حدث هذا في زمن السيبة.. حدث ذلك قبل مائة عام أو يزيد. لم يكن لعمي سي عبد الواحد، هو الذي ينتمي لفرع من العائلة اشتهرت بالعلم و امتهان الفقاهة، أية علاقة بعمليات الثأر كما لم يسبق أن تورط هو ولا أولاده في أي نزاع.. حتى أن السلاح لم يدخل بيته، لذلك رفض أن يترك الأرض عندما هاجرت الفروع الأخرى بعد خسارتهم لمعظم الأراضي في الديات وبعد أن أصبح القتل المتابدل بين العائلة وخصومهم عادة شبه يوميه. قطع صلاته بالعائلة وأقسم أن يقطع الشعرة التي تربطه ب«بني عبد الله الخياط»، إلا أن ذلك لم يشفع له عند الخصوم وتلك الشعرة التي نتفها من لحيته لم تغير في نظترهم إليه … في آخر الأمر التحق بالعائلة، بعد أن قتل أحد أولاده. العائلة الكبيرة استقبله ورحبت به كما يليق بفقيه جليل، بنوا له بيتا في زاوية محترمة عند سفح جبل، في مكان منعزل وغير بعيد من القرية وحفروا له بئره الخاصة وسط بستان ـ أعترف أنا الحفيد أنني ياما تسسلت إليه وتذوقت إجاصه ورمانه وأشهد أن لم يكن أحسن منه في تلك الأنحاء ـ أما الجامع فقد بنوه وسط القرية. كل ذلك لم ينسه في إبنه الفقيد، هذا شيئ عاد، ولكن بكاؤه المستمر أرهق العائلة كلها. ذات مرة ذهب عمي طاهر لزيارته.. وجده ينوح فسأله إن كان يود الأخذ بالثأر، أجاب بعم، قال ليرافقني أحد أولادك إذا، لعل هذا يريحك ويجعلك كأنك تنتقم بيديك. قال خذ معك سي عبد السلام. ربما كان سي عبد السلام حينذاك قد ختم القرآن مرتين أو ثلاث، أما حين عرفته أنا في صباي فقد كان قد اعتزل التعليم في الكتاب وكان يكتب للنساء ويعمل لهن التمائم، وكان الصبيان يؤخذون له البيض مع الوطاويط الحية ليكتب لهم بدمها «الحزافية» على أغصان الرمان، يهشون بها على بعضهم البعض فيبدأون في الضراط الجماعي في المسجد .. لعله كان يفعل ذلك لأجل البيض وحده، ولكن للحقيقة كان هذا يغيظ أخاه «الفقيه سي محمد».. لنترك الحديث عن «أولاد عبد الواحد» ليوم آخر. شيء آخر لابد أن يذكر حين الحديث عن سي عبد السلام، وهو أنه كان يبدأ جملته بفعل (يكون) كلازمة تتردد في كلامه (تيكون نعم آسيدي إذا بغيتي الحزاقية.. تيكون خاصك خمس بيضات وطير الليل بالروح) أما «عمي طاهر» فقد كان القاتل رقم واحد في العائلة، قد يحين حكاية قصته كذلك في يوم آخر… اصطحب معه سي عبد السلام إلى المكان حيث كمنا للقاتل الذي ما أن ظهرا له حتى أدار ظهره يريد النجاة. أطلق عليه عمي الطاهر النار، سقط الرجل على وجهه فانزاح قب جلبابه للأمام، بقي عمي الطاهر في مكانه يراقب الطريق بعد أن أعاد تلقيم السلاح وسلمه لابن عمه ليجهز على الرجل، اقترب سي عبد السلام وأفرغ النار في القب فتناثرت منه الشظايا. -هل قتلته؟- فجرت رأسه ذبح سي عبد الواحد عجلا ودعا الجميع احتفالا بالثأر. وحده زائر آت من بعيد كان يعرف أن ما تناثر من قب الجلباب كان فتاتا من قرص خبز، لم يشأ أن يفسد الفرحة وكتم الحقيقة ظوال الليلة قبل أربعين سنة، قيد حياته، كانوا حين يريدون التهكم من السي عبد السلام يسألونه كيف قتل ذلك الرجل فكان يجيبهم: يكون، نعم مولاي، حدث ذلك في زمن السيبة. يكون أنني أطلقت النار على رأس الرجل. يكون أنني رأيت دماغه يتناثر، يكون أنني لست ملك الموت لآخذ روحه.. يكون أن عزرائيل نفسه كان لا يغامر بالخروج في زمن السيبة.. يكون أنني أجعلكم تضرطون في المسجد ولا آخذ الآرواح. حدثت القصة قبل مائة عام أو يزيد، أما الحروف فعلمينها سي محمد وليس سي عبد السلام، لا أدري كيف أنهي الحكاية .. معي زائر الآن قطع علي حبل السرد، لذلك .. إلى اللقاء.
عبد اللطيف الخياطي