عاد زمان الوصل في الأندلس وحط رحاله داخل معبد باخوس التاريخي بلبنان في إطار مهرجانات بعلبك الدولية في ليلة امتزج سحرها بين موشحات قديمة وقصائد ورقصات عربية إسبانية مشتركة.
وهذه من المرات القليلة التي تقام فيها حفلات غنائية داخل المعبد، حيث جرت العادة على استضافة الليالي في الهواء الطلق وعلى المدرجات التاريخية.
ووسط أضواء عكست مناخا كلاسيكيا وفي ظل أجواء من الرهبة داخل المعبد، قدمت المغنية اللبنانية جاهدة وهبة حفلا بعنوان (عبق الأندلس) بمشاركة عازف العود العراقي عمر بشير الذي قاد الفرقة الموسيقية.
وتشاركت جاهدة وهبة الغناء مع الفنان الإسباني ملكيور كامبوس فيما قدمت راقصة الفلامنجو الإسبانية ليا ليناريس رقصات رافقت بعض الأغنيات.
وبخلطة إسبانية لبنانية عراقية كان جمهور معبد باخوس يتفاعل مع أجواء موسيقية غنائية راقصة أعادتهم إلى زمن الطرب الأول الأصيل.
وافتتحت جاهدة وهبة الحفل ليل الجمعة بتحية لمدينة بعلبك من شعر نظمه الشاعر اللبناني الراحل ميشال طراد قبل أن تنطلق مع نسائم الأندلس بأغنيات جاءت مختلطة بين الإسبانية والعربية.
وقدمت جاهدة موشحات بينها (زارني المحبوب) و (يا شادي الألحان اسمعنا) و(لما بدا يتثنى) و(لا تعذبيه) و(يا غريب الدار)
و(أدين بدين الحب) و(زمان الوصل) وهو من أشهر الموشحات الأندلسية الذي كتبه الشاعر العلامة لسان الدين ابن الخطيب ويقول مطلعه:جادك الغيثُ إذا الغيثُ همى .. يا زمانَ الوصل في الأندلسِ.
والتهب حماس الجمهور لدى أداء جاهدة وهبة أغنية (كامل الأوصاف) شعر مجدي نجيب وألحان محمد الموجي والمصنفة من فئة الموشحات.
وقالت جاهدة في تقديمها للأغنية إن الملحن الموجي جاء إلى لبنان في القرن الماضي وعرض الأغنية على الفنانة فيروز التي أبدت إعجابها بها ”لكن مضت سنة ولم تغنها فيروز إلى أن سمعها عبد الحليم حافظ وطلب غناءها فوافق الموجي“.
وتجلى صوت جاهدة عندما شاركت المغني الإسباني ملكيور كامبوس أغنية (جراسياس لافيدا) أي (شكرا أيتها الحياة) وهي أغنية للتشيلية الراحلة فيوليتا بارا والتي تصنف من النوع الوجداني وتقول كلماتها ”شكرا أيتها الحياة على صوتي وكلماتي“.
وقدمت جاهدة وهبة تحية لمدينة زحلة البقاعية بغنائها (يا جارة الوادي) التي كتب كلماتها الشاعر أحمد شوقي ولحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب.
ومن الأغنيات التي تستعين بأدب الغرب قدمت جاهدة أغنية (لا تلتفت إلى الوراء) من كلمات الأديب الالماني جونتر جراس (1927-2015) والتي قدمتها على إيقاعات إسبانية شرقية.
وعبرت جاهدة بعد انتهاء الحفل عن إحساس لا يوصف بالوقوف على خشبة مسرح باخوس في بعلبك وقالت لرويترز ”شعرت كأنني أطير وأحلق في معبد الجمال … كانت ليلة من أجمل ليالي العمر، ليلة أضأنا سماءها بالشعر وأشعلنا نار الموسيقى عند أعمدة باخوس بكل الحب الذي أحسسنا به من الجمهور“.
وقال الناقد الفني بيار أبي صعب إن جاهدة وهبة تمكنت في بعلبك من جمع حضارتين. وقال لرويترز ”جاهدة تنقب دائما عن التراث ومشروعها اليوم هو الأندلس كلقاء بين حضارتين. لقد تمكنت جاهدة من مزج الموشحات والفلامنجو، وفي هذا المعبد استطاعت وهبة أن تضعنا وجها لوجه مع التراث“.
وأضاف ”شاهدنا في ليلة واحدة كلا من: (الأميرة الأندلسية) ولادة بنت المستكفي و(الشاعر والكاتب الإسباني فيديريكو جارثيا) لوركا وأحمد شوقي وجونتر جراس، والعندليب الأسمر و(المغنية الأرجنتينية) مارسيدس سوسا، وابن زيدون وميشال طراد، وباكو دي لوتشيا وسيد درويش“.
ومضى يقول ”ما أعطى روعة للسهرة هو الموسيقي المبدع عمر منير بشير الذي قدم خلطة موسيقية بعازفين من المجر وسوريا والعراق وغيرها… لقد كانت رحلة حقيقية إلى الأندلس وكانت جاهدة بأفضل تجلياتها“.
وقالت إيليز صليبي التي حضرت الحفل واستمتعت به ”معبد باخوس بحد ذاته يحمل الكثير من السحر والفرادة، أضف إلى ذلك صوت جاهدة وهبة الذي يعبق بالجمال والقوة“.
وأضافت ”أعجبني هذا المزيج المميز بين الطرب الشرقي واللحن الأندلسي وأجواء الفلامنجو فكانت بعلبك بتاريخها وهياكلها حاضنة لهذا التنوع الفريد“.
طنجة الأدبية-رويترز