تمثل مسرحية (أصل الحكاية) التي قدمتها مجموعة كهربا ضمن مهرجان لبنان الوطني للمسرح تجربة مختلفة للمشاهدين إذ تجمع بين الأداء المسرحي والرقص والموسيقى والنحت وفن التحريك.
المسرحية التي عرضت سابقا في مهرجانات عربية وأجنبية تعود بالمشاهد إلى الحكايات الشعبية والأساطير والخرافات باحثة عن أصل التكوين بين الحضارات المختلفة وتبحث في فكرة تكوين الإنسان يوم كان يستخدم يديه ليعبر قبل أن يتكلم ويحكي اللغات.
ويبني المؤديان أورليان الزوقي وإريك دينيو على جدران ثلاثة منتصبة وسط المسرح حياة كاملة بتفاصيلها النحتية التشكيلية ثم يمحونها، ثم يبنون حياة أخرى ويعيدون المحو منذ البداية حتى يأتي الطوفان.
ينحتان الأشياء والطبيعة بشجرها وحيواناتها ويبنيان مدنا وصحارى وشواطئ ويبتكران شخصيات تسافر وتبحر، لها وجوه وعيون وأجساد تتحرك وكأنها ستنطق، ثم يراقصان الشخصيات قليلا ويتحدثان معها بلغات غير مفهومة، لكن المُشاهد يشعر بها ويتفاعل معها مدهوشا بقوة الأداء الذي يستحضر المفهوم الحسي لحضور الإنسان على الأرض.
كأن الممثلان يعيشان في عالم آخر يتمثل في ورشة تشكيل يعيدان فيها تكوين العالم بطريقة مبتكرة ومسلية وممتعة للناظر إليها.
العمل ينتمي إلى مسرح ما بعد الدراما، ويقوم على التأويل والطقسية إذ يفتح الباب أمام المتلقي للمتعة البصرية والتأمل ويطرح عليه تساؤلات عن فكرتين متوازيتين لأصل التكوين هما الطين والإنسان.
ويولي المؤديان لليدين رمزية حادقة في العرض إذ أن المسرحية أقرب إلى العمل اليدوي والحرفي منه إلى المسرح الكلاسيكي.
وكان مفاجئا استخدام اللوح،الذي يمثل الجدار الخلفي للورشة، نظراً لرمزيته أيضا في الحضارات القديمة التي كانت تروي تاريخها وانجازاتها وتدون حكمها ومقالاتها ورسومها على الجدران.
فالجدار هنا وثيقة، يرسم عليها المؤديان ما يكمل مشهد النحت والموسيقى والأداء، يكتبان الشعر أو يخططان كلمات عربية لها وقع على الجمهور كما فعلا عندما كتبا ”ثورتنا حب“ فهب الجمهور بالتصفيق.
وعلى مدى 50 دقيقة على مسرح المدينة في بيروت تنوعت الايقاعات وخطوط الدراماتورجيا في (أصل الحكاية) في تناغم سلس بين المؤديان وبين الموسيقى اللافتة التي ألفها إيمانويل الزوقي خصيصاً للمسرحية.
وقد كانت لافتة ومؤثرة الموسيقى التي سجلها إيمانويل خلال رحلاته إلى منغوليا وفيتنام وبيرو وأفريقيا والشرق الأدنى وكثير من البلدان والتي تنقل روح الطبيعة العذراء خصوصا في تلاؤمها مع روح العرض.
وقال أورليان لرويترز ”نحن أتينا من خلفية مسرح الدمى الذي يعتمد في الأساس على الخيال الواسع والتفاعل مع الجمهور من خلال الاحساس“.
وأضاف ”أعتبر نفسي حكواتيا أكتب نصا مسبقا وسيناريو ثم على المسرح افتح صندوق الفرجة وأروي قصصي للمشاهد معتمدا ليس على لغة محكية بل بصرية حسية“.
تتنافس (أصل الحكاية) ضمن ستة عروض على جوائز الدورة الثانية من مهرجان لبنان الوطني للمسرح الذي تقيمه وزارة الثقافة بالتعاون مع الهيئة العربية للمسرح. ويسدل الستار على المهرجان يوم السبت.
وقال الممثل المخضرم رفيق علي أحمد بعد العرض ”عرض مبدع يفتح نقاشا ويحكي ويجمع حوله الناس على المتعة، وهو ما يؤلف طقسا مسرحيا حقيقيا“.
وأضاف ”انقطعت عن المسرح منذ 2015 لكن عروض مهرجان لبنان الوطني اليوم فاجأتني لناحية التجديد في النص والإخراج والتمثيل والابتكار، ونفحت في الأمل“.
طنجة الأدبية-رويترز