الرئيسيةمقالات و دراساتقراءة في كتاب أرسطو طاليس: في الشعر(*)

قراءة في كتاب أرسطو طاليس: في الشعر(*)

مقدمة:
يقع كتاب الشعر، أو على الأصح ترجمة متى بن يوسف القنائي لكتاب أرسطو طاليس في الشعر من السريانية إلى العربية في 293 صفحة من القطع المتوسط، وقد حققه مع ترجمة حديثة ودراسة لتأتيره في البلاغة العربية الدكتور محمد شكري عياد. وقد ترجم كتاب الشعر إلى العربية في أوائل القرن 4 الهجري، وبدئت محاولة تلخيصه من قبل الفلاسفة العرب قبل ترجمته كاملا بقرن أو يزيد، وترجمة متى بن يونس هذه تعتبر جزءا من مخطوطة «الأركانون» المحفوظة اليوم في المكتبة الأهلية بباريس، وقد تناول هذه الترجمة بالدرس والتحليل كتاب ودارسون غربيون أمثال ؛مرجليوت وتكاتش.
ولأن شكري عياد تحرى العلمية والموضوعية، كما يقول؛ فهو قد أثبت ترجمة متى كما هي، ونبه على أخطاء متى النحوية وكذا التي لها صلة بالترجمة وأقر تصويباته في هامش ترجمته الحديثة.
والحديث عن أهمية كتاب الشعر في الثقافة العربية هو من قبيل تحصيل الحاصل، فهو من أشد المؤلفات صلة بحياتنا الفكرية، كما يذهب إلى ذلك زكي نجيب محمود في مقدمة الكتاب، وهو بعد يعتبر منجما مليئا بالأفكار القيمة في النقد الأدبي، بل لايزال المرجع الأول فيه، إذ لا مندوحة لدارس الأدب عموما، ناقدا كان أو شاعرا، من الرجوع إليه والاغتراف من معينه.
وينسلك بحث الدكتور محمد شكري عياد، ضمن البحوث التاريخية، وقد قسمه إلى قسمين اثنين:
قسم أول: أثبت فيه ترجمة متى بن يونس لكتاب الشعر، وقابلها بترجمة حديثة له، استدرك فيها على متى الكثير من الأمور والقضايا.
قسم ثان: عرض فيه لتاريخ كتاب الشعر في الثقافة العربية، وخاتمة انتهى فيها إلى خلاصات واستنتاجات سنأتي على ذكرها.
ويجمل بنا قبل هذا وذاك أن نشير إلى أن الشعر بالمعنى الأرسطي أعم منه في التداول العربي، فالشعر لدى أرسطو يشمل الموسيقى والرقص، وما نسميه تمثيلا ومسرحا بالإضافة إلى الكلام المنظوم.
وترتيبا على هذا فنحن لا نتنكب عن الحقيقة إن قلنا إن الشعر العربي ليس سوى جزء في «شعر أرسطو»، أو لنقل بلغة الاصطلاحيين هو لفظ ذو معنى مخصوص.
المحاكاة:
تعتبر «المحاكاة» مفهوما مركزيا في كتاب الشعر[نقصد ترجمة شكري عياد]، وتستمد أهميتها من كونها فطرية في الإنسان؛ فهي تنشأ معه منذ الصغر، وبها يتميز عن سائر الكائنات، وتمثل طرقة الأول في التعلم واكتساب المعرفة، ثم إن الإنسان يشعر بالالتذاذ وهو يحاكي أو وهو يرى شيئا محاكى . وقد أخذ أرسطو مفهوم المحاكاة هذا عن أفلاطون، وإن كان أفلاطون يتحدث عن محاكاة الأشياء المحسوسة، أما أرسطو فجعل المحاكاة للأشخاص والانفعالات والأفعال.
وقد قسم أرسطو عن المحاكاة، إلى ثلاثة أقسام:
+ وسيلة المحاكاة: وتشمل الوزن أو الإيقاع واللفظ والنغم.
+ الأشياء التي يحاكيها الشعر، وهي إما نبيلة أو دنيئة.
+ الطريقة أو الأسلوب الذي يحاكى به.
ويحاكي الشعر الناس في فعلهم، وهؤلاء إذ يفعلون يكونون أحد ثلاثة إما أن يكون الفاعل سويا مع الطبيعة البشرية أو فوقها أو دونها، أي إما أن يكونوا أخيارا أو أشرارا أو في منزلة بين المنزلتين، أي أن يكونوا أوساطا. وتبعا لضروب هؤلاء تختلف ضروب الشعر، ويأتي على رأسها التراجيديا/المأساة، وهي التي تصور الجوانب السامية في الإنسان، وبالتالي فهي تحاكي الاختيار، ثم الكوميديا أو الملهاة، وتصور الجوانب الدنيئة، لأنها تركز على ما يثير السخرية في تصرف الإنسان، وهذا بالضرورة ضرب من القبح، وتتفرع عن هذين الضربين الرئيسيين ضروب أخرى نبينها في الخطاطة الآتية مبينين مختلف الترجمات العربية لها:

الشعر لدى أرسطو


ونحن متحدثون فيما يأتي من التحليل عن كل نوع على حدة وعن مجمل التقاطعات والتواشجات الواقعة بين التراجيديا والكوميديا، وكذا التي بين كل نوع وما يتفرع عنه.

التراجيديا:
ويعرفها أرسطو بقوله: «هي محاكاة فعل جليل كامل له عظم ما في كلام ممتع تتوزع أجراء القطعة عناصر التحسين فيه، المحاكاة تمثل الفاعلين ولا تعتمد على القصص، وتتضمن الرحمة والخوف لتحدث تطهيرا لممثل هذه الانفعالات»(1).
ونستنتج من خلال هذا التعريف أن الأمر يتعلق بمحاك فاضل نبيل لفعل أو لشخص نبيل كذلك، وما يثير الانتباه في هذا التحديد هو لفظتا: «الفعل، والفاعلين»، وهما في الحقيقة تحيلان على الحقل المسرحي وتمتان له بصلة كبيرة.
فدون كثير إمعان نظر يتبين لقارئ كتاب الشعر أن الأمر يتعلق بنظرية المسرح لا الشعر، ويتضح هذا بشكل جلي حين يتحدث أرسطو عن أسخيلوس باعتباره أول من رفع عدد الممثلين من واحد إلى اثنين، وقلص نصيب الجوقة، وجعل للحوار المقام الأول في التمثيل، وعن سوفو كليس الذي زاد عدد الممثلين إلى ثلاثة وأدخل المناظر، ثم حين يتحدث في موضع آخر من الكتاب عن أن التراجيديا تحاكي الأفعال التي تحدث الشفقة أو الخوف، وهذه الأفعال وهذه الإثارة للخوف أو الشفقة نراها على الركح ممثلة، وتغدو بالتالي المحاكاة تمثيلا، ويعضد رأينا هذا حديث أرسطو طاليس عن «التقمص».
وتتفق الملحمة مع التراجيديا باعتبار الأولى فرعا من الثانية، في كونها محاكاة للأخيار في كلام موزون، وتختلف عنها في أن الملحمة ذات عروض واحد وأنها تجري على طريقة القصص، وهي مخالفة لها في الطول، فالتراجيديا تحاول جاهدة أن تقع تحت دورة شمسية واحدة، أو لا تتجاوز ذلك إلا قليلا، أما الملحمة فهي غير محدودة في الزمان، ويتسمح في التراجيديات بمثل ما يتسمح به في الملاحم، أما الأجزاء الداخلية في التراجيديا، فمنها ما يوجد هو بعينه في الملحمة ومنها ما هو خاص بالتراجيديا، فمن عرف الجيد والرديء في التراجيديات، عرف مثل ذلك في الملاحم، لأن ما يوجد في الملحمة يوجد في التراجيديا، أما ما يوجد في التراجيديات فليس كله موجودا في الملحمة(2).
والعظم والجلالة في الشعر الرصين رهينان بأن يكون هذا الأخير وسطا مقبولا وضرب أرسطو طاليس مثالا لتقريب هذه الوسطية، مفاده أن الحيوان الشديد الصغر لا يرى جميلا، لأن منظره يختلط لوقوعه في زمان يكاد لا يحس. كما أن الحيوان الشديد الكبر لا يرى جميلا أيضا لأن منظره لا يقع مجتمعا بل يذهب عن الناظرين ما فيه من الوحدة والتمام، ويقول عن العظم المطلوب: «إن كل عظم يتفق فيه التغير من الشقاء إلى السعادة أو من السعادة إلى الشقاء في حوادث متسلسلة على مقتضى الإمكان أو الضرورة، فهي حد صالح للعظم»(3).
وقد أسهب أرسطو في الحديث عن أجزاء التراجيديا التي ينبغي أن تستعمل على أنها أشكال، والأجزاء التي تنقسم إليها بحسب الكمية وهي: المقدمة، القطعة، الخروج، غناء الجوقة، وينقسم هذا الأخير إلى قسمين وهما: العبور والوقفة، ويقول في عنصر الجوقة: «(…) أما الجوقة، فيجب أن تعتبر كواحد من الممثلين، فتكون جزءا داخلا في الكل وتشترك في التمثيل لا كما عند أوربيدس بل على طريقة سوفو كليس» (4).
وهذه الأجزاء عامة لجميع التراجيديات وإن اختص بعضها بغناء المسرح، وذهب أرسطو طاليس إلى أن أشد الشعراء تراجيدية هو يوروبيدس.
الكوميديا:
هي الأخرى ضرب من المحاكاة، لكن يتعلق الأمر هذه المرة بمحاكاة الأدنياء فعال الأدنياء، لأن المضحك، كما مر بنا قسم من القبيح، والأمر المضحك قبح لا ألم فيه ولا إيذاء، ولكن فيه تشويه، وبذلك فالكوميديا/الملهاة تصوير للناس أقبح مما هم، أو أقبح ممن نعهدهم، وقد تكلم عنها أرسطو حينما أخذ في الحديث عن سوقية العبارة وابتذالها، ويدخل في هذا القسم من أقسام الشعر عروض الإيامبو، وهو عروض كان الناس يتهاجون به، وبناء على هذا ذهب المترجمون والملخصون العرب إلى أن هذا الأخير يقابل شعر الهجاء المعروف في المنظومة الثقافية العربية، وعلى الخصوص شعر النقائض الذي يطبعه الحوار بين المتهاجيين.
وأول من عرف في هذا النوع من الشعر (شعر المساخر)، هيجيمون، ونيقوخاريس الذي كتب الديليادا، وكذا إسخيلوس. وهذا ما عرض له الدكتور محمد شكري عياد في القسم الأول من بحثه، أما فيما يتعلق بالقسم الثاني من البحث فعنونه ب: « كتاب أرسطو طاليس في الشعر؛ تاريخه في الثقافة العربية»، وقد قسمه هو الآخر إلى ثلاثة أبواب، تحدث في الأول منها عن كيف نقل كتاب الشعر إلى العربية، وفي الثاني منها عنه [ أي عن كتاب الشعر] بين أيدي الفلاسفة العرب، وفي الباب الثالث تحدث عنه بين البلاغيين والبلغاء العرب.
كيف نقل كتاب الشعر إلى العربية؟*
في البداية نبه الدكتور محمد شكري عياد على أن ترجمة كتاب الشعر لم تكن إلا جزءا ضمن حركة ترجمة واسعة شملت كثيرا من الكتب الفلسفية والعلمية التي نقل بعضها عن أصوله اليونانية ونقل البعض الآخر عن ترجمات سريانية.
وانتقل للحديث عن محيط النص العربي، أي ترجمة متى، ونعني هنا بالمحيط ما يدعوه البنيوي التكويني لوسيان كولدمان «تكوين النص»، وتدخل فيه البيئة الثقافية بوجه عام وكذا المؤلف، فتحدث عن المؤثرات الثقافية في المترجم السرياني متى بن يونس التي لابد أن يستصحبها، وهو يترجم كتاب الشعر، ويعني الأدب السرياني واليوناني والعربي، وإن كانت هذه المؤثرات من قبيل محتمل الوقوع بالنسبة لشكري عياد فيما يتعلق بمتى بن يونس، لأنه كما يذهب إلى ذلك، الباحث شكري عياد لا تذكر عنه المراجع العربية الشيء الكثير، وكل ما نعرف عنه ما ذكره صاحب الفهرست، وابن أبي اصيبعة أن اسمه أبو بشر متى بن يونس أو يونان وأنه من أهل دير قنا ممن نشأ في «إسكول مرمار لي» وأنه مات ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.
وقد سبق أن أشرنا إلى أن محمد شكري عياد خطأ متى بن يونس في كثير مما ذهب إليه في ترجمته واعتبرها رديئة؛ فثقافته العربية ضحلة ولغته ليست فصيحة واتسمت ترجمته بالميل إلى الحرفية، والشرح والتقريب، واستصحاب الأفكار الدينية والمنطقية والتي لها صلة بالعلوم الحكمية، مثلما ذهب قبله [أي قبل شكري عياد] السرياني حنين بن إسحاق الذي أخذ العلم عن الخليل بن أحمد إلى أن أغلب ترجمات السريان عن اليونانية إلى السريانية خبيثة ورديئة.
ولا يستطيع محمد شكري عياد تحديد تاريخ ترجمة متى بن يونس كتاب الشعر إلى العربية بشكل دقيق وإنما يرجح أنها تمت قبل المناظرة المشهورة بين متى بن يونس وأبي سعيد السيرافي(320هـ)(5).
كتاب الشعر بين أيدي الفلاسفة:*
وقد تحدث شكري عياد في هذا الباب عن نقول الكندي والفارابي وركز على تلخيص ابن رشد.
أ)- ابن سينا 370-428هـ: لقد أفاد ابن سينا مما أنتجته عدة أجيال من المترجمين والشراح والفلاسفة قبله، ويقع تلخيصه لكتاب الشعر في قسم المنطق وهو آخر أقسام كتاب الشفاء.
وقد عرض ابن سينا في تلخيصه لشرح معنى التخييل والخرافة والاستدلال والاشتمال ومحاكاة الأفعال والذوات، كما اختار الحفاظ مع التعريب، على اصطلاح: طراغوديا وقوموذيا، ظنا منه أن المصطلح العربي ليس له نفس الكفاية الاستيعابية والدلالية التي للمصطلح اليوناني.

لوحة «مدرسة أثينا» (1509-1510) للفنان الإيطالي رافائيل

وقد عرف ابن سينا المحاكاة بقوله: «(…) هي إيراد مثل الشيء وليس هو هو» وحصر أغراض المحاكاة في: تحسين وتقبيح ومطابقة، كما تناول فكرة العظم، وفكرة وحدة العمل(6)، وقسم الخرافة إلى بسيطة ومركبة، وإن كان مفهوم الخرافة عنده يكتنفه الكثير من الغموض؛ فمرة الخرافات الشعرية هي الأقاويل المخيلة ومرة هي جزء من أجزاء صناعة طراغوديا، ومرة تغدو مقابل المحاكيات.
واستصحب ابن سينا بما هو فيلسوف ، ثقافته الفلسفية في تلخيصه، ولا أدل على ذلك من تردد فكرة صلة الشعر بالفلسفة، ويذهب شكري عياد إلى أن ابن سينا في تلخيصه لم يعتمد غير ترجمة متى بالإضافة إلى بحث البلاغيين العرب في العبارة، ويقصد كتاب البديع لابن المعتز ونقد الشعر لقدامة بن جعفر.
ب)- ابن رشد (520هـ/595هـ):
لقد عكف ابن رشد على كتب أرسطو شارحا وملخصا، وإن تعرض لنقد شديد لاذع من قبل النقاد الأوربيين؛ فرينان، ودي بور، وبايو وتر، كل أولئك نسبوا إليه الخلط في أداء معاني أرسطو والعجز عن فهمها، ونقدهم هذا فيه بعض الوجاهة خصوصا، إذا علمنا أن المنظر المسرحي لدى أرسطو أصبح نظرا فكريا لدى ابن رشد!؟؟
وعموما فقد استفاد ابن رشد من ترجمة متى وتلخيص ابن سينا، والفاربي، ويشهد على هذا أنه أورد في تلخيصه نقلين له، وبالرغم مما قيل في ابن رشد، فقد تحرى الدقة في فهم أفكار أرسطو، حاول تعريبها، وإن كان بهذا يخضع كتاب الشعر للفهم العربي، شأنه في ذلك شأن متى؛ فهو الآخر يأخذ باصطلاح المديح والهجاء، ولا يأخذ بطراغوذيا وقوموذيا.
كتاب الشعر بين البلاغيين والبلغاء:*
وجب في البدء وقبل الحديث عن تأثير كتاب أرسطو في البلاغة العربية، الإشارة إلى أن بعض المستشرقين، أمثال تكاتش، وكراتشكو ﭭسكي لا يرون أي تأثير يذكر لكتاب الشعر في الثقافة العربية!! وتبعهم في ذلك من العرب طه حسين الذي قرر أن كتاب الشعر لم يفهمه أحد من العرب على الإطلاق، ثم عاد فقال إن ابن سينا فهم منه نظرية المحاكاة!!.
ومحمد شكري عياد دحض هذا الطرح في القسم الثاني من الكتاب وبين أن فيه الكثير من التجوز والتجني على الذهنية العربية.
لقد تأثر البلغاء العرب بالفلسفة اليونانية عموما، وكتاب الشعر والخطابة على وجه الخصوص؛ فمتحوا من المنطق التعريف بالحد، وبوبوا مصنفاتهم على طريقة يونان، ونلحظ هذا في كتاب «نقد الشعر» لقدامة بن جعفر الذي تأثر تأثرا قويا بالفكر اليوناني، وفيه شيء مما تقدم ذكره.
وباعتبار قدامة أحد شراح كتب الفلاسفة اليونان، فقد كان بدهيا أن يستصحب ما وعاه في بطون الكتب الفلسفية والمنطقية في تصنيفاته في النقد العربي.
ويظهر بجلاء تأثير قدامة بن جعفر بكتاب الشعر حين حديثه عن أن الشعر ينقسم إلى مادة وصورة، ويعني بالمادة المعاني والأغراض، وبالصورة نظم الشاعر لتلك الأغراض، كما يربط الشعر بالأخلاق على طريق أرسطو «(…) فالرفعة [يقول قدامة بن جعفر] والضعة والشرف والخسة صفات للأغراض والمعاني، أي للمادة التي ينظم منها الشعر»، ويدخل الرثاء في المديح باعتباره غرضا أعم وأشمل ينهض على خلفية أن المرثي من الأخيار والأفاضل، وإن لم نجد في كتاب قدامة غير هذه الأصداء الضعيفة لكتاب الشعر، فعلينا ألا ننسى أنه كتبه قبل تلخيص الفارابي.
ويتحدث الآمدي الناقد المعروف عن العلل الأربعة للمادة (7)، ويحتكم كثيرا إلى رأي الأوائل: وهم عنده فلاسفة يونان وحديث عبد القاهر الجرجاني عن النظم يكاد يكون حديث أرسطو نفسه عن وحدة الموضوع، والشيء نفسه بالنسبة لحديثه عن التخييل، كما تأثر ابن المعتز في «بديعه»، والجاحظ في «بيانه» تأثرا غير واضح بكتب أرسطو عامة وكتابه الخطابة خاصة.
أما حازم القرطاجني في كتابه «منهاج البلغاء وسراج الأدباء» فقد تأثر تأثرا عميقا بكتاب الشعر، سيما وقد أفرد فصلا كبيرا في القسم الثاني من كتابه للحديث عما تقوم به صنعتا الشعر والخطابة من التخييل والإقناع، ويبدو الأثر الأرسطي في مصنف حازم بشكل جلي في تقسيمه الشعر إلى طريقتين طريقة الجد وطريقة الهزل، وكذا في تعريفه إياه بقوله: «هو كلام موزون مقفى من شأنه أن يحبب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها ويكره إليها ما قصد تكريهه لتحمل بذلك على طلبه أو الهرب منه بما يتضمن من حسن تخييل ومحاكاة مستقلة بنفسها أو متصورة بحسن هيئة تأليف الكلام أو قوة صدقه أو قوة شهرته أو بمجموع ذلك»(8)، وأفضل الشعر لدى حازم هو ما حسنت محاكاته وهيئته وقويت شهرته أو صدقه، وخفي كذبه.

خاتمة:
وبعد يتبين أن:
* المحاكاة مفهوم مركزي يرتد إليها الشعر أي تشكيل أصله الأول والأصل الذي يتفرع منه الميل إلى تحصيل المعرفة.
* وأن الشعر لدى أرسطو ينقسم بحسب زاوية النظر الأخلاقية إلى جليل مرتبط بالأجلاء الفضلاء، ورذيل مرتبط طبعا بالأراذل.
* أن كتاب الشعر كان له تأثير بشكل من الأشكال في الثقافة العربية، إنما تختلف درجته من ناقد لناقد ومن فيلسوف لفيلسوف، ويكفي ما أورده محمد شكري عياد في هذا الباب حجة على تكاتش وكراتشكو ﭭسكي المنكرين لهذا التأثير، وعلى طه حسين الذي يؤمن ببعضه ويكفر ببعض.

هوامش:
*-كتاب أرسطو طاليس في الشعر،نقل: أبي بشر متى بن يونس القنائي من السرياني إلى العربي، حققه مع ترجمة حديثة ودراسة لتأثيره في البلاغة العربية: د. شكري محمد عياد، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة: 1387هـ/1967م.
(1)- في الشعر، ص.48.
(2)- المصدر نفسه، ص48،47.
(3)- نفسه، ص. 62،60.
(4)- نفسه، ص. 106.
(5)- نفسه، ص. 179.
(6)- نفسه، ص. 203.
(7)- نفسه، ص. 236.
(8)- نفسه، ص. 244.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *