عرفت السينوغرافيا،باعتبارها فنا لتنظيم وتأثيث الفضاء المسرحي، تحولات كبيرة طالت مفهومها،موقعها في صناعة الفرجة المسرحية ، علاقتها بالتقنيات الرقمية الجديدة وأثرها على شروط إنتاج المسرح وتلقيه.
فإذا كان عمل السينوغراف قد اقتصر، خلال العصور القديمة اليونانية والرومانية ، على رسم وصباغة الديكور المسرحي،فإنه سرعان ما أصبح بمثابة فن قائم بذاته،لاسيما منذ عصر النهضة، حيث بات ممكنا للسينوغراف أن يتدخل في تنظيم الفضاء المسرحي وفق منظوره الخاص.
إلا أن المنعطف الجديد الذي دخلته السينوغرافيا مع مسرح القرن العشرين يبقى نقلة نوعية في مسار هذه الممارسة الفنية ،مكنت صاحبها من التماهي مع مهمة المخرج بحيث أصبح ممكنا للسينوغراف أن يقترح تصورا جماليا مميزا للعرض المسرحي ويتدخل في هندسة فضائه وبلورة مختلف عناصر الفرجة فيه.وربما تعتبر السينوغرافيا إحدى أهم الأبواب التي فتحت للتقنيات الرقمية، والوسائط بشكل عام، كي تصبح جزءا من السيرورة الإبداعية للعرض المسرحي المعاصر.
هذا المسار تحولت معه السينوغرافيا ، في بعض التجارب المسرحية،إلى عملية إخراج موازية وقائمة بذاتها للعمل المسرحي،بشكل جعلنا نكتشف أن عروضا مسرحية ربما أنقذها جماليا ،وصنع قوتها الإبداعية ،التصور السينوغرافي.ولعل هذا ما جعل العديد من المسرحيين يراهنون في تحقيق التألق الجمالي لأعمالهم على السينوغرافيا باعتبارها فنا تمتزج فيه “صناعة الصور” الجميلة ،بدينامية الأداء في الفضاء المسرحي. ولا عجب أن تفضي هذه الصيرورة إلى بروز فاعل إبداعي جديد في المشهد المسرحي هو السينوغراف-المخرج ،و السينوغراف-الدراماتورج،بشكل غير الخريطة التقليدية لمواقع الفاعلين في صناعة الفرجة المسرحية الجديدة.
لقد تحولت الدراماتورجيا إلى لبنة أساسية في ترجمة “حالة الوعي الدراماتورجي ” التي بات يتأسس عليها كيان الفرجة ككل، من الكتابة إلى العرض، وصولا إلى التلقي.وبالتالي ، أصبح ممكنا أن تبدأ الولادة الحقيقية للعرض،أحيانا، من التصور السينوغرافي الذي تحاول العناصر الأخرى خدمته والخضوع له، بشكل أو بآخر.ولعل مافتحته الوسائط أو الرقميات من أفق في هذا الباب يعتبر بمثابة فتح جديد بالنسبة للسينوغرافيا في المسرح المعاصر.
والجدير بالإشارة أن المسرح المغربي يعكس من خلال العديد من تجاربه الجديدة هذا الوعي الجديد بأهمية السينوغرافيا، وبدورها في تحقيق الرهان الجمالي للعرض المسرحي،لاسيما وأن المشهد المسرحي المغربي عرف ظهور جيل من السينوغرافيين الشباب خريجي “المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي” تلقوا تكوينا تخصصيا في السينوغرافيا، و كانت لهم بصمتهم المميزة في فرجات المسرح المغربي خلال العقود الأخيرة.
وعليه، يبدو مهما جدا أن تتوقف هذه الندوة عند موضوع السينوغرافيا، باعتبارها رهانا للفرجة المسرحية الجديدة، لكي تسائل مفهومها الجديد، وأثرها على السيرورة الإبداعية في المسرح ،ودورها في خلق أنماط مغايرة لإنتاج المسرح وتلقيه، وذلك من خلال الإجابة على التساؤلات التالية:
– ماهي التحولات التي طالت مفهوم السينوغرافيا منذ العصر اليوناني القديم إلى اليوم؟
– كيف أصبحت السينوغرافيا فنا قائما بذاته؟
– ما هي المهارات والتقنيات التي يتطلبها بروفايل مهنة السينوغراف؟
– ما هي التقاطعات والتداخلات الممكنة بين الإخراج والسينوغرافيا؟
– ما هي الآثار الممكنة للتقنيات الرقمية الجديدة على فن السينوغرافيا؟
– ما موقع السينوغراف – الدراماتورج ، والسينوغراف – المخرج في المشهد المسرحي المعاصر؟
– ماهي الحصيلة الفنية للسينوغرافيا في علاقتها بالريبرتوار المسرحي المغرب؟
– هل تشكلت ملامح تجارب مميزة لسينوغرافيين مغاربة في المشهد المسرحي؟
هذه بعض من الإشكالات المطروحة على المشاركين في الندوة ، بخصوص السينوغرافيا ،من أجل المساهمة في تفكيك عناصرها وبلورة وجهات نظر حولها.
إعداد : حسن يوسفي