاش. وهو الأمر الذي سيتراجع تدريجيا مع بداية الثمانينيات. وقد تلمسنا ذلك عند تأسيسنا (أنا ومجموعة من الأصدقاء، أذكر من بينهم اليازغي والمرحوم غازي فخر عبد الرزاق) لنادي الفن السابع، حيث أصبحنا نقدم العروض بسينما أسطور، وبالمقابل كانت عروض أخرى تقدم بسينما ريكس من طرف نادي إيزنشتاين. ورغم أهمية بعض الأفلام، بما فيها أفلام مغربية من إخراج مصطفى الدرقاوي وأحمد المعنوني والراحلين أحمد البوعناني ومحمد ركاب وأفلام مصرية لصلاح أبو سيف ويوسف شاهين وشادي عبد السلام وأخرى فلسطينية وتونسية وعراقية…، إلا أن الاهتمام بدأ يتراجع ولم نعد نشعر بحرارة النقاشات وبالانخراط الفعلي للمنتسبين إلى النادي، رغم دخول هذا الأخير في تجربة الأسابيع السينمائية، التي كان يتم فيها اختيار سينما بلد معين (المغرب، بولونيا، فلسطين، مصر) لمعالجة قضاياها المختلفة. طبعا هناك أسباب كثيرة لهذا التراجع، منها ما هو تنظيمي، يرجع إلى تركيبة الأندية السينمائية وعلاقتها بالجامعة (جواسم)، ومنها ما هو سياسي ثقافي، يقترن بالتراجعات الكثيرة التي حدثت في أواخر السبعينيات وفي الثمانينيات وحتى بداية التسعينيات، في إطار ما أصبح يطلق عليه سنوات الرصاص.
وفي جميع الأحوال أعتبر بأن تجربة الأندية السينمائية كانت مفيدة جدا كمدرسة تعلمنا فيها أساليب الحوار والنضال والتكوين بطرق أخرى جد مميزة.”
من التنشيط السينمائي إلى الكتابة النقدية والفكرية:
عز الدين الخطابي من المنشطين السينمائيين المحنكين، لمست ذلك عن قرب في أنشطة نادي الركاب للسينما والثقافة، الذي ساهمت شخصيا في تأسيسه رفقة الصديق عبد الإله الجوهري وفاعلين جمعويين آخرين، فله طريقة جد محببة في تقديم الأفلام وتسيير جلسات مناقشتها، وهذه الطريقة اكتسبها تدريجيا من اشتغاله الدؤوب داخل نادي الشاشة ونادي الفن السابع بفاس. عن هذا الجانب صرح لي بما يلي:
“شكل النادي السينمائي فضاء تعلمت فيه أولا كيفية تسيير مناقشة الفيلم وأسلوب مخاطبة الجمهور، وهو أمر لم يكن سهلا في البداية بسبب اختلاف الأذواق والمواقف وأحيانا بسبب حسابات شخصية لبعض الأفراد. وفيه أيضا اقتنعت بفضيلة العمل الجماعي والتعاون والتشاور من أجل تحقيق أهداف معينة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل كان لزاما علينا لإغناء الحقل الثقافي التشجيع على الكتابة وعلى توثيق ما نتداوله شفويا. وقد تجلى ذلك في إعداد البطاقات التقنية للأفلام أولا، وهو أمر ليس بالسهل لأنه يتطلب بحثا وتنقيبا في الموسوعات السينمائية والكتب والمجلات المتخصصة، ثم في إصدار نشرات داخلية أردناها أن تكون منفتحة على جمهور المنخرطين، بحيث تتناول قضايا ذات ارتباط مباشر أو غير مباشر بالثقافة السينمائية. وفي هذه الفترة بالذات دخلنا في مغامرة الكتابة والترجمة، وأذكر بالمناسبة مساهمات متواضعة قدمتها إلى جانب مساهمات كل من إدريس كثير، الذي ستتعمق أواصر الصداقة الثقافية معه لاحقا، وفريد الزاهي وغيرهما. وسيسمح لنا ذلك بالانفتاح على منابر صحفية، بدأنا ننشر فيها بعض محاولاتنا التي جربناها في النشرات الداخلية المذكورة.
بالموازاة مع ذلك لا بأس من التنويه بعمليات التنسيق التي كانت تتم بين بعض الأندية السينمائية، بفاس ومكناس والرباط والدار البيضاء، من أجل تنظيم لقاءات وندوات، غالبا ما كان يستدعى لها عضو من “جواسم”، بل تمت استضافة مخرجين متميزين أذكر منهم الفلسطيني ميشيل خليفي والمصري صلاح أبو سيف. لقد كانت هذه الأنشطة على تنوعها محفزة للكتابة في هذا الحقل الممتع والمفيد، وهو ما شجعني شخصيا على الانخراط في مغامرة ترجمة نصوص عديدة حول تجارب سينمائية متنوعة، نشر بعضها في الكتاب المشترك مع الصديق عبد الإله الجوهري حول سينمات البلدان النامية، ونشر البعض الآخر في كتاب “في الفلسفة والفن والأدب”، وأيضا في كتابة مجموعة من النصوص النقدية تتعلق بقضايا السينما الوطنية، وخصوصا ما يهم الجانب الثقافي والفكري، وهو ما تمثل في الكتابين التاليين: ” حوار الفلسفة والسينما” و”تأملات في السينما”. “
باحث سينمائي رصين:
يبدو مما سبق أن انفتاح الأستاذ عز الدين الخطابي على حركة الأندية السينمائية، منذ سنة 1973، جعله يكتسب ثقافة سينمائية محترمة مكنته تدريجيا من التمييز بين الأفلام ذات القيمة الفكرية والفنية وغيرها ورفعت من درجة ذائقته الفنية وعززت حسه النقدي. كما صقلته كمنشط سينمائي ومسير جمعوي وحفزته لينتقل من مستوى الخطاب الشفوي إلى مستوى الخطاب المكتوب. وعندما تمكنت الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب من إصدار 13 عددا من مجلتها “دراسات سينمائية” بين 1985 و1991، في عهد رئيسها الثاني الأستاذ آيت عمر المختار (1983- 1992)، بعد رئيسها الأول الأستاذ نور الدين الصايل (1973- 1983)، انضم إلى هيأة تحريرها من 1985 إلى 1987 وساهم في كتابة مقالات نقدية وأخرى مترجمة. هذا بالإضافة إلى نشره لمجموعة من المقالات التحليلية والدراسات السينمائية والنصوص المترجمة من الفرنسية إلى العربية بمنابر صحافية ورقية مغربية وبعض المجلات العربية وإصداره لبعض الكتب السينمائية منها: “سينما البلدان النامية بين التهميش وتأكيد الذات” (2000) بالإشتراك مع الناقد السينمائي عبد الإله الجوهري، وهذا الكتاب يضم مجموعة من النصوص المترجمة حول السينما في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، و”حوار الفلسفة والسينما” (2006)، وهو عبارة عن نصوص مترجمة من تأليف كبار السينمائيين (فلليني وغودار…) والمفكرين (برغسون ودولوز…) طرح من خلالها المترجم السؤال التالي: بأي معنى يمكن للسينما أن تكون موضوعا للتفكير الفلسفي؟ ، و”في
الفلسفة والفن والأدب” (2009)، الذي يضم نصوصا مترجمة حول السينما الإيرانية وسينما الغربة وثقافة التمثيل والإخراج (من بينها حوار بين المخرجين الكبيرين أكيرا كيروزاوا ومارتن سكورسيز)، و”تأملات في السينما” (2014)، الذي صدر ضمن منشورات “اتحاد كتاب المغرب” ويتضمن قسمان الأول بعنوان “فلسفة الصورة السينمائية” والثاني بعنوان “الصورة السينمائية والوجود الإنساني- قراءة في أشرطة سينمائية”، ومشاركته في كتب جماعية منها: “التأسيس الثقافي للسينما الوطنية بالمغرب” (2010) و”دلالة المقدس في السينما المغاربية” (2013)، وهما من إصدارات نادي إيموزار للسينما، و”محمد مزيان، سينمائي وحيد ومتمرد” (2015)، وهو أول إصدار لجمعية النادي السينمائي بسيدي قاسم، وغيرها.
وعندما تأسس “نادي الركاب للسينما والثقافة” بفاس في مطلع التسعينات، بعد توقف أنشطة كل الأندية السينمائية الأخرى (نادي الشاشة، نادي 72، نادي الفن السابع، نادي إيزنشتاين)، كان الأستاذ الخطابي أحد منشطي عروضه السينمائية البارزين في قاعة سينما أسطور، كما كان من بين أهم المشاركين في ندواته وأنشطته المختلفة إلى جانب الدكتور حميد اتباتو وعبد الإله الجوهري وأحمد سيجلماسي ومحمد البوعيادي والدكتور حسان حجيج وفاعلين آخرين.
تجدر الإشارة في الأخير إلى أن الأستاذ عز الدين الخطابي، الحائز على جائزة المغرب للكتاب (صنف الترجمة) سنة 2011، تخرجت على يديه أجيال وأجيال من التلميذات والطلبة والطالبات. وهو حاليا عضو في “اتحاد كتاب المغرب” وفي هيئات تحرير مجلات “دفاتر التربية والتكوين” و”عالم التربية” و”وليلي” (تصدرها المدرسة العليا للأساتذة بمكناس)… شارك في العديد من الندوات حول مواضيع لها علاقة بالسينما وثقافتها، آخرها ندوة “السينما والرواية” التي نظمها المهرجان الوطني للفيلم التربوي بفاس سنة 2019 ، كما ترأس أو شارك في لجان تحكيم مسابقات الأفلام ببعض المهرجانات السينمائية من بينها الملتقى الوطني الثالث لسينما الهامش بجرسيف سنة 2015.
حظي الخطابي بتكريمات سينمائية هنا وهناك، خصوصا من طرف الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، في عهد رئيسها الحالي الصديق عبد الخالق بلعربي، وبعض النوادي التابعة لها (جمعية الشاشة الفضية بجرسيف نموذجا)، وذلك باعتباره وجها سينفيليا أعطى الكثير في مجالات التنشيط السينمائي والتسيير الجمعوي والإنتاج الثقافي السينمائي.
ولا يخفى على المتتبعين أن الجمع بين التكوين الفلسفي الرصين والإنتماء إلى حركة الأندية السينمائية في عصرها الذهبي قد أفرز جيلا من الباحثين السينمائيين المتخصصين في شؤون السينما نظريا، إلى جانب تخصصاتهم الأصلية في الفلسفة والعلوم الإنسانية، نذكر منهم على سبيل المثال الأساتذة نور الدين الصايل ومحمد نور الدين أفاية وعز الدين الخطابي وإدريس القري وفريد بوجيدة والراحلان محمد الدهان (1953- 2013) ومصطفى المسناوي (1953- 2015)… فهؤلاء المثقفين وغيرهم أغنوا ثقافتنا السينمائية بكتاباتهم وأفكارهم ومواقفهم، وساهموا بشكل من الأشكال في الحركية السينمائية التي تشهدها بلادنا على مستويات عدة.
بقلم: أحمد سيجلماسي