ضمن إطار فعاليات الدورة الأولى لمهرجان مكناس للفيلم العربي نظمت صبيحة أمس الأربعاء 19 يونيو 2019 ندوة حول موضوع ” الإنتاجات السينمائية العربية؟”، والتي شارك فيها كل من القاص والناقد السينمائي المغربي محمد اشويكة، الباحث والناقد السينمائي المصري وليد سيف، المنتج والمخرج المغربي جمال السويسي، رئيس مهرجان الإسكندرية لسينما البحر المتوسط الأمير أباظة ، وسيرها الإعلامي المغربي إدريس الإدريسي.
وفي بداية الندوة قدم لها إدريس الإدريسي قائلا أن إشكالية الإنتاج مطروحة بإلحاح في سائر الدول العربية باستثناء مصر التي مازالت محافظة على إشعاعها أما أغلب الدول الأخرى فمازالت في جلباب الدولة ، رغم ظهور مجموعة من صناديق الدعم فالتجارب لازالت ضعيفة، مستدركا أنه باستثناء التجربة المصرية والتجربة المغاربية والمغربية خصوصا ليس هنالك إنتاج بالمعنى الحقيقي للكلمة. وأضاف الإدريسي قائلا أن ما نتوفر عليه هم منتجون منفذون وليس منتجين حقيقيين.
ورأى الناقد محمد اشويكة في مداخلته أن إشكالية الإنتاج ليست جديدة وسبق طرحها أكثر من مرة في العديد من اللقاءات والندوات السينمائية. وبخصوص استشراف المستقبل – يقول اشويكة- أنه لايمكن الحديث عنه بدون طرح أسئلة من مثل هل واقع الإنتاج السينمائي في العالم العربي مريح؟ هل هناك إنتاج سينمائي حقيقي في الدول العربية؟ هل هناك بيئة تضمن للإنتاج نوعا من إمكانية توزيع منتوجه؟…فبخصوص السينما المغربية يرى المتدخل أنها تحمل مضامين مختلفة لاتجد لها استقبالا من طرف أغلب المتلقين في العالم العربي، إضافة لمشكل اللهجات فإذا كان بعضها يجد له متنفسا وترويجا كاللهجة المصرية فإن الأخرى لا تجد لها هذا المتنفس والاستقبال، وأيضا هنالك سينما يتاح لها التوزيع والانتشار في حين أن أخرى لا توزع بشكل جيد ولا مقبول، وجاء اشويكة في هذا السياق بمثال الأفلام التي يخرجها مخرجون سودانيون شباب، وركز على أن دخول التلفزيون في العملية الإنتاجية السينمائية سيفتح لها آفاقا للترويج. وعن سقف الحرية التي تتمتع بها السينمات العربية قال اشويكة أن أغلب هاته السينمات مدعوم وكل مدعوم مأزوم، فإما أن يأتي الدعم من طرف الدولة أو من طرف صناديق أجنبية لها شروطها ومقاييسها للعمل المدعم، لكن حينما يُترك الأمر للمنتجين الخواص يخلقون ظواهر تؤثر على الجمهور ، وهكذا ففي السينما العربية شقان الشق المراهن على الجمهور والشبابيك وهذا يجد نفسه مزاحما من طرف المنتوج الأمريكي وهكذا يتم تكييف الإنتاج العربي على شاكلة هذا المنتوج الأمريكي محاولا محاكاته في التقنيات والإبهار والحركة والإكثار من الموسيقى وفي صناعة النجوم الذين نجدهم في الدراما وفي الميلودراما والكوميديا، وهذا الصنف يدعم من طرف الجمهور، خلافا للشكل الفني المقابل له والذي لايدعم من طرف الجمهور ويحاصر من طرف الدولة، والذي نجد به لغة سينمائية معينة تعي المطبات لكن لاتستطيع التخلص منها فتقع في الشرك، شرك صناديق الدعم الأوروبية، إذ أن كثيرا منها تسقط في تلبية ما يريده المدعم الأوروبي وذلك بإعادة إنتاج الصورة الإستشراقية للغربي حول العالم العربي فنجد بها بطلا سلبيا وأسرة منهارة في غياب لقيم الديموقراطية وإرادة التغيير محبطة وغير محققة، ولهذا لايمكن استشراف أفق لصناعة سينمائية حقيقية بدون إرادة سياسية.
وتساءل محمد اشويكة عن أفق للإنتاجات المشتركة، مجيبا أن هنالك تجارب في هذا الإطار إذ كانت هنالك في الماضي استثمارات سعودية وكويتية وغيرها في السينما المصرية ثم هناك تجارب من مثل تجربة المخرج المغربي عبد الله المصباحي في مصر، لكن حينما كان ينتج فيلما في المغرب كان يجد فشلا ذريعا في مصر ولايتقبل هناك بشكل جيد، وبالمقابل هناك تجربة المخرج المغربي الآخر مومن السميحي في مصر من خلال فيلم “سيدة القاهرة” إذ ما أن حاول نقل الإنتاج المغربي لمصر حتى منع عنه الدعم نهائيا في المغرب.
وخلص اشويكة إلى أن المنتوج السينمائي العربي ينغلق على هوية محلية ضيقة ولاينفتح على ماهو إنساني كما هو الحال في سينمات رائدة في هذا المجال كالسينما الكورية أو سينمات أوروبا الشرقية، ففي مقابل كونهم يصنعون أفلاما حقيقية فنحن لانصنع سوى شذرات فيلمية لاترقى لكي تكون أفلاما سينمائية حقيقية.
الناقد المصري وليد سيف فَرَّق في مداخلته بين الإنتاج المشترك الذي تحضر فيه عناصر عربية في التمثيل والإخراج وغيرها من عناصر العملية الإبداعية ، وذلك الذي يكون بتمويل مشترك بيد دول عربية، هذا الأخير الذي تم الحديث عنه لسنوات طوال تجاوزت العشرين سنة لكنه لايتحقق إلا درجة المستحيل. ويضيف المتدخل أنه كانت في مصر إدارة للإنتاج المشترك لكن الحصيلة كانت رديئة، وقد تم صنع مايناهز الثلاثين فيلما من إنتاج القطاع الخاص وبشكل الإنتاج المشترك لكنها ظلت في العلب ولم يشاهدها أي أحد. وأضاف وليد سيف أن أفلاما كتلك التي أخرجها عبد الله المصباحي في مصر كانت نتائجها جيدة، لأنه اشتغل بعيدا عن المستوى الرسمي. وقال أن الحديث عن دعم الدولة الآن في مصر أصبح من شبه الترفيه والخيال في ظل الضغوط المعيشية وتدني المستوى الاقتصادي.
وخلص المتدخل إلى أن أمال السينما المصرية ومستقبلها يكمن الآن في السينما التي يتم نعتها بالمستقلة والتي هي في الحقيقة شبه مستقلة.
أما المنتج والمخرج المغربي جمال السويسي فقد تحدث بدوره عن آفاق الإنتاج السينمائي في العالم العربي مؤكدا أن المهرجانات السينمائية في المغرب تلعب دورا مهما في خلق حالة سينمائية وتساهم في توزيع الأفلام وفي عرضها في غياب دورة توزيعية حقيقية. وبخصوص الإنتاج المشترك أكد المتدخل أنه في غياب رؤية سياسية سينمائية يصعب تحقيق عملية الإنتاج المشترك، وضرب المثال بدول أوروبا التي استطاعت الانخراط في عملية الإنتاج المشترك رغم أنه لايجمعها ما يجمع الدول العربية من لغة وثقافة مشتركة.
عبد الكريم واكريم-مكناس-المغرب