لماذا يؤلف الإنسان كتابا؟ ربما هو سؤال غريب، لكنني أسأل نفسي مرارا:”لماذا يؤلف الإنسان كتابا؟”، أكاد أتفق مع الذين يرون في ذلك تحقيقا لرغبة دفينة في أعماق الإنسان، الرغبة في الخلود، يتعلق الأمر هنا بشكل من أشكال التمرد على قصر الحياة.
هناك من يريد تبليغ الأفكار التي اكتسبها من هذا العالم لساكنته، و هناك نوع آخر يجد نفسه في هذه الحمأة دون سبب، لعلّ شيئا ما في داخله يلحّ عليه، و هو إن لم يكتب سيجنّ، و ربما هذا هو حال المبدعين الكبار الذين ساهموا في تغيير ملامح العالم.
ثمة طبعا من يؤلّف لسبب تجاري، و ذلك وفق سياق يسمح بتداول كلمة “تجارة”، لكنّ هناك مؤلفين من نوع غريب، يكتبون الكتب من أجل التسلّط و بسط نفوذ وهمية على كائنات أخرى توجد تحت رحمتهم، هؤلاء هم أسوأ أنواع المؤلفين، إنهم للأسف مجموعة من الأساتذة الجامعيين الذين مُنِحوا ثقة تكوين أجيال من الشباب الراغب في تحصيل المعارف في الأدب و التاريخ و القانون و العلوم الإنسانية…
هناك أساتذة أجلاّء فعلا في جامعاتنا المغربية أغنوا خزاناتنا بأعمالهم التي نستضيء بأنوارها، و لا نملك إلا أن نحيّيهم حيثما كانوا، ما في ذلك شك، لكن عددا من أساتذة الجامعة- و هو للأسف عدد كبير- يؤلف كتابا واحدا في حياته هو في الأصل تلخيص لمجموعة كتب أخرى و تجميع لمعلومات قد تكون تكررت كثيرا في العديد من الكتب، ثم يطبع هذا الكتاب في مطبعة سرية، لأن دور النشر الكبيرة لن تنشر دروسه هذه، و يبيعها لطلبته بشكل إجباري، و على الطالب الفقير أن يدفع ثمن الكتاب من جيبه، و أن يشتري النسخة الأصلية، بل هو مجبر أيضا على شراء الطبعة الجديدة، و إذا ما دخل إلى قاعة الامتحان الشفوي بطبعة العام الماضي فقد يرسب في هذه المادة بسبب ذلك، أما إذا أحضر معه فوطوكوبي للكتاب فقد يطرده الأستاذ من القاعة و يسخر منه.
على الطالب أن يشتري النسخة من المكتبة التي تعاقد معها الأستاذ، و عليه أن يسجل اسمه في سجل خاص لدى صاحب المكتبة، لأن السيد الأستاذ يراجع لائحة ضحاياه قبل بداية الامتحانات.
إن هذه الطريقة في توزيع الكتب تجعل من أستاذ – فشل في أن يكون مؤلِّفا حقيقيا- يبيع أكثر من مجموع ما يبيعه أكبر عشرة كتّاب في بلدنا، لأنه يعيد طبع الكتاب كلّ سنة، و لأن له قراء فٌرض عليهم أن يشتروا هذا الكتاب، بل فٌرض عليهم العقاب أيضا في حال الامتناع عن شرائه.
يحكي لي أحد الأصدقاء أنه كان يرى أستاذا بلغت به الوقاحة حدّ أن يقوم بالدعاية لكتابه في محاضرات الصباح ثم يضرب لطلبته موعدا في الزوال وراء سيارته، يفتح الكوفر و يبدأ عملية البيع، و يخرج الطابع و يختم كل كتاب باعه، حتى لا يتأتى لأحد استعارة هذا الكتاب من جهة أخرى.
هناك نوع آخر من الأساتذة الجامعيين، يؤلف شيئا يشبه الكتب، و يأمر- بصيغة الطلب – طلبته في أسلاك ما بعد الإجازة أن يعدوّا رسالاتهم حول مؤلفاته، بل إنك تجد أحيانا أستاذا بلغ به الجنون إلى درجة توجيه طالب مجدّ إلى إعداد دكتوراه حول أعماله الأدبية – أو التي يفترض أن تكون أدبية- ثم ينصبّ نفسه للإشراف على هذا البحث و يقوم بطباعته هو بنفسه، فيكون بذلك هذا الأستاذ الديناصور هو موضوع الدكتوراه، و هو المشرف عليها، و هو ناشرها و هو الذي يعدّ لموائد مستديرة حولها.
هؤلاء يشبههم صنف غريب من مفتشي وزارة التربية يبيعون كتبهم للمعلمين بشكل إجباري، خلال الزيارات أو اللقاءات. و تحت يافطة الحياء أو المجاملة أو الجبن أحيانا يجد رجل التعليم نفسه مدفوعا لشراء كتاب ربما لا يرغب فيه أصلا.
يسيئون للجامعة و للتعليم، و لكنهم دكاترة و مؤلفون، و الكارثة أنهم ينظرون إلى المؤلفين الذين لا يحملون شهادة الدكتوراه كما لو كانوا ينظرون إلى الصراصير
عبد الرحيم الخصار