عرض فيلم “خلف الأبواب المغلقة” لمحمد عهد بنسودة، يومي 5 و6 يوليوز 2020، على منصة إلكترونية من طرف المركز السينمائي المغربي، في إطار الدفعة الثالثة من أفلام الحجر الصحي، وبمناسبة هذا العرض الجديد حاورنا مخرج الفيلم حول موضوعه (التحرش الجنسي بالمرأة) وطريقة معالجته وأمور أخرى.
تجدر الإشارة إلى أن فيلموغرافيا محمد عهد بنسودة تتضمن، بالإضافة إلى مجموعة من الأفلام القصيرة والأعمال التلفزيونية، ثلاثة أفلام سينمائية روائية طويلة هي تباعا: “موسم لمشاوشة” (2009) و”خلف الأبواب المغلقة” (2013) و”البحث عن السلطة المفقودة” (2016).
فيما يلي نص الحوار:
موضوع التحرش الجنسي بالنساء مسكوت عنه في مجتمعنا، كيف جاءتك فكرة الاشتغال عليه في فيلمك “خلف الأبواب المغلقة”؟
أولا، أنا جد سعيد بمبادرة المركز السينمائي المغربي المتمثلة في انتقاء وعرض مجموعة من الأفلام المغربية المهمة والمختلفة شكلا وموضوعا، وذلك لتقديم صورة عامة عن السينما المغربية وتنوعها.
ثانيا، فيما يتعلق بموضوع المرأة أنت تعرف أن الحاجة ليست إلى فيلم واحد فقط بل إلى مجموعة من الأفلام، فهذا الموضوع بالنسبة لي تزامن مع التطور الذي لحق بمدونة الأسرة، حيث جاءتني فكرة الاشتغال عليه بعدما لاحظت أن هناك أشياء كثيرة يتم السكوت عنها في مجتمعنا ولاسيما ما تتعرض له المرأة والفتيات من تحرشات في الشارع وأماكن الشغل.
فمشكل التحرش تعاني منه المرأة بشكل كبير، أنتم تعلمون أنها تتعرض لمضايقات كثيرة في الشارع وأماكن العمل وغيرها من الأماكن العمومية، فكان من الضروري بالنسبة لي التطرق لهذا الموضوع بطريقة تخدم القضية وتوفر فرجة سينمائية في نفس الوقت.. أنتم تعرفون أنه في الوقت الذي أنجز فيه الفيلم لم يكن هناك مع الأسف قانون يحمي المرأة من التحرش، بل كانت هناك فقط مجموعة من الأفكار المتناثرة لا تدعو إلى معاقبة المتحرشين ولا تخدم قضية المرأة بشكل عام.. فطرح قضية التحرش ومعالجتها في الفيلم ما هي إلا انطلاقة فقط أو جس نبض قضايا أخرى تهم المرأة بصفة عامة في المجتمع المغربي. إذن وفقنا والحمد لله في إنتاج وإخراج هذا الفيلم انطلاقا من سيناريو كتبه الأستاذ عبد الإله الحمدوشي وتعاونت معه فيه وكانت غايتي من كل هذا إثارة نقاش حول ظاهرة التحرش الجنسي، وهذا ما تم بالفعل خصوصا بعد تكاثف جهود الجمعيات النسائية وتكتلها حول هذا الموضوع، وقمنا بتنظيم مجموعة من العروض للفيلم في القاعات السينمائية وضمن بعض الأنشطة الجمعوية المتخصصة في الموضوع، وترك الفيلم صدى طيبا في أوساط النساء، كما احتل المرتبة الأولى في شباك التذاكر، وحصل على جوائز في الهند والولايات المتحدة الأمريكية وأروبا، وهذا دليل على أن الفيلم لقي إقبالا كبيرا في الأوساط الاجتماعية لأنه فيلم عائلي يمكن للأب والأم والأبناء أن يشاهدوه جميعا بدون أي حرج. أما الجائزة الكبرى التي حصل عليها الفيلم داخل المغرب، في اعتقادي، فهي بلورة الحكومة المغربية لمشروع قانون التحرش والمصادقة عليه من طرف البرلمان. وفي الأخير أعتقد أن هذه هي السينما التي نحن في حاجة إليها.
الممثلة زينب عبيد كانت مقنعة في تشخيصها لدور سميرة في الفيلم، في حين كان أداء باقي الممثلين والممثلات عاديا، ما هي معايير اختيارك للممثلين؟ ولماذا كان لبعضهم حضور أمام الكاميرا وخلفها في آن واحد، أشير هنا إلى حالتي عبد الله فركوس وعمر العزوزي على سبيل المثال؟
فيما يتعلق بالممثلين كانت زينب عبيد في الفيلم بمثابة اكتشاف جميل لممثلة موهوبة، وهي الآن تشق طريقها بثبات وتطور في السينما والتلفزيون. لكن لا ينبغي نسيان أن كل الممثلين والممثلاث في الفيلم كانوا مقنعين إلى حد كبير في تشخيصهم لأدوارهم، فيكفي للتدليل على ذلك أن بطل الفيلم كريم الدكالي حصل على جائزتين دوليتين كبيرتين في التشخيص عن دوره في الفيلم: الأولى بمهرجان كان للسينما الإفريقية بفرنسا والثانية بمهرجان سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية. لقد أدى بطل الفيلم وبطلته دوريهما كما رسمناهما لهما بحيث استطاعا تبليغ رسالة الفيلم بطريقة واقعية ومقنعة بعيدا عن النمطية التي تعودنا ملاحظتها في أداء الكثيرين من ممثلينا بسبب غياب إدارة حقيقية لهم. يمكنني أن أخطأ في أشياء أخرى، لكن الخبرة المتواضعة التي راكمتها كمدير كاستينغ على امتداد سنوات تساعدني في اختيار الممثلين المناسبين.. فعبد الله فركوس مثلا كان جميلا وقام بدوره على أحسن ما يرام، في المشاهد التي شكلت متنفسا فرجويا تم من خلاله الانفتاح على الناس البسطاء والنساء المشتغلات بالمنازل ومعاناتهن مع التحرش.. عمر العزوزي أيضا كان قمة في تشخيصه لدور مدير الشركة التي تشتغل فيها البطلة ورئيسها المباشر في الشغل.. نفس الأمر بالنسبة لباقي الممثلين والممثلات كأحمد الساكية وزبيدة عكيف وأمال عيوش وعز العرب الكغاط وبشرى أهريش ونجاة الوافي ونفيسة الدكالي ونجاة خير الله وغيرهم…
أما فيما يتعلق ببعض العناصر التي اشتغلت في الطاقمين الفني والتقني معا، أي أمام وخلف الكاميرا، فأنت تعرف أنها ظاهرة عادية ومعمول بها في كثير من الأفلام.. فعبد الله فركوس وعمر العزوزي مراكشيان وكل من أراد أن يصور بمراكش في ظروف جيدة عليه أن يتعامل مع هذان الشخصان نظرا لخبرتهما وشبكة علاقاتهما.. عمر العزوزي بالإضافة إلى كونه ممثلا فهو أيضا مدير إنتاج، وكذلك فركوس فقد أفادنا كثيرا بعلاقاته الشخصية داخل المدينة وخارجها.
لاحظت في حوارات الفيلم طغيان الفرنسية على الدارجة المغربية، ما هي دواعي ذلك من وجهة نظرك؟
حضور اللغة الفرنسية ضروري داخل الفيلم، هذا من جهة التسويق أو نظرة المنتج لمستقبل توزيع الفيلم، ولذلك عرض الفيلم في القاعات السينمائية بالمغرب وفرنسا وبلجيكا ودول أخرى، كما عرض على بعض القنوات التلفزيونية بسبب حضور هذه اللغة، وحتى الترجمة (أوالسترجة) التي قمنا بها للحوارات من الدارجة إلى الفرنسية لم تتطلب وقتا طويلا. ومن جهة ثانية يرجع حضور اللغة الفرنسية بكثافة إلى واقعية الفيلم التي تجعلك تقدم نظرة واقعية لهذه المؤسسات الدولية التي يتم داخلها الحديث بالفرنسية. لقد احترمنا جيدا نسبة الفرنسية داخل الفيلم لأن هذا أمر واقعي.
لقد اجتمعت بالأستاذ الحمدوشي كاتب السيناريو بالعربية وتعاونا لإعادة الكتابة وجعل الفيلم ينتقل من صبغته المحلية إلى صبغة دولية عبر تطعيم جانب من حواراته باللغة الفرنسية، ولعل هذا التطعيم هو الذي فتح للفيلم أسواقا أكثر رحابة، خصوصا السوق الفرانكوفونية، هذا مع العلم أن من بين مدعميه المنظمة الدولية للفرانكوفونية.
أهديت الفيلم في الجنريك إلى بناتك الأربع آية ويسرا وجنات وميمنة، هل في هذا الإهداء تعاطف مع المرأة ومساندة لها في محنة التحرش الجنسي، كما هو الشأن بالنسبة لزوج سميرة بطلة الفيلم؟
بالفعل، أهديت الفيلم لبناتي الأربع ومن خلالهن لجميع الفتيات والنساء عبر العالم. لماذا؟ لأنني أنجزته متمنيا ألا يصطدم الجيل القادم بمشاكل من هذا النوع، التحرش الجنسي وغيره، وليبقى الفيلم كذكرى جميلة للتاريخ وكوثيقة مصورة شاهدة على أن جيلي من الفنانين حاول معالجة هذا الموضوع بطريقة ذكية.
ما أثلج صدري سنة 2019 هو حصول هذا الفيلم على جائزة التميز للمرأة المغربية في حفل بهيج احتضنه مسرح محمد الخامس بالرباط، وفي هذا اعتراف من الحكومة المغربية، عبر رئيسها وبعض وزرائها المعنيين، بأهمية موضوع الفيلم وبالمجهود المبذول في تناوله فنيا.
صحيح أن فيلم “خلف الأبواب المغلقة” سبق له أن فاز بجوائز عدة خارج الوطن، من قبيل جائزة لجنة التحكيم بالمهرجان الدولي للسينما بهيوستن في نسخته السادسة والأربعون، إلا أنني أعتبر حصوله على جائزة التميز داخل وطني بمثابة أفضل جائزة لي ولمن عمل معي فيه.
“نساء لسن للبيع”، هل هو عنوان ثان للفيلم تم اختياره لأسباب ترويجية؟
أنت على حق، فهذا العنوان الثاني تم اختياره لدواعي ترويجية، فموزعة الفيلم إيمان المصباحي هي التي اقترحت هذا العنوان بحكم خبرتها بالسوق وتجربتها الميدانية، وذلك لأنه أكثر جذبا من الناحية التجارية. وأنت تعرف أنها من أفضل وأهم موزعات الأفلام بالمغرب وأيضا بالعالم العربي، ومن الضروري والمفيد الاستفادة من اقتراحاتها العملية الصائبة. هذا العنوان مثير للنقاش، فبعد عرض الفيلم على قناتنا “f7ac” منذ سنتين فقط شاهده أكثر من مليون متفرج ومتفرجة، هذا ناهيك عن عروضه المختلفة عبر منصة اليوتوب ومشاهدته من طرف ملايين الناس بعد تعرضه للقرصنة من طرف العديد من المواقع الإلكترونية.
إن نجاح الفيلم يرجع إلى تكامل المجهودات المبذولة فيه كتابة وإخراجا وتشخيصا وإنتاجا وتصويرا وتركيبا وغير ذلك، ولعل هذا ما جعله يعرض بنجاح في القاعات السينمائية الوطنية وفي القنوات التلفزيونية المغربية والفرنسية وغيرها.. إنه فيلم يتميز بتناوله لظاهرة مجتمعية بطريقة إخراجية تتماشى مع طبيعة هذه الظاهرة.
لاحظت أن معالجتك لهذا الموضوع المسكوت عنه تمت بطريقة مباشرة نوعا ما، هل هذه المباشرة مرغوب فيها لتبليغ رسالة لأكبر عدد ممكن من المشاهدين المغاربة وغيرهم؟
يمكن أن نقول عن المعالجة أنها مباشرة، لكن أنا لي تحفظ على مفهوم “مباشرة”، فما المقصود به؟ بالنسبة للمتلقي ينبغي أن يفهم الموضوع بصفة مباشرة وسريعة، أما فيما يتعلق بمشاهد التحرش فأنا لم أكن مباشرا فيها.. مجموعة من المشاهدين كانوا ينتظرون ذلك، لكن خاب أملهم.. أنا لا أومن بالمشاهد الإباحية، لذلك اخترت أن يكون تناول موضوع التحرش في الفيلم بذلك الشكل لكي يصل إلى أكبر عدد من الناس بطريقة سريعة.. فكل العائلة يمكنها مشاهدة الفيلم دون حرج: الأم، الأب، الأخت… بل جميع الشرائح الاجتماعية.
فضاءات التصوير وزعت على ثلاث مدن هي الرباط ومراكش والدار البيضاء، ألم يكن ممكنا تصوير كل مشاهد الفيلم في مدينة واحدة أم أن دخول أطراف عدة في عملية الإنتاج هو الذي فرض هذا الاختيار؟
بطبيعة الحال الفيلم فيه جملة من الديكورات تنتمي إلى مدن مختلفة، وهذا مقصود لأن غايتنا كانت هي إعطاء صورة جديدة للمغرب. لقد صورنا الفيلم سنة 2013 وعندما تمت مشاهدته من طرف نقاد وصحافيين وجمهور متنوع داخل الوطن وخارجه فوجئ الجميع بالصورة الإيجابية التي يقدمها عن المغرب. لماذا؟ ببساطة لأنهم كانوا متعودين دوما في جل الأفلام المغربية على مشاهد البؤس ودور الصفيح والفضاءات التقليدية وما تحبل به من مشاكل اجتماعية وغيرها.. وحتى الأفلام التي صورت الجانب العصري من المغرب كانت تظهر ذلك من منظور سوداوي.. لقد حاولنا ما أمكن في هذا الفيلم إظهار المجتمع المغربي بطريقة معاصرة وجميلة وأعتقد أننا وفقنا في ذلك والحمد لله.
أغلب مشاهد الفيلم، الداخلية والخارجية، لا يعيرها المتلقي اهتماما بالغا.. فمدخل الشركة مثلا صور بالرباط، والديكورات الداخلية صورت بمراكش. أما مكتب المدير فصور بالدار البيضاء. لقد تم اختيار هذه الفضاءات برؤية احترافية غايتها التنويع وتفضيل الأجمل، المكتب الجميل لم يكن متوفرا لنا بمراكش فصورناه بالدار البيضاء، وعثرنا على منظر خارجي مناسب بالرباط فصورناه هناك، وهكذا… كل هذا داخل رؤية شمولية لمغرب متعدد ومتنوع الفضاءات.. وأعتقد أننا وفقنا في اختيارنا لفضاءات التصوير واستطعنا أن نقدم صورة إيجابية عن المغرب، فكفانا من الصور السلبية لبلدنا التي ترجع بنا إلى الوراء.
ماذا عن مشاريعك الحالية والمستقبلية؟
هناك فيلم وثائقي جاهز حول موضوع الحضانة، سيتم عرضه بعد ارتفاع الحجر الصحي والخروج من حالة الطوارئ وعودة الحياة إلى مجراها الطبيعي. وهناك سلسلة تلفزيونية مغربية إفريقية بعنوان “القوات الخاصة الإفريقية”، هي عبارة عن إنتاج مشترك بين المغرب والقناة الفرنسية “كنال بلوس”، أنا الآن بصدد إخراج جزئها الأول. صورنا مجموعة من المشاهد بالمغرب والسينغال والكاميرون، وينتظرنا تصوير باقي المشاهد بالكوت ديفوار والسينغال. لقد اضطرتنا ظروف الحجر الصحي إلى إيقاف التصوير.
أما بالنسبة للمشاريع السينمائية فنحن بصدد الاشتغال على موضوع مهم جدا يتعلق بظاهرة الطلاق.. قدمنا السيناريو للجنة الدعم فمنحتنا السنة الماضية دعما لإعادة الكتابة، فأعدنا كتابته آخذين بعين الاعتبار ملاحظات اللجنة. نأمل أن يحظى مشروعنا هذه السنة بدعم يمكننا من تصويره كفيلم سينمائي يعالج مشكل الطلاق بطريقة تخدم القضية وتوفر فرجة سينمائية، وذلك في إطار اشتغالنا الدائم والوفي لموضوع المرأة في المغرب والعالم العربي.
أجرى الحوار: أحمد سيجلماسي