خلال شهور قليلة تفشى فيروس كورونا فى عدد كبير من دول العالم، وأودى بحياة آلاف من البشر، وأصبح الضحايا فى كل مكان وكل بلد، ولا يزال الجميع يبحث عن الخلاص من هذا الفيروس المتشح بالسواد والذى يقف وقفة ملاك الموت.
فيروس كوفيد 19 كما أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية ووصفته بالجائحة العالمية، لم يكن الوباء الأول الذى يضرب العالم ويشل الحياة، على مدار التاريخ البشرى، كان للإنسان تاريخ حزين مع الأوبئة، وخلدت الكثير من الملاحم القديمة ظهور بعض الأوبئة الفتاكة وكيف كانوا يتعاملون معها.
أوديب ملكا يواجه الطاعون
فى القرن الخامس قبل الميلاد كتب الروائى والكاتب المسرحى التراجيدى سوفوكليس مسرحيته “أوديب ملكا” التى يكافح بطلها لتحديد سبب الطاعون، الذى ضرب مدينته طيبة وأهلك الحرث والنسل وامتلأت الأرض بالجثث وسادت الفوضى، ليكتشف أن السبب هو القيادة السيئة للمدينة.
وتذكر الملاحم اليونانية والمسرحيات والأساطير والأشعار القديمة الجماهير بحاجتها لقادة يكونون قادرين على التخطيط للمستقبل، معتبرين من دروس الماضى وعدم تكرار أخطائه، وفي ملحمة الإلياذة الشعرية التي تحكي قصة حرب طروادة وتعتبر واحدة من أهم الملاحم الشعرية الإغريقية للشاعرهوميروس، يُنتقد الملك الأسطوري أغاممنون لأنه لا يعرف “ما قبل وما بعد”.
وكتب الشاعر الإغريقي الشهير هسيودوس على لسان زيوس -الشخصية الأسطورية في الأساطير الدينية الإغريقية- قوله إنه سيرهق القادة السيئين عبر الهزائم العسكرية والأوبئة، ويصف شعر الإلياذة الحكام السيئين الذين يدمرون شعبهم بتهورهم بأنهم “رعاة سيئون يدمرون قطعانهم”.
لكن المؤرخين القدماء مثل بوليبيوس في القرن الثاني قبل الميلاد وليفي في القرن الأول قبل الميلاد كانوا يحاولون أيضا البحث عن تفسيرات “عقلانية” للوباء مثل تغير المناخ والتلوث، وروى المؤرخ ثوسيديديس كيف ضرب الطاعون -ذو الأصول الإثيوبية المزعومة- أثينا عام 430 قبل الميلاد، وشرح أعراض المرض مثل الحمى وضيق التنفس والهذيان.
ملحمة اتراخاسيس
الحضارة العراقية القديمة ذكر فى ملاحمها حوادث الاوبئة التى تصيبهم، والتى أعتبروها غضب الالهة على سكان المنطقة، وتناول الادب العراقى القديم أشكال غضب الآلهة ومنها اصابتهم بالأوبئة والامراض كما ورد في ملحمة اتراخاسيس، فالملحمة بحسب موقع “إيلاف” العراقى تخبرنا بالاتي:
عندما أصبحت البلاد واسعة جدا والناس كثر واضطرب نوم الإله انليل وصار ضجيج الناس يزعج الإله انليل فخاطب الالهة العظماء قائلا:
– ضجيج الجنس البشري لم يعد يطاق
– صخبهــم يفقدنى نومى
– اعطوا الامر كى يتفشى فيهم مرض الطاعون
واعتقد العراقيون القدماء أن هناك شخص اسمه اتـراخاسيس قـد سمع كلام الإله أيا الذي طلب مـنه أن يدعو شيوخ المدينة وقال له: أبدوا بالصلوات وابحثوا عـن بيت الإله نمتار (وهو إله القدر أو تحديد المصير عند السومريين) واحضروا له الخبز ولتصله القرابين وليخجل مـن الهدايا واستلم اتراخاسيس الوصايا من الإله ايا واجتمع مع شيوخ المدينة وشيدوا معبدا للإله نمتار واحضروا له القرابين والهدايا ففارقهــم مرض الطاعون.
وبعد فترة من الزمن بدأ الاله انليل بالتخطيط بإنزال عقوبة ثانية على البشر بعد الطاعون وهي القحط إذ أن عـدد البشر قـد تزايد مـن جديد، وتدخل مرة ثانية الاله أيا (إله الحكمة عند العراقيين القدماء) ويدلهم على بيت الإله ادد (إله المطر) فاحضروا له خبزا وعدد كبير من القرابين ليتعاطف مع البشر وينزل عليهـم المطر.
طنجة الأدبية-اليوم السابع