اِحتضنت دار الشباب 3 مارس بسوق أربعاء الغرب، يوم السبت 29 فبراير 2020، لقاءً مفتوحا مع المفكر والباحث الدكتور حسن أوريد، حول موضوع ” الثقافة وسؤال التنوير”، من تنظيم جمعية زفزاف للتنمية والثقافة والإبداع.
في مستهل هذا اللقاء العلمي رحّب مسيره الأستاذ عبد السلام العروصي بالضيف الكبير الدكتور حسن أوريد، مقدما في نفس الآن لسيرة ذاتية مقتضبة عن مساره الفكري والثقافي والأكاديمي وعن حياته، كما رحّب بجميع من حضر من مختلف المدن والجهات المغربية. بعد ذلك، وفي كلمته الاِفتتاحية، رحب الأستاذ إلياس التيار، عضو جمعية زفزاف، بالمثقف والمفكر الكبير والباحث الدكتور حسن أوريد، وبجميع الحاضرين من أساتذة وطلبة وتلاميذ وفاعلين سياسيين ومدنيين وشعراء وروائيين ومبدعين ودكاترة ومهندسين وعمال وفلاحين.
في بداية المحاضرة، عبّر الدكتور حسن أوريد عن سعادته بتواجده بمدينة سوق أربعاء الغرب، التي، قال أنه، زارها في صباه رفقة والده. كما عبّر عن سعادته لقيم النخوة التي تطفح في ساكنة هذه الجهة، وحلوله ضيفا على جمعية تحمل اسما في عالم الأدب. وعبّر الدكتور أوريد، كذلك، عن سعادته لأنّ موضوع اللقاء هو قضية التنوير وعلاقة الثقافة بالتنوير، وأضح المحاضر بأن الموضوع له راهنيته أن يُطرح بهذا المغرب، الذي يُنعت بهامش وما هو بهامش. وأكد أوريد بأنّ هناك نوع جديد للثقافة وأن هناك مفهوم آخر للمثقف، وأنه لفترة من الزمن توارى دور المثقف، ليس في المغرب فحسب بل في العالم بأسره لاعتبارات عدة، واختُزِلت الثقافة في العالم أجمع بالتسلية ولم تعد مرتبطة بالتغيير أو بالفكر أو إعادة السؤال، وفي هذا الصدد، ذكّر أوريد بإدوارد سعيد الذي قال عنه بأنه كتب في هاته الفترة كتابا مهما يتمحور حل المثقف والسلطة، طمح من ورائه أن يسترجع المثقف دوره النقدي لأنه هو الذي يسمح للمجتمع أن يعيد السؤال حول ذاته، والمثقف عبارة عن شخص في برج عالٍ ينظر إلى الأشياء، ويرى ما لا يُرى للآخر، و لا بد للمجتمع من مثقف يطرح الأسئلة ويعطي المعنى، يقول المحاضر.
بعد ذلك انتقل الدكتور حسن أوريد إلى مفهوم التنوير، وحدّده في القدرة على رؤية الأشياء والطريقة التي يُمكن أن نرى بها الأشياء عن طريق العقل، معَرّجا على تجربة أوربا في التنوير، التي جاءت نتيجة مسار تاريخي لأكثر من قرنين من الزمن، مشيرا إلى أنّ النهضة في أوربا كانت لحظة مفصلية في مسار التنوير، وتطرّق إلى الاصطدام الذي حصل بين الكنيسة وبين العلم الذي أداته العقل والإصلاحات التي أعقبت ذلك، وبلوغ اللحظة المحددة للحداثة ألا وهي الأنوار، في استحضار تام لفلسفة وفلاسفة الأنوار، خصوصا بكل من فرنسا وإنجلترا.
في ذات السياق، انتقل الدكتور أوريد للحدديث عن النتيجة الأخرى المصاحبة لفلسفة الأنوار والتي هي، يوضح المحاضر، قيم الحرية والمساواة، مبرزا أن فلاسفة الأنوار اعتبروا أنّ فلسفة الأنوار تصادف سن نضج البشرية، ونادوا بوجوب نشر قيم ونتائج الأنوار في مختلف بقاع العالم. واستشهد الدكتور حسن أوريد بنابوليون وحملاته التوسعية، وموقف المجتمعات الأخري من ذلك، ومن قيم الأنوار والتحديث بصفة عامة، وتوزعها إلى موقفين موقف مناصر وموقف معاد لكل منهما مبرراته وحججه، سواء في قلب أوربا أو في المجتمعات العربية الإسلامية وغيرها.
يقول الدكتور أوريد، في محاضرته، أنه، بعد قرنين من الزمن، لا يمكن لمجتمع أن يُدير ظهره للحداثة، ومن يتجرأ على فعل ذلك سيؤدي الثمن، لكن في نفس الوقت، يضيف المحاضر، لا يمكن لمجتمع أن يضرب صفحا عن عمقه وتاريخه، واستطرد أوريد متسائلا عن كيفية التوفيق مع استشهاده في هذا الإطار بالنموذجين الياباني والتركي. وقبل اختتام محاضرته، قدم الدكتور حسن أوريد قواعد ذهبية للتعامل مع كل من التراث والتحديث، مؤكدا، من جديد، وبكل قوة على أنّ المثقف هو الشخص الذي يُعطي للأشياء معنى مع كونها قد تبدو بدون معنى.
بعد ذلك فُسِح المجال لباب النقاش والتفاعل بين الأستاذ المحاضر والجمهور الحاضر للقاء، وقبل إسدال الستار على فعاليات هذا المحفل الثقافي والفكري الهام، تَقَدم مسير اللقاء بالشكر الجزيل للدكتور حسن أوريد على محاضرته القيمة، وعلى تلبيته الدعوة للحلول ضيفا على مدينة سوق أربعاء الغرب، وبالمناسبة، تسلم المفكر الكبير مجموعة من الهدايا واللوحات تكريما وشكرا وامتنانا وعرفانا لهذا المثقف والباحث المتميز داخل المغرب وخارجه، كما أخذت صور جماعية تأريخا للحدث وتخليدا للذكرى.
العربي كرفاص