ضمن فعاليات ليالي رمضان، أقامت دار الشعر بتطوان حفل تقديم وتوقيع ديوان “البهموت” للشاعر العياشي أبو الشتاء، وديوان “العودة إلى تطوان” للشاعر عبد الرحمن الفاتحي، ليلة الجمعة 17 ماي الجاري، موافق 11 رمضان، في فضاء المكتبة العامة والمحفوظات بتطوان.
اللقاء الذي أقيم بتنسيق مع مؤسسة باب الحكمة، التي نشرت الديوانين الشعريين، شهد حضورا كبيرا تابع أشغال هذه الجلسة الشعرية الرمضانية، التي استمرت حتى منتصف الليل، وتوجت بتوقيع العملين الشعريين، بحضور عدد من وسائل الإعلام الوطنية والعربية. كما شهد اللقاء حضور رئيسة شبكة القراءة في المغرب، والتي توجت مؤخرا بجائزة محمد بن راشد للغة العربية في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تسملت رئيسة الشبكة جائزة أفضل مبادرة لتعزيز ثقافة القراءة وصنع مجتمع المعرفة في الوطن العربي. وأعلنت رئيسة الشبكة إلى جانب مدير دار الشعر بتطوان مخلص الصغير عن القائمة القصيرة للدواوين التي وصلت إلى المرحلة النهائية من جائزة الشباب للكتاب المغربي في صنف الشعر، حيث وقع الاختيار على عشرة دواوين شعرية من بين أكثر من 300 ديوان شعري.
واعتبر مخلص الصغير في مستهل هذا اللقاء أن لقاء “توقيعات” من جملة البرامج التي رسختها دار الشعر بتطوان، منذ تأسيسها، بمبادرة من سمو حاكم الشارقة، برنامج هدفه تقريب الكتاب الشعري من القراء وترغيبهم في تداوله والتفاعل معه، خاصة في شهر رمضان، باعتباره زمنا للإقبال على القراءة أيضا.
وذهب الشاعر والناقد نبيل منصر، في تقديمه لديوان العياشي أبو الشتاء، إلى أننا ونحن نقرأ ديوان “البهموت”، فإننا “نواجه كتابا شعريا إشكاليا. كتاب يربك البناء الشعري على مستوى التأليف والمُتخيَّل والتّجنيس واللغة الشعرية والإحالة”. ومرد ذلك، بحسب المتحدث، إنما “يعود إلى وضعية الذات داخل الكتابة، في تَمفصُل مع سؤال الحداثة الشعرية، في علاقتها بالتراث والتاريخ والشرط الانساني، في هذه المَرحلة من تجربة الشعر المغربي والعربي المعاصر”. من هنا، فإن إشكالية هذه الكتابة نجدها “تستجيب لشروط شِعرية ووجودية وثقافية في غاية التّركيب والتعقيد، عبرها تكشف الذات مقاومتَا الأبقى، بأن تضع شيئا عميقا من نَفَسِها في تشييداتها اللغوية والشعرية والرمزية”. هنا حيث تتحقق للحداثة الشعرية سمة التركيب “الذي يجعل هذا العمل الشعري، لا ينتشر أفقيا فحسب، بل يحفر عموديا في زمن الشعر وتجربته، بتداعياته المعرفية المتعددة”. لأجل ذلك، فهذا الديوان كتاب جامع “تتوالَج فيه روح المكان المغربي مع فضائها العربي والمتوسطي (الأندلسي والإغريقي) توالُجا تسري فيه روح التغريب والغناء والبناء الملحمي الأسطوري، على نحو يجعل الأرض كلَّها صدى لهذه التغريبة، التي يستيقظ فيها الإنسان على غبش حلمه، وإشراقة طموحه، وخطوته المهاجرة، الضاربة في الأصقاع، بحثا عن مكان غنائي لتوطين الجسد والروح”.
وعن ديوان “العودة إلى تطوان” المكتوب بالإسبانية، يرى خالد الريسوني أن من يتأمل هذا العمل الشعري ويتمعن في نصوصه الشعرية يجد أن الشاعر عبد الرحمن الفاتحي إنما يشتغل من أفق “شعرية تمزج بين ألفة الحب وعزلة الاغتراب”، وفي ضوئها تتشكل بلاغة صوره الفنية. وهي صور تخرج من مشكاة تضيء رؤى الشاعر وتعرضها في إهاب فني خاص. ولعل حضور هذه “الشعرية” في تجلياتها الأولى تطالعنا منذ عتبة الكتاب الرئيسة: أي منذ عنوانه “العودة إلى تطوان”، وهو عنوان دال يشي بالحمولة الدلالية لأغلب نصوص الكتاب، ولتشكلات متخيله الشعري، وخاصة صوره الفنية التي تشتغل من أفق هذه الشعرية، واستنادا إلى بلاغتها.
من هنا، جاء هذا الديوان ليحتفي بالمكان وتفاصيله، وأساسا ليحتفي “بالانتماء والألفة والذكرى. وهو بذلك يقيم علاقة وجودية متفردة مع الأوتوبيوغرافي في تنويعاته المختلفة”.
ديوان يصور فيه الشاعر عبد الرحمن الفاتحي، الفائز بجائزة رفاييل ألبيرتي للشعر، عزلته كإنسان عن الحب وعن الآخر وغربته الكونية الأزلية الأبدية واحتماءه بالمكان، بما هو مكان لدفن الذكريات والأحلام والأحزان. ففي كل قصائد الديوان “يتأكد معنى اغتراب الحب وتترسخ دلالات العزلة والتوحد والانكسار مثلما في التنويعات على قصيدة “حدود”، التي تصف مأساة الإنسان في هذا المكان الذي اسمه تطوان، والذي كتب للشاعر أن يحتضنه بألفة في أرضية ديوان “العودة إلى تطوان”، تطوان الفضاء الذي لم يغادره الشاعر أبدا، لكنه استطاع أن يشكل من صوره المختلفة موضوعا لبناء متخيله الشعري الذي يصب كله في منحى واحد متعدد وهو إبراز غربة الإنسان في الزمان والمكان…
وبعدما قرأ الشاعران قصائد تفاعل معها جمهور دار الشعر بتطوان، انطلق حفل توقيع هذين الديوانين الشعرين، في فضاء المكتبة العامة والمحفوظات بتطوان، وهي المكتبة التي كانت شاهدة على ميلاد حداثة الشعر المغربي، وفيه جرى توقيع أولى الدواوين الشعرية التي صدرت في المغرب قبل مرحلة الاستقلال وبعده.
طنجة الأدبية