شهد فضاء المسرح الملكي بمدينة مراكش، مؤخرا، تنظيم المعرض الدولي للفنون التشكيلية في دورته الثانية، والذي نظمته وزارة الثقافة والاتصال، وجمعية الأطلس الكبير بالتعاون مع عدد من الشركاء منهم وزارة الشباب والرياضة وعدة مقاطعات بمراكش.
وشارك في المعرض الدولي الذي أقيم بعدة فضاءات بعاصمة النخيل، منها قصر البديع، بالموازاة مع فعاليات الدورة ال 50 للمهرجان الوطني للفنون الشعبية، والذي اختتم نهاية الأسبوع الماضي، نحو خمسون فنانا تشكيليا، تحت شعار ” مملكة الفنون”، يمثلون مدنا مغربية عدة وعددا من البلدان العربية والأجنبية.
وشكلت مشاركة الفنانة التشكيلية شيماء ميرات من مدينة خريبكة، إحدى المشاركات الرفيعة والوازنة، التي كشفت عن موهبة متقدة، وحماس فني مضيء، ووداعة في اختيار الألوان، التي تحيل إلى عوالم خفية، وخصوبة في الثقافات والتراث المادي واللامادي، وانتصار لكل ما هو وجداني وجمالي قريب من الروح والمشاعر.
واستأثرت إحدى لوحات ميرات المعروضة في المسرح الملكي على إيقاعات موسيقية تراثية باهتمام الجمهور، لما لها من أبعاد جمالية وافريقية وكونية وإنسانية، ولما تبوح به من تيمات فنية غنية، تطرح الكثير من الأسئلة الفلسفية والوجودية حول الذات والآخر، والإنسان، والعادات والطقوس والتقاليد والحياة، وثقافة الرموز، خاصة لدى الإنسان الفطري، والقبائل القديمة، في مواسم الصيد والحصاد والاحتفالات وغيرها.
وتشكل لوحة ميرات، في سحرها الفني الأخاذ، والتي تحيل الى عوالم ترتبط بكينونات الطوطم والمنحوتات والنقوش الصخرية والتماثيل، وسراب السفانا، منحوتة غاية في الإبهار، لنموذج من الأقنعة التجريدية، ذات المنحنى التكعيبي، والتي تفصح بحس سريالي، عن رؤية الفنانة التشكيلية للعالم والموجودات، وذلك من خلال الألوان والإكسسوارات التي وضعتها على ملامح أدمية في شكل أسطوري بديع.
ولعل لوحة الفنانة ميرات في هذا الجانب ـ من وجهة نظرنا ـ توحي بنبض لا يخلو من رؤية فنية وجمالية، إلى عالم مليء بالعلامات والدلالات السيميائية، لتلك الأقنعة ذات الأبعاد الإفريقية والكونية والإنسانية غاية في الإمتاع والمؤانسة الفنية الهادفة، والغنى الثقافي الإفريقي العميق، واستعمالاتها المتنوعة في الترف والزينة، والكثير من الطقوس الدينية والعقائدية والاحتفالية الباذخة.
وتشكل الثقافة الإفريقية في ملامحها الفنية والجمالية من وجهة نظرنا، ارتكازا محورا لتيمة اللوحة التشكيلية لدى ميرات، وهو ما يبرز نوعا من تقاسم العيش المشترك بين الثقافة الإفريقية العالمة والثقافة المغربية الساحرة والخصبة من خلال المهرجان الوطني للفنون الشعبية، الذي يجد بموسيقاه المتنوعة والعميقة جانها من التقارب بين الإحساس الوجداني والرؤى والأحلام.
وبهذا الانجاز اللطيف، ومن خلاله عرض لوحات موحية أخرى أكثر شاعرية، توقع شيماء ميرات، ضمن كوكبة من الفنانين التشكيليين في هذا المعرض الخصب، على سمو تجربة نسائية شماء، تتلمس طريقها بفيض من الحلم اللوني الساطع، والأفكار النيرة، كعلامة جديدة ينبعث شعيعها وضاء في المستقبل.
وتعتبر هذه الفنانة العصامية إحدى الأسماء الواعدة، التي شاركت في العديد من المعارض الجماعية الوطنية والدولية، أحبت الفن التشكيلية منذ طفولتها، ترسم وفي رسمها إرضاء للذات، وتكريس للتنوع الثقافي والفني، خاصة الانفتاح على الثقافة الإفريقية والإنسانية، كشكل من أشكال الحوار والتواصل، وجعل الفن التشكيلي رسالة نبيلة تنتصر لقيم الإنسان والمجتمع والأحلام.
مصطفى الصوفي