عرض يوم أمس الإثنين فيلم “الإيرلندي” للمخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي، ويمكن لنا الجزم أنه ليس أهم فيلم على الإطلاق للمخرج الكبير، لكن هذا لا ينفي عنه كونه فيلما مميزا من الناحية الفنية ويحمل بصمة مخرجه.
من بين عيوب الفيلم أنه يشكو من تطويل غير مبرر إذ كان بإمكان سكورسيزي الاستغناء عن العديد من المشاهد دون أن يشكِّل ذلك نقصا في الفيلم بل على العكس سوف يصبح فيلما أفضل فنيا وجماليا، إذ يمكن القول أن الفيلم به ثرثرة زائدة وحشو لغوي لا مبرر درامي له، إذ أن كل ما نشاهده بعد مقتل الزعيم النقابي “هوفا” بدا وكأنه زائد دراميا خصوصا أن الفيلم مبني على رحلة كان من المفترض أن ينتهي الفيلم بانتهاء غرضها فإما المصالحة أو القتل لكن سكورسيزي فضل التطويل الغير مفيد للفيلم فنيا.
أما بخصوص الصوت الخارجي “فوا أوف” لدينيرو الذي يرافق الشريط المرئي فكثيرا ما كان زائدا ويعيد قول ما نشاهده عبر الصورة.
وبالمقابل فمن بين أهم نقط قوة فيلم “الإيرلندي” هو ذلك “الكاستينغ” الموفق تماما إذ أن سكورسيزي كعادته اختار ممثليه بشكل جد موفق وأدارهم بشكل جيد، إذ اننا نجد في هذا الفيلم روبيرت دينيرو يسترجع حيويته وتألقه الذي كان قد فقدهما في أفلام بسيطة درج على المشاركة فيها بعد انفصاله عن سكورسيزي وبعد أن لم يعد يشتغل باستمرار مع قامات إخراجية مهمة أخرى، ويمكن لنا القول أنه فيلم صُنع على مقاس دينيرو، وحتى ذلك التطويل الذي تحدثنا عنه وكأنه كان من أجله ليصبح “الإيرلندي” فيلما سكورسيزيا لدينيرو، وكأنهما يريدان بذلك إحياء أمجادهما ونجاحاتهما السينمائية في هذا السياق لكن شتان بين ما صنعاه في الماضي أثناء حيوية الشباب وهذا الفيلم.
لكن يظل آل باتشينو مبهرا في أدائه لشخصية “هوفا” التي سبقه في أدائها جاك نيكولسون في فيلم يحمل نفس عنوان الشخصية التاريخية أنجز بداية سنوات التسعينيات، إذ لا يمكن لنا إلا أن نعجب بباتشينو وهو يتجاوز نفسه وموهبته في هذا الدور الذي وكأنه كتب له خِصِّيصا، ففي مشهد حيث “جيمي هوفا” قد خرج من السجن على الفور ووجد أن كل خيوط اللعبة قد أفلتت من بين يديه وأن النقابة التي صنعها وأعطته كل تلك الشهرة والسلطة والأمجاد التي وصل إليها لم تعد مِلكه ولا بين يديه يحاول أن يثبت في لحظة انهزام لم يستوعبه تماما بعد أمام شخصية رجل المافيا التي يؤديها جون بيتشي قائلا له “إنها نقابتي ألا تفهم” فيما الآخر يحاول أن يفهمه أن الأحداث قد تجاوزته وأن عليه الاستسلام، مشهد يجب أن يدرَّس في المعاهد لطلبة التمثيل لشخصية مهزومة لكنها مازالت لم تستوعب انهزامها ونزولها المأساوي للهاوية وما زالت تتصرف على أساس أنها قوية. ويبدو أن قوة آل باتشينو في أدائه ترجع لكونه ذلك الممثل القادم من المسرح والذي يرجع إليه بين الفينة والأخرى.
الفيلم هو عن مرحلة ولت وانقضت وكانت نهايتها أواخر السبعينيات فيما شهدت أوجها خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لسيطرة المافيا الإيطالية على دواليب الاقتصاد والسياسة وتحريكها لخيوطها في أمريكا ، وقد استطاع مارتين سكورسيزي أن يُلم بخصوصية هذه الفترة وبتناقضاتها ويدخل كعادته في خبايا ونفسيات شخوصه من خلال أداء مبهر لكل الممثلين.
عبد الكريم واكريم-مراكش