الرئيسيةأخباركيمياء الفرجة في كتاب “المسرح والتراث” للباحث عبيد البروزيين

كيمياء الفرجة في كتاب “المسرح والتراث” للباحث عبيد البروزيين

لطالما اثارت مسألة التراث الكثير من المطارحات الفكرية، وقد شغلت حيز كثير من الباحثين والمفكرين والأدباء منذ بداية عصر النهضة العربية، القائمة اساسا على العودة لتراث واستلهامه من اجل النهوض بواقع الامة العربية، كما طرحت مسألة التراث في الدراسات المسرحية لا تباث الأنا مقابل الأخر، وهو ما يحاول الباحث عبيد البروزيين مناقشته في دراسته النقدية “التراث والمسرح الجدل الفكري والتحولات الكبرى”.

  • ماذا استفاد المسرح من التراث؟
  • هل ساهم المسرح في احياء التراث؟

يعرف الجابري التراث بأنه كل ما هو حاضر فينا أو معنا من الماضي، سواء ماضينا أم ماضي غيرنا، سواء القريب منه أم البعيد” [1] ، وهكذا يكتسي المفهوم طابعا عاما وشموليا لأنه يرتبط بكل ما انجز في الماضي سواء كان مرتبطا بنا أو بغيرنا “فالتراث دلالته الواسعة؛ التي تقع على كافة ما تركه لنا السابقون من: علوم ومعارف ومبانٍ وعمائر وفنون .. وغير ذلك [2] من  خلال هذين التعرفين فالتراث ببساطة هو ما خلفه السلف للخلف وقد يكون ماديا من بنايات وملابس وأواني و أدوات…أو معنويا مثل الشعر والحكاية والأسطورة…

غير أن ما يركز عليه الباحث عبيد البروزيين في هذه الدراسة هي العلاقة بين المسرح والتراث، بالرغم من أن المسرح فن عرفته الحضارات القديمة، وقد أخذ شكله الحالي في الحضارة الإغريقية، وبهذا يتحول برمته إلى تراث أيضا لكن دعونا نقف عند دلالة المسرح الذي “يعرف بكونه في جوهره عمل يقوم على عرض المتخيل. و بأنه عمل إبداعي يفترض الصنعة ويوحي بأنه حقيقي. وهو يعرف أيضا بكونه فن مزدوج يقوم على العلاقة بين مكونين هما النص من جهة والعرض الذي يشكل غائية المسرح من جهة أخرى.”[3] فالمسرح يحمل العديد من الدلالات يطلق على الجانب الكتابي الذي يحول الكلمة الى مشهد، والجانب المرئي الذي يشمل الممثل والمتفرج المتلقي.

انطلق الباحث عبيد البروزيين من مفهوم المسرح والتراث ليغوص داخلهما رغم أنهما مفهومان يصعب الاحاطة بهما من كل الجوانب، فاختار أن يتعمق في حيثيات التجاذب المستمر بين المسرح و التراث، أو بصيغة أخرى كيف وظف المسرح التراث؟ أو ماذا استفاد المسرح من التراث؟

الكتاب الذي يسافر بنا في مجموعة من التصورات المفتوحة ويجسد عددا من الرؤى الفكرية وفق سيرورة كرونولوجية حيث قسم الباحث عبيد البروزين التفاعل بين المسرح والتراث الى تلاث أبعاد:

البعد الأول: الرؤية السلفية لإحياء التراث في المسرح(مواجهة الاستعمار)

البعد الثاني: توظيف التراث لنقد الواقع وتغيره (ما بعد الاستعمار)

البعد الثالث: توظيف التراث توظيفا جماليا من خلال التقنيات المسرحية الحديثة(الألفية الثالثة)

اعتبر الباحث عبيد البروزين في البعد الأول أن العودة إلى التراث كان أمرا طبيعيا رغم التعامل السطحي معه على خشبة المسرح، حيث كانت الفرجة عبارة عن خطب مسرحية مباشرة تفتقد للحس الفني ولذلك يقول “بالرغم من انتقادنا لرؤية السلفية لتراث إلا أنه يجب استحضار سياقها التاريخي ونحن هنا نعتقد أن لها ما يبررها…”[4]

أما في البعد الثاني فقد وظف التراث لنقد الواقع الاجتماعي وهو توظيف براغماتي كما وصفه صاحب الكتاب، وقد لاحظ الكاتب بأن هذه “الانعطافة في التعامل مع التراث بإيعاز مع رواد المسرح الغربي اللذين نصحو المسرحيين العرب باستلهام التراث لإقامة مسرح عربي أصيل، كما كان تأثرهم بالمفكرين عاملا أخر في تحديد طريقة التعامل معه، إنه توظيف من أجل انتقاد الواقع السياسي والاجتماعي بعد أثار الهزيمتين التاريخيتين”[5]

وفي البعد الثالث تطرق الباحث إلى كيفية توظيف التراث توظيفا جماليا في الألفية الثالثة من خلال مسرحته، حيث يرى بأن المسرح تخلى عن الإيديولوجيات القديمة مقابلة التأثير الفني والجمالي وهي رؤية حداثية متجددة ولذلك يعتقد بـأن “هيمنة البعد الجمالي في توظيف التراث يحتكم إلى التغيرات التي وقعت في المجتمعات العربية، فأصبح التراث يحضر من خلال الفرجة باعتباره امتداد للماضي في المستقبل، ويتجلى من خلال الأمثال الشعبية التي تشكل ذاكرة المجتمع الأخلاقية، فضلا عن حضور الشخصيات التاريخية والتراثية التي يسعى من خلالها كل من المؤلف الدرامي والمخرج المسرحي للتعبير عن رؤيته الفني للحدث الذي تعالجه المسرحية”[6]

“المسرح والتراث” دراسة نقدية تصبو إلى دراسة علاقة المسرح بالتراث في ظل التحولات الفكرية الكبرى وبرغم من أنها تقع في ستين صفحة إلا أن الكاتب استطاع تسليط الضوء على جانب مهم من علاقة المسرح بالتراث.

غير أن الكاتب لم يجبنا عن سؤال مؤرق وربما يكون موضوعا لمقال قادم وهو، من الذي استفاد من الأخر المسرح أم التراث؟

 

 

 المعروفي سفيان

 

[1] محمد عابد الجابري، التراث و الحداثة مؤسسات ..ومناقشات، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى  ص 45

[2]   8– يناير- 2020   – https://islamonline.net/33008

[3] ماري إلياس وحنان قصاب حسن، المعجم المسرحي، مكتبة لبنان ناشرون، الطبعة الأولى 1997. ص. 425.

[4] عبيد البروزين، المسرح والتراث الجدل الفكري والتحولات الكبرى، منشورات مركز تعايش للسلم والتنمية والتبادل الثقافي، الطبعة الأولى، ص  28

[5] عبيد البروزين، المسرح والتراث الجدل الفكري والتحولات الكبرى، منشورات مركز تعايش للسلم والتنمية والتبادل الثقافي، الطبعة الأولى،  ص54و55

[6]  عبيد البروزين، المسرح والتراث الجدل الفكري والتحولات الكبرى، منشورات مركز تعايش للسلم والتنمية والتبادل الثقافي، الطبعة الأولى،  ص 47

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *